|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وَلَكِنِ ارْجِعُوا كُلُّكُمْ وَتَعَالُوْا، فَلاَ أَجِدُ فِيكُمْ حَكِيمًا [10]. يطالبهم أيوب أن يرجعوا عما يفكرون فيه، وليدركوا أنه ليس بينهم حكيم واحد، لأنهم يسألونه التوبة من أجل عودة الرخاء إليه والرفاهية في العالم، ظانين أن هذا فيه تعزيات المتألمين. إنهم غير حكماء، لأنهم حوّلوا أعينهم عن تعزيات السماء إلى رفاهية العالم. سعادة الصديقين في رجائهم في الأبدية، لا في نوالهم خير زمني. كأنه يقول لهم إنه من الحماقة أن يسمع لهم ويجيب طلبتهم فيهبهم ما هو زمني. *"حسنًا، تعالوا الآن، انهضوا جميعكم، إذ لا أجد الحق فيكم" (أي 17: 10 LXX). كأنه يقول: تعالوا وأنتم متعاونون معًا، ولتدخلوا في حوار حار ضدي. يعرف أيوب أن واحدًا مفردًا يقتفي أثر ألف، واثنين يمكنهما أن يهزما عشرات الألوف (تث 32: 32). فلا حاجة إلى عدد عظيم من المصارعين، خاصة متى تسلحوا بالكذب. إنني أرى على نحوٍ جازمٍ أنه لا يوجد الحق فيكم، لهذا بالتأكيد أحرضكم جميعًا على المعركة. يليق بالإنسان أن يدهش للروح الجريء في كلمات أيوب. فبعدما وطأ أصدقاؤه عليه تحت الأقدام حتى أننا لا نقدر أن نتصور كيف تألم، غير أنه لم يهدأ عن مناظرتهم ولا تخلى عن صبره الذي جعله مرعبًا لأعدائه. الأب هيسيخيوس الأورشليمي يرى البابا هنا أن أيوب يدعوهم لعملين: الأول السلبي وهو الكف عن الخطية، والثاني إيجابي وهو عمل الصالح، هذا ما عناه بأن يغيروا طريقهم الشرير، ويأتوا إليه حاملين الأعمال الصالحة. * يسألنا بولس أن نكون أمواتًا للعالم، فإن هذا الموت نافع لنا، بكونه بدء حياة جديدة. هكذا أيضًا يأمرنا أن نكون جهلاء للعالم، لكي بهذا ندخل إلى الحكمة الحقيقية. تصيرون جهلاء لهذا العالم عندما تحتقرون الحكمة الأرضية، وتثقون أنها لا تساهم في إدراكنا للإيمان. القديس يوحنا الذهبي الفم الأب ثيؤدورت "لعلي لا أجد إنسانًا واحدًا حكيمًا بينكم" [10]. ماذا يعني هذا أنه يوصيهم بالحكمة، وفي نفس الوقت يشتاق ألا يجدهم حكماء، سوى أنهم لا يقدرون أن يأتوا إلى الحكمة الحقيقية حين ينخدعون بثقتهم في حكمتهم الذاتية الباطلة؟ كُتب عن هذا: "لا تكن حكيمًا في عيني نفسك. (راجع إش 5: 21). قيل أيضًا: "لا تكونوا حكماء عند أنفسكم" (رو 12: 16). في هذا يقدم الكارز العظيم (بولس) مشورة لأولئك الذين وجدهم حكماء جسديًا، وهي لكي ينالوا حكمة حقيقية يلزمهم أولًا أن يصيروا أغبياء، قائلًا: "إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصر جاهلًا لكي يصير حكيمًا" (1 كو 3: 18). ويقول الحق نفسه: "أحمدك أيها الآب، رب السماء والأرض، لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء، وأعلنتها للأطفال" (مت 11: 25). هكذا لأن الذين هم حكماء في عيون أنفسهم لا يقدرون أن يأتوا إلى الحكمة الحقيقية، فإن الطوباوي أيوب، إذ كان تواقَا لتغيير سامعيه، بالحق اشتهي ألا "يوجد أي إنسانٍ حكيم بينهم". وكأنه يقول بصراحة: "تعلموا أن تكونوا جهلاء في أنفسكم، لكي تكونوا حكماء حقيقيين في الله". البابا غريغوريوس (الكبير) مار إسحق السرياني |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|