|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
العبد الهارب أن تَكونَ عَبداً في عَصر الإمبراطورِيَّة الرُّومانِيَّة يَعني أن تَكونَ مَحروماً مِن أبسَط حُقوقِكَ كَإنسان. وأن تَكونَ عَبداً في القَرن الأوَّل الميلادي يَعني أن تَكونَ حَرفِيّاً مُلكاً لِسَيِّدِك، أي لا تَستَطيع أن تَمتَلِكَ شَيئاً، ولَيسَ لَدَيكَ أيَّة حُقوق مَدَنِيَّة، فَكُل ما تَقوم بِهِ هو خِدمَة سَيِّدِك دونَ أُجرة أو راتِب. فهو يَقدِر أن يَبيعَكَ وأن يُأَجِّركَ لِمَن يَشاء، ويُمكِنهُ أن يَجلِدَك ويُعَذِّبَك ويوسِمَك بِعَلامَة مُلكِيَّتِهِ لَك، حتَّى أنَّهُ يَقدِر أن يَقتُلَك دُونَ أن يُعاقَب. العَبد الهارِب مِن سَيِّدِهِ، بِحَسَب مَعايير تِلكَ الحَقَبة يَستَحِق المَوت بِطَريقة بَشِعَة ومُؤلِمَة، طَريقة اشتَهَر بِها الرُّومان وهيَ الصَّلب، ناهيكَ إن كانَ قَد سَرَقَ شَيئاً مِن سَيِّدِهِ قَبلَ أن يَهرُب، فَهذا يَزيدُ الطِّينَ بِلَّة. وهذهِ كانَت حالَة أحَد العَبيد المَكتوبة في أصغَر رَسائِل بولُس الرَّسول وهيَ الرِّسالة إلى فِليمون. هذا العَبد اسمُهُ أونسيموس وقَد هَرَبَ مِن سَيِّدِهِ فِليمون بَعدَما سَرَقَهُ، لكِنَّهُ التَجَأَ فيما بَعد إلى الرَّسول بولُس. وتَعَرَّفَ هذا العَبد الهارِب أونسيموس عِندَ بولُس الرَّسول على الإيمان المَسيحي أكثَر وآمَنَ بِالمَسيح، لِيَقومَ بولُس بَعدَها بِرَدِّهِ إلى سَيِّدِهِ فِليمون مُحَمِّلاً إيَّاهُ رِسالةً يُطالِبهُ فيها بِأن يُسامِح أونسيموس ويَعفو عَنهُ: “فَإِيَّاهُ أَرُدُّ إِلَيْكَ، فَاقْبَلْهُ كَأَنَّهُ فِلْذَةٌ مِنْ كَبِدِي!”. الرِّسالة إلى فِليمون 12 وقَد ذَكَرَ بولُس في رِسالَتِهِ أنَّهُ سَوفَ يَتَكَفَّل بِما سَرَقَهُ العَبد وسَيَرُد لِلسَّيِّد فِليمون الأموال المَسروقة مِن نَفَقَتِهِ الخاصَّة، طالِباً مِنهُ أن يَعتَبِرَ العَبد وكأنَّهُ بولُس، لِيَكونَ بولُس بِذلك قَد أعطى صِفَتَهُ لِلعَبد وصِفَة العَبد لَهُ. حَمَلَ بولُس الذَّنبَ عن العَبد، وتَحَمَّلَ عَواقِب السَّرِقَة، وأعطى مَكانَتَهُ لِلعَبد، مع العِلم أنَّ بولُس كانَ مُعَلِّما لِلمَسيحِيَّة وساهَمَ في تَأسيس الكَنائِس في مَدينَة كولوسّي، أي مَكان وُجود فِليمون. “فَرُبَّمَا لِهَذَا السَّبَبِ قَدْ أُبْعِدَ إِلَى حِينٍ: كَيْ تَمْتَلِكَهُ إِلَى الأَبَدِ، لَا كَعَبْدٍ فِيمَا بَعْدُ، بَلْ أَفْضَلَ مِنْ عَبْدٍ، أَخاً حَبِيباً، إِلَيَّ بِخَاصَّةٍ، فَكَمْ بِالأَحْرَى إِلَيْكَ، فِي الْجَسَدِ وَفِي الرَّبِّ مَعاً؟ فَإِنْ كُنْتَ تَعْتَبِرُنِي شَرِيكَكَ، فَاقْبَلْهُ كَأَنَّهُ أَنَا. وَإِنْ كَانَ قَدْ أَسَاءَ إِلَيْكَ فِي شَيْءٍ، أَوْ كَانَ مَدْيُوناً لَكَ بِشَيْءٍ، فَاحْسُبْ ذَلِكَ دَيْناً عَلَيَّ. وَهَا أَنَا بُولُسَ قَدْ كَتَبْتُ هَذَا بِخَطِّ يَدِي: أَنَا أُوفِي، وَلَسْتُ أُذَكِّرُكَ هُنَا أَنَّكَ مَدْيُونٌ لِي بِنَفْسِكَ أَيْضاً” الرِّسالة إلى فِليمون 15-19 هذهِ الكَلِمات غَريبة عن مَعايير تِلكَ الأيَّام، كَلِمات جَديدة، وِجهَة نَظَر لَم يَعتَد عَليها النَّاس، بولُس يَطلُب ما لَم يَكُن يُطلَب عادَةً، يَطلُب مِنَ السَّيِّد مُسامَحَة عَبدِهِ في حين أنَّ هذا العَبد كانَ يَستَحِقّ العِقاب العادِل على سَرِقَتِهِ وعلى هُروبِهِ الذي كانَ يُعتَبَر جَريمة آنَذاك. لكِن مِن أينَ استَمَدَّ بولُس هذهِ الثِّقَة لِكَي يُجري هذا التَّغيير في العَلاقة بَينَ العَبد وسَيِّدِه، ولِيُتِمَّ المُصالَحَة بَينَهُما؟ سَنَذكُر ثَلاثَة أُمور ساهَمَت بِذلِك • أوَّلاً: فِليمون كانَ مؤمِناً بِالمَسيحِيَّة، وبولُس بِصِفَتِهِ مُعِلِّمَهُ فَلَدَيهِ الحَق في أن يَطلُبَ مِنهُ ما يَشاء بالمَحَبَّة، وبِالمُقابِل على فِليمون أن يُكرِمَ بولُس عَبرَ الإستِجابة لِطَلَبِه: “لِذَلِكَ، فَمَعَ أَنَّ لِي كَامِلَ الْحَقِّ فِي الْمَسِيحِ أَنْ آمُرَكَ بِالْوَاجِبِ، إِلاَّ أَنِّي، إِكْرَاماً لِلْمَحَبَّةِ، اخْتَرْتُ أَنْ أُقَدِّمَ إِلَيْكَ الْتِمَاساً، بِصِفَتِي بُولُسَ الْعَجُوزَ وَالسَّجِينَ حَالِيًّا لأَجْلِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ. فَأَلْتَمِسُ مِنْكَ لأَجْلِ وَلَدِي الَّذِي وَلَدْتُهُ وَأَنَا مُكَبَّلٌ بِالْقُيُودِ، أُونِسِيمُوسَ، الَّذِي كَانَ فِي الْمَاضِي غَيْرَ نَافِعٍ لَكَ، وَلَكِنَّهُ الآنَ نَافِعٌ لَكَ وَلِي” الرِّسالة إلى فِليمون 8-11 • ثانِياً: كانَ يُعطى لِلعَبد اِسماً يَحمِل صِفَة تَنطَبِق عَليهِ، واِسم أونسيموس يَعني نافِع، لِذلِكَ بولُس يَقول لِفليمون أنَّهُ سَيَكون الآن نافِعٌ لَكَ وَلِي، وكَلام بولُس هذا مَبني على ثِقَتِهِ في التَّغيير الجَذري الذي أجراهُ المَسيح في حَياة العَبد أونسيموس. • ثالثا: تَصَرُّف بولُس يَتَوافَق مع تَعاليم المَسيحِيَّة، ومع ما سَبَقَ وعَلَّمَهُ هو بِنَفسِهِ لِلكَنائِس الأُخرى: “لَا فَرْقَ بَعْدَ الآنَ بَيْنَ يَهُودِيٍّ وَيُونَانِيٍّ، أَوْ عَبْدٍ وَحُرٍّ، أَوْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.” رِسالة بولُس الرَّسول إلى أهل غَلاطية 28:3 رِسالة بَسيطة لكِنَّها تُعطينا لَمحة مُهِمَّة عن التَّغيير الذي بَدَأت المَسيحِيَّة بِصُنعِهِ مُنذُ بُزوغِ فَجرِها، لِتَكونَ غَيضٌ مِن فَيضٍ لِكُلِّ التَّغييرات الإيجابية التي أحدَثَتها على الشَّعوب في السَّنَوات اللَّاحِقة. كتب يُمكِنُنا أن نُلاحِظ كَيفَ أنَّ بولُس قامَ بِهذا العَمَل مُتَأثِّراً بِما قامَ بِهِ المَسيح مِن أجلِهِ ومِن أجلِ شَعبِهِ. إذ ونَحنُ الذينَ كُنَّا أعداءً وعُصاةً لله ونَستَحِق العِقاب، صالَحَنا المَسيح مع الله بِدَفعِهِ الثَّمَن بَدَلاً عَنَّا، فحَمَلَ آثامَنا ومَعاصينا لِيُعطِينا بِرَّهُ وفِداءَهُ، آخِذاً مَكانَتَنا لِيَمنَحَنا مَكانَتَهُ، وبذلكَ اعتَبَرَ الله المَسيح على الصَّليب كأنَّهُ نَحنُ، لِيَعتَبِرَنا نَحنُ كأنَّنا هو إن آمَنَّا بِهِ، فَيَرُدَّنا إليهِ ويَقبَلنا بِالمَسيح في مَلَكوتِهِ الأبَدي. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
اسكتش انسيمس (العبد الهارب) |
أنسيموس العبد الهارب الذى تاب |
في معاملة العبد الهارب يقول الرب |
فيلم العبد الهارب القديس انسيمس |
انسيمس العبد الهارب |