|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الحاجة إلى التذلل لله "مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى يَزْكُو؟ أَوْ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَتَبَرَّرَ؟ [14] هذه حقيقة أنه ليس إنسان يتزكى أمام الله، ولا مولود امرأة يتبرر في عينيه، بسبب فساد الطبيعة البشرية. وكما سبق فقال: "من يخرج الطاهر من النجس؟" (أي 14: 4). لكن ما يهدف إليه أليفاز أنه يؤكد بأن أيوب شرير مرائي. فيطبق هذه الحقيقة على أيوب ولا يطبقها على نفسه وعلى رفقائه. * قال هذا، ربما لأن أيوب قال: "أبعد يدك عني، ولا تدع هيبتك ترعبني" (أي 13: 21)... فقد بالغ أليفاز كثيرًا ليزيد من تشويه سمعة أيوب والاتهامات الموجهة ضده، إن غضبه صار بلا نفع له. وفيما كان يشوه سمعة أيوب وجد أليفاز نفسه يغطس فيه، فقد سبّ البرّ بغضبه، وفي جنونه فشل في إدراك الظروف التي فيها نطق أيوب بهذه الأمور. لتعملوا ماذا أضاف: "من هو المائت (الإنسان) حتى يزكو أو مولود المرأة حتى يتبرر" [14]. وقد نطق أيوب بذات الكلمات بكل وضوحٍ: "من يخرج طاهرًا من النجس؟ لا أحد، حتى وإن كانت حياته يومًا واحدًا" (أي 14: 4). لم يكن أيوب جاهلًا بضعف جنسنا، بل بالعكس إذ كان عارفًا ذلك لم يخفِ الأمر، بل أعلنه بصوتٍ عالٍ كما تسمعون. فقد سبق فقال أيوب قبلًا ما يفتخر به أليفاز. لقد قال هذا بلياقة، إذ أعلن عن ضعفنا بحكمةٍ وهدوءٍ. لهذا لم يكن يستحق أن يكون موضع اتهام، بل موضع مديح. الأب هيسيخيوس الأورشليمي *"من هو الإنسان حتى يكون طاهرًا؟" فإنه بذات دعواه إنسانًا يوصف أنه أرضي ضعيف، فإن كلمة إنسان (بالعبرية) يُدعى أرضًا (آداما adamah). كيف يمكن له أن يتحرر من الوصمة ذاك الذي خُلق من الأرض، وبإرادته سقط في الضعف؟ لقد أضيف: "ومولود المرأة كيف يتبرر؟" فإن المرأة عرضت أول قطعة من الشر للإنسان في الفردوس. هكذا كيف يظهر بارًا من وُلد من التي عرضت الشر؟ البابا غريغوريوس (الكبير) "هُوَذَا قِدِّيسُوهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ، وَالسَّمَاوَاتُ غَيْرُ طَاهِرَةٍ بِعَيْنَيْهِ" [15] يستخدم الله قديسيه وملائكته، لكنه لا يأتمنهم على خلاص الإنسان، إذ هم ليسوا كفاة لتحقيق الخلاص. إن كانت النجوم تحسب غير منيرة بجوار الشمس فماذا تكون السماوات بجوار خالقها؟ *لا يمكن أن يُوجد أحد طاهر من دنسٍ في عيني الله، ليس أحد مهما قصرت أيامه (راجع أي 14: 4-5). "السماوات غير طاهرة بعينيه" (أي 15:15)، "إلى ملائكته ينسب حماقة" (أي 4: 18). لماذا أقول كل هذا؟ إن كانت السماوات ليست طاهرة، وحتى ملائكته ليسوا بلا خطأ، كم بالأكثر يوجد الشر في أفكار البشر؟ أين أولئك الذين يقولون: "ابعدوا عني، فإني طاهر" (راجع إش 65: 5 LXX؛ لو 5: 8). نحن نعلم أننا نعاني يومًا فيومًا مما في أفكارنا، حتى أننا نستحي ونشعر بالخجل أن نعلنها. كثيرون لم يرتكبوا خطايا خطيرة، وآخرون لم يخطئوا بلسانهم قط، لكن لا يوجد بين البشر من لم يخطئ بالفكر، لذلك يقول المرتل: "لأن فكر الإنسان يعترف لك". * "وأخضع كل شيء تحت قدميه" (أف 1:22)... لماذا كل الأشياء؟ لماذا يُقال إن الملائكة والسلاطين والقوات وكل القوات الأخرى الذين لم يعارضوا الرب قط أنهم يوضعون تحت قدميه؟ يبدو الأمر غامضًا. لكن الإجابة على ذلك هو أنه لا يوجد قط من هو بلا خطية. "الكواكب ذاتها غير طاهرة بعينيه" [15]، وكل خليقة ترتعب عند مجيء الرب... يوجد تفسير آخر وهو أن "كل" لا تشير إلى الجميع بل إلى أولئك الذين هم موضوع الجدال. وذلك كما يقول قائل: "كل المواطنين صرخوا"، لا يعني بهذا أنه لم يوجد أحد قط صامت، وإنما قيل هذا عن الغالبية التي تطغي على الأقلية. القديس جيروم * "هوذا قديسون ليس بينهم أحد غير متغير، والسماوات ليست بطاهرة في عينيه". إنه يكرر اسم "السماوات" التي أشير إليها بلقب "القديسين". مكتوب عن هؤلاء القديسين عينهم: "السماوات تحدث بمجد الله" (مز 19: 1). هؤلاء الذين بالطبيعة التغير لائق بهم. ولكن متى رغبوا بجدية أن يلتصقوا دومًا بالحق غير المتغير، فبالتصاقهم به يأتون إلى العبر (الحياة السماوية) ليصيروا غير متغيرين... لأنه ما هو هذا التغير سوى نوع من الموت؟ إذ يغير الشيء إلى شيء آخر، وكأنه يقتل ما كان ليصير إلى ما لم يكن عليه. قيل عن خالق كل الأشياء: "الذي وحده له عدم الموت" (1تي 6: 16)، بكونه هو وحده غير المتغير في ذاته. كُتب عنه في يعقوب: "ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع 1: 17). لأن التغير ذاته هو ظل... حسنًا قيل هنا: "السماوات ليست بطاهرة في عينيه"، فإنها بذاتها أمام معرفة الله الدقيقة، حتى الكارزون بالطهارة لا يمكن أن يكونوا كاملين. كما يشهد بذلك يوحنا القائل: "إن قلنا إنه ليس لنا خطية نُضل أنفسنا، وليس الحق فينا" (1يو1: 8). إن كان من بين القديسين لا يوجد أحد غير متغير، والسماوات ليست طاهرة في عينيه، فمن يدعي لنفسه أنه ممارس للبرّ؟ البابا غريغوريوس (الكبير) "فَبِالْحَرِيِّ مَكْرُوهٌ وَفَاسِدٌ الإِنْسَانُ الشَّارِبُ الإِثْمَ كَالْمَاءِ!" [16] إن كان الله لا يأتمن القديسون على بعض أعماله كالخلاص، فكم يكون حال الخطاة الفاسدين الذين يشربون الإثم كالماء. يجد الإنسان لذته في الإثم كما يتلذذ الإنسان الظمآن وهو يشرب الماء. ويحسب الأثيم الشر جزءً لا يتجزأ من كيانه، لا غنى له عنه، كما يحتاج الإنسان إلى الماء، ولا يستطيع أن يحيا بدونه. * "كم بالحري مكروه وغير نافع الإنسان الشارب الإثم كالماء؟"..."مكروه" بسبب نجاسته ووصمته، و"غير نافع" بسبب شر حياته الناقصة. يُمكن أيضًا أن يفهم "مكروه وغير نافع" بمعنى آخر. غالبًا ما يمارس الإنسان الشرير أمرًا مستقيمًا، ولكن بممارسته الأمور الخاطئة تصير حتى الأمور التي فعلها باستقامة كلا شيء... ما يؤكل أولًا يحتاج إلى مضغ لكي يُبتلع، أما ما يُشرب فليس من عائق أمامه... وهكذا يمارس الجاهل الخطية دون تراجع "يشرب الإثم كالماء". البابا غريغوريوس (الكبير) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|