منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 02 - 03 - 2023, 12:53 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,942

أيوب | البرهان على ذلك




البرهان على ذلك

إِنْ شَاءَ أَنْ يُحَاجَّهُ لاَ يُجِيبُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ أَلْفٍ [3].
لا يستطيع إنسان ما أن يباري خالقه في المناقشة أو في النضال. لا يقدر الإنسان أن يجيب عن سؤال واحدٍ من بين كل ألف سؤال يقدمه الله له. لقد تكلم الله مع أيوب وعرض عليه عدة أسئلة، ووقف أيوب عاجزًا عن الإجابة عن أي سؤال منها (أي 38، 39). هكذا تقف حكمة الإنسان صامته في عجز أمام حكمة الله الفائقة.
يوجه الله إلى الإنسان ألف اتهام، ولا يجد الإنسان إجابة ليبرر ما يفعله ولو في أمرٍ واحد من الألف، لأن الله لا يخطئ في حكمه. وهو يعرف أعماقنا أكثر من معرفتنا نحن لأنفسنا. ليس لنا إلا أن نضع أيادينا على أفواهنا كما فعل أيوب (أي 40: 4-5).
* ألم اعترف لك بمعاصي، يا إلهي، وأنت نزعت أثم قلبي؟ إنني لا أناضل في المحاكمة معك، إذ أنت هو الحق. لست أود أن أخدع نفسي، لئلا يقف إثمي ضد نفسه. لذلك لست أجادل في أحكامك، لأنك "إن كنت تراقب الآثام يا رب فمن يقف؟" (مز 130: 3).
* لست أجادل في المحاكمة معك، يا من أنت هو الحق. لن أخدع نفسي، لئلا تقف آثامي ضد الحق. لذلك لن أناضل في المحاكمة معك. لأنك إن كنت تراقب الآثام يا رب فمن يقف أمامك؟ (مز 3:130).
* الله وحده هو البارّ والذي يبرّر، يهب الإنسان البرّ.
إنهم يطلبون أن يُثبتوا برّ أنفسهم، بمعنى أنهم يظنّون بأن الصلاح هو من عندهم لا عطيّة إلهية. بهذا "لم يخضعوا لبرّ الله" (رو 10: 3)، لأنهم متكبرون ويحسبون أنهم قادرون على إرضاء الله بذواتهم لا بما لله.
القديس أغسطينوس
* في الكتاب المقدس رقم 1000 عادة ما يشير إلى "المجموع الكلي".... يقول المرتل: "الكلمة التي أوصي بها ألف جيل" (مز 105: 8)... هكذا قيل بيوحنا الرائي: "يملك معه ألف سنة" (رؤ 20: 6)، لأن ملك الكنيسة المقدسة يتم حيث يصير كاملًا في مجموعه...
الآن من يناضُل مع الله لا يُنتسب إليه، بل ينسب لنفسه مجد صلاحه. ليت الإنسان القديس يعتبر أن ما قد ناله فعلًا حتى أعظم العطايا أهمية إنما إذا تمجد إنما بسبب ما ناله كهبة... وليقل: "من يحاججه لا يقدر أن يجيب واحد عن ألف". لأن من يناضل مع خالقه يعجز عن الإجابة عليه عن واحد من ألف. فإن الإنسان الذي يضع نفسه في موضع الكمال يبرهن على أنه ينقصه حتى بداية الحياة الصالحة نفسها.
البابا غريغوريوس (الكبير)
* "إن كنت تراقب الآثام يا رب، يا رب فمن يقف؟" (مز 3:130). بمعنى أن كل أحدٍ يقول: "أنا خاطي، إني مملوء بخطايا بلا حساب، لا أقدر أن أقترب إلى الله وأصلي وأدعوه"... إنه مستحيل بالنسبة لأي أحدٍ أن يقدم حسابًا دقيقًا عن شئونه، وإنما يطلب الرحمة والحنو. نقول هذا، لا لنسحب النفوس إلى عدم المبالاة، بل لنقدم تعزية لأولئك الذين سقطوا في اليأس. "من يقول: إني زكيت قلبي، وتطهرت من خطيتي" (أم 9:20) فليتذكر: "من يثق في أنه حرٌ من الخطايا؟"
القديس يوحنا الذهبي الفم


هُوَ حَكِيمُ الْقَلْبِ وَشَدِيدُ الْقُوَّةِ.
مَنْ تَصَلَّبَ عَلَيْهِ فَسَلِمَ؟ [4]
إن تجاسر أحد وأصر على عناده وتمرده على الله، حتما يجني ثمر حماقته. كل الذين تحدوا ولم يتوبوا لم يسلموا، ولا وجدوا سلامًا في أعماقهم، وراحة في طريقهم، ونجاحًا في أعمالهم. كل مقاومة الله تشبه العشب أو الشوك الذي يتحدى النار فيحترق ويهلك (إش 27: 4؛ حز 28: 24).
الملائكة الذين تصلبوا على الله لم يسلموا (2 بط 2: 4). وإذ حارب التنين الله طُرح إلى الأرض (رؤ 12: 7-9). هكذا الخطاة المتمردون "يذخرون لأنفسهم غضبًا في يوم الغضب" (رو 2: 5).
إنه لجنون مطبق أن يقف الإنسان ليقاوم الله أو يناضل ضد الكلي الحكمة والقدرة، العارف بكل شيء والقادر على كل شيء.
من يريد السلام الحقيقي لا يدخل في خصومة مع الله، بل يقبل السيد المسيح الذي هو سلامنا، يهبنا المصالحة مع الله أبيه، ومع نفوسنا ومع إخوتنا، بل ومع الطبيعة نفسها.
* "فإنه هو حكيم في القلب، وقدير في القوة". أي عجب إن دعونا خالق الحكماء حكيمًا، هذا الذي نعرف أنه الحكمة ذاتها؟ وأي دهشة أن يصفه ب "القدير"، حيث أنه هو القدرة ذاتها؟ لكن القديس إذ يسَّبح الخالق بهاتين الكلمتين ينقل إلينا المعنى حيث يدعونا أن نرتعب عند معرفتنا لأنفسنا. فإن الله يدعى "الحكيم" إذ يعرف تمامًا أسرار قلوبنا، كما يضيف "القدير"، إذ معروف أنه يضربهم بقوةٍ. لذلك فإنه لا يُخدع بواسطتنا إذ هو حكيم، ولا نقدر أن نهرب منه لأنه قوي...
"من يقاومه ويكون له سلام؟" لأن خالق كل الأشياء بطريقة عجيبة هو نفسه يديرها، حتى إذ خلقت تعمل معًا في تناغمٍ. لهذا فإن أية مقاومة ضد الله تكسر التناغم معًا في سلام، ولا يمكن إدارة هذه الأمور حسنًا، إذ تفقد الإدارة التي من فوق. إن خضعت هذه الأمور لله تستمر في السلام، وإن تركت لذاتها تعمل في تشويش... أب الجنس البشري الأول إذ عصى وصية خالقه تعرض لغطرسة الجسد، وإذا لم يخضع لخالقه في طاعة له، ينحط بذاته حتى يفقد سلام الجسد...
الآن يُقال إننا نقاوم الله حينما نعارض تدبيره. ليس أن ضعفنا يقاوم قراراته غير المتغيرة، ولكن ما يفعله ضعفنا ليس فيه قوة لإتمامه. لكن إن حاول الضعف البشري غالبًا ما يعرف قوة تدبيره، ومع هذا يهدف نحو معارضته قدر استطاعته.
البابا غريغوريوس (الكبير)
* من يطلب السلام يطلب المسيح، إذ هو السلام .
القديس باسيليوس الكبير
* يقول: "(المسيح) هو سلامنا" (أف 14:2). يدعوه في موضع آخر وسيطًا. إنه بإرادته يتوسط بين مجالين منقسمين.
النفوس المولودة من ينبوع صلاح الله، حُجزت في العالم. وُجد حاجز في الوسط، نوع من السياج. حاجز من صنع خداعات الجسد والشهوات العالمية. والمسيح بسٌَره، بصليبه وآلامه وطريق حياته، حطم هذا الحاجز. لقد هزم الخطية وعلَّم أنه يلزم تحطيمها.
نزع الحاجز من الوسط. لقد غلب العداوة في جسده. العمل ليس عملنا نحن. لم نُدع لنحرر أنفسنا.
الإيمان بالمسيح هو خلاصنا.
الأب ماريوس فيكتورينوس


الْمُزَحْزِحُ الْجِبَالَ وَلاَ تَعْلَم،
الَّذِي يَقْلِبُهَا فِي غَضَبِه ِ[5].
كثيرًا ما نتطلع إلى الجبال في الطبيعة فنظنها ثابتة ومستقرة، ليس من يقدر أن يحركها أو يزحزحها، لذا دُعيت "الجبال الدهرية" (حب 3: 6)، وتبدو الشمس والمسكونة بقوانينها ثابتة، لكن عندما يشاء الرب السماء والأرض تزولان، وأيضًا الجبال تتزحزح بكلمة منه. إلهنا هو "المزحزح الجبال ولا تعلم"، أي إن أرادت أو لم ترد. هو إله المستحيلات، أمامه ارتعد جبل سيناء (مز 68: 7)، وقفزت الجبال (مز 114: 4)، واندكت أو تبددت الجبال الدهرية (حب 3: 6).
"تهتز الجبال من أساسها مع المياه، والصخور كالشمع تذوب أمام وجهك" (يهوديت 18:16).
"ارتجفت الأرض وارتعشت، أسس الجبال ارتعدت وارتجت، لأنه غضب" (مز 7:18)
"ذابت الجبال مثل الشمع قدام الرب، قدام سيد الأرض كلها" (مز 5:97)
"يمس الجبال فتدخن" (مز 32:104).
"الجبال قفزت مثل الكباش، والآكام مثل حملان الغنم" (مز 4:114).
"انزل ألمس الجبال فتدخن" (مز 5:144).
*ماهي الجبال التي جعلها الرب تشيخ؟ إنها موسى وهرون ويشوع بن نون وجدعون والأنبياء وكل رجال أسفار العهد القديم. لقد جاء الرب يسوع، واحضر العهد الجديد، وما قد صنعه (قبلًا) صار قديمًا. تجدد المسيحي وشاخ اليهودي؛ النعمة تجددت، والحرف شاخ. لقد تزحزحت الجبال وانتقلت. نعم لقد زحزح المفهوم الذي بحسب الحرف، وهدمه، وأقام الإدراك الذي بحسب الروح. لهذا فإن فهم الناموس حسب الجسد قد عبر وصار الناموس روحيًا. لهذا يقول الرسول: "فإننا نعلم أن الناموس روحي، وأما أنا فجسدي" (رو 7: 14). ولكن هو نفسه الذي كان جسديًا صار روحيًا، كما يؤكد الرسول قائلًا: "أظن إني أنا أيضًا عندي روح الله" (1 كو 7: 40). هكذا جعل يسوع هذه الجبال تشيخ ولم يعلم اليهود ذلك. حقًا لو عرفوا ذلك لما صلبوا رب المجد، ولما اتبعوا الخرافات اليهودية.
القديس أمبروسيوس
* نقول إن اليهود، بالرغم من سابق تمتعهم بعطف الله إذ كانوا محبوبين منه أكثر من غيرهم، إلا أن هذا التدبير والنعمة الإلهيين قد تحولا إلينا، عندما نقل يسوع السلطان العامل بين اليهود إلى مؤمني الأمم.
* عندما خاطب يسوع اليهود بقوله: "ملكوت الله ينزع منكم، ويُعطي لأمة تعمل أثماره" (مت 21: 43)، فأي تدبيرٍ آخر كان بسلطانه الإلهي مزمعًا تقديمه، غير أنه دفع الكتاب اليهودي بأكمله - الذي كان يتضمن أسرار ملكوت الله- إلى دائرة الضوء .
* نحن الذين نُقلنا من الناموس والأنبياء إلى الإنجيل، قد أعيد ختاننا (يش 7:5) (بالصخرة) التي هي المسيح (1 كو 4:10)، فتحققت فينا كلمة الرب ليشوع، "اليوم قد دحرجت عنكم عار مصر" (يش 9:5) .
العلامة أوريجينوس
* يقول: الجبال لا تعرف ذلك. وكما قال داود: "يمس الجبال فتدخن" (مز 104: 32). يتحدث في هذه العبارة عن قدرة الله قائلًا إنه قادر أن يفعل كل شيء في قوة غضبه. فإن أيوب يقدم شهادة عن عدله، كما يقدم شهادة أيضًا عن قوته.
القديس يوحنا الذهبي الفم
* "يستخدم الجبال وهي لا تعلم، الذي يقلبها في سخطه". "يستخدم" الجبال المنظورة بالحق عندما يريد أن يغير وجه الخليقة المنظورة. لكنه ليس بالأمر العجيب لهذه (الجبال) التي لا تعرف أنها "تُستخدم"، لأنها لم تُمنح عقلًا مثل الكائنات البشرية والملائكة الأحياء. لذلك يدعو أيوب قوة الشياطين المتعجرفة جبالًا. لهذا فإن إرميا النبي يدعو الواشي (إبليس) "جبل الفساد الذي يفسد كل الأرض" (إر 28 [35]: 25). لأن فساد الشياطين خسيس. فمع أنهم مملوءون خداعًا لا يستطيعون أن يبلغوا أفكار الله، إذ يريد أن يخفي أفكاره عنهم، ولا أدركوا السقوط الذي حل بهم. ما يقوله بولس هو مثال لهذا: "لكننا نتكلم بحكمة بين الكاملين، ولكن بحكمة ليست من هذا الدهر، ولا من عظماء هذا الدهر الذين يبطلون، بل نتكلم بحكمة الله في سرٍّ. الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا. التي لم يعلمها أحد من عظماء هذا الدهر، لأن لو عرفوا لم صلبوا رب المجد" (1 كو 2: 6-8).
ذاك الذي يستخدم هذه (القوات) في صراعات سرّ الصلب، هو نفسه الذي خلقهم (كو 1: 16)، وأهلكهم (عا 3: 14)، وليس فقط أهلكهم بل و"في غضبه" دمر مذابحهم، وبدد هياكلهم، وأتلف تماثيلهم. في نصرة، نزع مجدهم (كو 2: 15)، فإنه ليس فقط اغتصبت الشياطين المجد (رؤ 13: 4-8)، إذ كان يجب ألا يفعلوا هذا، إنما أيضًا أفسدوا البشرية معهم. ولكن في أي وقت يحل بهم الدمار الحقيقي العادل، كما في سخطٍ كاملٍ؟ عندما ينتهي هذا العالم المنظور. على أي الأحوال، إن قلتم، كيف يفعل هذا؟ فستتعلمون ذلك من الآتي: "المزعزع الأرض من مقرها" [6].
الأب هيسيخيوس الأورشليمي
الله في محبته للبشرية يقيم من مؤمنيه الحقيقيين جبالًا مقدسة ثابتة، تكون كجبل سيناء حيث يظهر عليه الرب ويقدم شريعته لموسى، أو كجبل تابور حيث يتجلى عليه في وسط كنيسته التي تضم رجال العهد القديم، ممثلين في موسى وإيليا، ورجال العهد الجديد ممثلين في بطرس ويعقوب ويوحنا. من الجانب الآخر فإن الأشرار المقاومين للرب، غير الخاضعين له، وإن كانوا يظنون في أنفسهم أنهم جبال راسخة، فإن أساساتهم ترتعد أمام الرب في غضبه، وبرجزه يرجفهم، يمسهم بغضبه فيدخنون. تقفز مثل الكباش من أمام وجهه، وتذوب كالشمع أمام النار.
*"ارتجت الأرض وارتعشت" (مز 7:18). عندما تمجٌَد ابن الإنسان هكذا ارتج الخطاة وارتعشوا. "أسس الجبال ارتعدت" (مز 7:18)، فإن رجاء المتكبرين الذين كانوا في هذه الحياة قد ارتعد. "وارتجت لأنه غضب". هذا هو الرجاء في البركات الزمنية، لم يعد بعد متأسسًا في قلوب الناس .
*"ذابت التلال مثل الشمع قدام الرب" (مز 5:97). من هم التلال؟ المتكبرون. كل شيء يرتفع ضد الله خلال المسيح والمسيحيين يرتعب ويخضع... أين تشامخ القوات؟ أين قسوة غير المؤمنين؟ كان الرب بالنسبة لهم نارًا، فذابوا عند حضرته مثل الشمع. كانوا قساة حتى عملت النار.
القديس أغسطينوس
* "ذابت الجبال مثل الشمع" (مز 5:97). بالنسبة لي تبدو الجبال أنها قوات الشياطين. سواء كانوا جبالًا أو لا يكونون، فهم بالتأكيد الناس المتكبرون.
هذه النار لا تهلك الذين في الأسفل (المتواضعين) وإنما تهلك المتشامخين وحدهم. كحقيقة واقعة فإن البرق نادرًا ما يؤثر على الذين هم في الوادي، وإنما لن ينجو منه أولئك الذين في الأعالي على الجبال.
القديس جيروم
يقدم لنا القديس أمبروسيوس مفهومًا رائعًا عن زحزحة الجبال وهي لا تعلم، فإنه إذ جاء إلى العالم حرك الجبال المقدسة، حيث حرك مفاهيمنا عن موسى النبي مستلم الشريعة وعن الأنبياء ورجال العهد القديم. حركها من الفكر اليهودي الحرفي لنتسلمها نحن بالروح خلال الإنجيل. فمع تمسك اليهود بالشريعة والآباء والأنبياء، لكنهم لا يعلمون سٌر الله وحكمته الخفية، لأنهم لا زالوا يرونهم خلال البرقع الموضوع على وجه موسى. لقد تحرك هذا كله ليكون نصيبنا، فندرك ونعلم سٌر خطة الله الأزلية وحكمته الفائقة وتدبيره لخلاصنا. هذا ما كان يعتز به الرسول بولس بعدما التقى بالسيد المسيح وتزحزحت الجبال بالنسبة له، وصارت له دراية بالسٌر الإلهي، فلم يستطع أن يصمت.
"الذي بحسبه حينما تقرأونه تقدرون أن تفهموا درايتي بسٌر المسيح" (أف 4:3).
"ليفتح الرب لنا بابًا لنتكلم بسٌر المسيح" (كو 3:4).
"لكي تتعزى قلوبهم مقترنة في المحبة لكل غنى يقين الفهم لمعرفة سٌر الله الآب والمسيح" (كو 2:2).
"وأنير الجميع في ما هو شركة السرّ المكتوم منذ الدهور في الله خالق الجميع بيسوع المسيح" (أف 9:3).



الْمُزَعْزِعُ الأَرْضَ مِنْ مَقَرِّهَا،
فَتَتَزَلْزَلُ أَعْمِدَتُهَا [6].
إن كانت الأرض تبدو كأنها مستقرة على أعمدة ليس من يقدر أن يزعزعها، فإنها بأمر خالقها تتزعزع، وليس ما يوجد من يدعمها.
من الجانب الرمزي، رأينا أن الجبال تتزحزح بمعنى أن المتشامخين الذين يسكنون قمم الجبال يتعرضون للدمار خلال البروق الإلهية. هذا ومن جانب آخر، فإن الناموس والآباء والأنبياء هم جبال مقدسة عالية، تتحرك من أيدي اليهود الحرفيين في فهمهم إلى أبناء العهد الجديد الذين انكشفت لهم الحكمة الإلهية، وتعرٌفوا على سٌر المسيح المكتوم. بنفس المنطق بالنسبة للأرض فإنها تشير إلى الأشرار الذين صاروا ترابًا كأبيهم آدم الأول، حيث قيل له: أنت تراب، وإلى التراب تعود". الآن إذ نزل السماوي إلى أرضنا، وحل بيننا، صار كواحدٍ منا، صرنا نتمتع بالحياة السماوية، فنسمع الصوت الإلهي: "أنت سماء وإلى السماء تعود".
وحل بيننا، وصار كواحدٍ منا، صرنا نتمتع بالحياة السماوية، فنسمع الصوت الإلهي: "أنت سماء وإلى السماء تعود".
* قائد المئة الغريب يعرف، بينما اللاوي الذي من خاصته لم يعرف. الأممي سجد له، والعبراني جحده. لهذا فإنه ليس بالأمر غير المعقول أن أعمدة العالم قد تحركت (أي 9: 6) عندما لم يؤمن رؤساء الكهنة.
لقد تحركت الأعمدة لكي تحتل مكانها أعمدة جديدة. كما لو أن الله نفسه حسب ذلك لائقًا أن يقول:" أنا أقمت أعمدتها" (مز 75: 3). تعلموا أية أعمدة أقامها: "يعقوب وصفا ويوحنا المعُتبرون أنهم أعمدة أعطوني وبرنابا يمين الشركة" (غلا 2: 9).
القديس أمبروسيوس
*بالأواني والدلو يكيل الماء الخارج من الينابيع الطبيعية، أما الماء النابع من الينابيع الروحية فإنه يقاس بفهمنا ورغبتنا المتقدة ووقارنا، بهذا نقترب إليها. من يسلك بهذا الترتيب يحمل في الحال بركات لا تعد، حيث تعمل نعمة الله فيه بطريقة غير منظورة، وتخفف عبء ضميره ، وتأتي به إلى أمان وفير، وتعده بعد ذلك لكي ينسحب من شاطئ الأرض، ويحمل مرساة السماء. فإنه يمكن للإنسان الذي لا يزال يحتضن جسده ألا يكون له شيء يتعلق بالأرض، بل يضع أمام عينيه كل مباهج السماء ويتأملها بلا انقطاع.
* أريدكم أن تحفظوا أذهانكم في هذه الأمور على الدوام (كو 1:3). فإن اهتمامنا بها يحررنا من الأرض وينقلنا إلى السماء.
القديس يوحنا الذهبي الفم
* يحق لنا أن نكون هناك في حضرة الله في السماوات، نحن الذين حفظنا الدرس بينما كنا على الأرض، وذهبنا هناك إلى السماء كي نكون في محبة الله الآب، ذاك الذي عرفناه ونحن على الأرض، ولأن الله الكلمة القدوس صنع كل شيء وعلمنا ويعلمنا كل شيء، وهو يدربنا في كل الأمور الصالحة.
القديس إكليمنضس السكندري
* ترك إبراهيم مدينته وأقاربه بناء على أمرٍ إلهي، لكن هجرته كانت تناسبه كنبي، هدفها طلب معرفة الله.
بالحق لم تكن هجرة جسدية - كما أظن - إنما كانت تُعدهُ لمعرفة تلك الأمور التي تكتشفها الروح.
بتركه وطنه، أي خروجه من ذاته، خارج دائرة الأفكار الدنيئة والأرضية، رفع إبراهيم ذهنه قدر المستطاع فوق الحدود العامة للطبيعة البشرية، وتخلي عن ارتباط النفس بالحواس.
هكذا إذ لم تعقه تعلقات الحواس، صار عقله نقيًا، يدرك ما هو غير منظور، ولم يعد السمع والنظر يسببان لذهنه خطأ بسبب المظاهر .
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
* عندما تتحقق إرادة الله بواسطتنا نحن الذين على الأرض كما تتحقق في الذين هم في السماء نتشبه بالسمائيين إذ نحمل مثلهم صورة السماوي (1 كو 49:15) ونرث ملكوت السماوات (مت 34:25). ويأتي الذين بعدنا وهم على الأرض يصلون لكي يتشبهوا بنا إذ نكون نحن في السماء (الفردوس).
العلامة أوريجينوس
* يجب أن تتوقوا إلى السماء، والأمور التي في السماء، بل حتى قبل السماء، فقد أمرنا أن نجعل الأرض سماءً، وأن نتصرف ونتحدث في كل الأمور كما لو كنا نتحدث هناك، بينما نحن على الأرض. هذا أيضًا يجب أن يكون غاية صلاتنا التي نقدمها للرب. فلا شيء يُعيق وصولنا إلى كمال القوى العلوية لأننا نقطن على الأرض؛ إنما من الممكن حتى ونحن نسكن هنا أن نفعل كل شيء كما لو كنا قاطنين سلفًا في الأعالي.
* حقًا لقد جاء السيد ليُلغي الأمور القديمة ويدعونا إلى وطن أعظم.
إنه يصنع كل شيء ليعتقنا من الأمور غير الضرورية، ومن عاطفتنا نحو الأرض. لهذا السبب أشار إلى الوثنيين أيضًا قائلًا: "إن هذه كلها تطلبها الأمم" (مت 33:6)؛ التي تقدم تعبها كله من أجل الحياة الحاضرة، ولا تبالي بالأمور المقبلة، ولا بأي فكر سماوي.
القديس يوحنا الذهبي الفم


الآمِرُ الشَّمْسَ فَلاَ تُشْرِقُ،
وَيَخْتِمُ عَلَى النُّجُومِ [7].
لا يتوقع أحد ما ألا تشرق الشمس في موعدها، إذ وضع لها الرب قوانين ثابتة. لكنه إن شاء فلا تشرق. مرة أمر أن تقف لخدمة شعبه فوقفت (يش 10: 12). ما حدث في أيام يشوع بن نون يعلن عمل الله العجيب خلال خدامه، وكما يقول القديس أثناسيوس الرسولي: [إن كانت الشمس قد توقفت في جبعون، والقمر في وادي إيلون إلاَّ أن هذا العمل ليس عمل ابن نون، بل عمل الرب الذي سمع الصلاة، هذا الذي انتهر البحر، وعلى الصليب جعل الشمس تظلم (مت 27: 45).]
مرة أخرى طلب الله أن تتراجع الشمس فأطاعت الأمر الإلهي (2 مل 20: 9). هكذا أيضًا بالنسبة للنجوم فهو وحده يقدر أن يختمها أو يخفيها عن أعيننا.
الله بإرادته يحفظ نظام سير الطبيعة كامتداد لعملية الخلق، وكعمل من أعمال عناية الإلهية.


الْبَاسِطُ السَّمَاوَاتِ وَحْدَهُ،
وَالْمَاشِي عَلَى أَعَالِي الْبَحْرِ [8].
الله الذي خلق الكون يحفظ ناموس الطبيعة فتبقى السماوات مبسوطة، وبدون عنايته لانهار نظامها. إنه يطأ البحار بقدميه ويمنعها من أن "ترجع لتغطي الأرض" (مز 104: 9). إنه يسير على الأمواج الهائجة، معلنًا أنه وحده يهدئ كل أمواج التجارب الثائرة ضدنا.
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أنه ليس من وجه للمقارنة بين ما فعله موسى النبي أثناء عبور البحر الأحمر وسير السيد المسيح على الماء. فما فعله موسى مارسه كخادمٍ خلال الصلاة, أما السيد المسيح فبسلطانٍ مطلقٍ. عندما هبت الريح عبروا تحت قيادة موسى على أرض جافة وسط البحر (خر 14: 21), أما السيد المسيح فسار على سطح البحر كما على طريقٍ، ليشهد عن ما ورد في الكتاب المقدس "السائر على البحر كما على رصيف".
*"الباسط السماوات وحده" [8] بماذا يشير بالسماوات إلا إلى الحياة السماوية ذاتها التي للكارزين، الذين قال عنهم المرتل: "السماوات تعلن مجد الله" (مز 19: 1).
البابا غريغوريوس (الكبير)
* يعلمنا إنجيل الرب أنه ليس الآب بل الابن هو الذي مشى على البحر عندما سأله بطرس قائلًا: "مُرني أن آتي إليك على الماء" (مت 28:14).
* إنه الرب الذي يختم ويحصي حشد الكواكب (أي 9: 6). هو وحده الذي يبسط السماء، وقد سار على البحر كما على رصيف (أي 9: 8، مت 14: 25).
عندما رآه بطرس يسير قال: "ياسيد، مُرني أن آتي إليك على الماء" (مت 14: 28). أمره الرب، لكنه تردد وكاد أن يغرق ويهلك بين الأمواج، لولا أن الرب بسط يمينه إليه (مت 14: 29-31). الجسد ترنح، ويمين الرب أنقذت. وقال له الرب: "يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟" (مت 14: 31) إنه الإيمان هو الذي مشى في شخص الرسول، وليس الجسد.
القديس أمبروسيوس
* من كان قادرًا أن يمشي على البحر إن لم يكن خالق المسكونة؟
بالحق قال عنه بالروح القدس الذي نطق قديمًا جدًا خلال الطوباوي أيوب: "الباسط السماوات وحده، والماشي على البحر كما على الأرض".
قيل عنه في شخص الحكمة: "سكنت في الأماكن العلوية، وعرشي كان في عمود سحاب" (سيراخ 4:24-5).
بالمثل أعلن داود في المزمور: "في البحر طريقك يا الله، وسبلك في المياه الكثيرة" (مز 19:77) لاحظ أيضًا حبقوق: "سير المياه طما، أعطت اللجة صوتها" (حب 10:3).
الأب خروماتيوس


صَانِعُ النَّعْشِ وَالْجَبَّارِ وَالثُّرَيَّا وَمَخَادِعِ الْجَنُوبِ [9].
هو خالق مجموعات النجوم، وقد ذكر هنا ثلاث مجموعات نيابة عن الجميع: "النعش والجبار والثريا"، ولا يزال يحفظها في الوجود ويوجه تحركاتها، وذلك لخدمة بني البشر.
يرى القديس غريغوريوس النزينزي أنه عندما يشير الكتاب المقدس هنا إلى النعش والجبار والثريا، يقصد كل الكواكب وعنايته الإلهية بها. وذلك مثلما يشير إلى اهتمامه بفراخ الغربان (مز 8:147) فيعني كل الطيور .
"مخادع الجنوب"، أي النجوم التي ترى من جهة القطب الجنوبي ولا يراها من هم في نصف الكرة الشمالي.
يري البابا غريغوريوس (الكبير)في هذه الكواكب معنى رمزيًا للكنائس السبع التي هي الكنيسة الجامعة، هذه التي رآها القديس يوحنا الحبيب كسبعة منائر. إنها تتمتع بعطايا النعمة الإلهية السبع، أشعتها تشرق بنور الفضيلة الصادر عن الحق.
* يشير بالنعش والجبار والثريا ومخادع الجنوب إلى كل مجموعة كواكب السماوات وكل ما يوجد هناك... حتمًا يتحدث أيوب عن كل نوع من المعجزات التي تمت بواسطة الله. على أي الأحوال إنه يتحدث بالأكثر عن التدابير التي تحققت من أجلنا، فإنها بالتأكيد تدابير إلهية سامية تفوق الطبيعة. إنها غير مدركة، لأنها أعلى جدًا من أن يبلغ إليها روح بشري. وهي مجدية لأن الله يتقبل العبادة من الخلائق هنا من أسفل، وتلك التي هي في العلا المملوءة بأعمال عجيبة... لقد أعلن لنا يوحنا اللاهوتي: "وأشياء آخر كثيرة صنعها يسوع إن كُتبت واحدة فواحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة" (يو 21: 25). ليس فقط لأنها فوق كل عدد، وإنما لأن أعماله سامية، وأن أذان هذا العالم تعجز عن تقبلها.
الأب هيسيخيوس الأورشليمي


فَاعِلُ عَظَائِمَ لاَ تُفْحَصُ،
وَعَجَائِبَ لاَ تُعَدُّ [10].
هنا يكرر أيوب ما سبق أن قاله أليفاز حرفيًا، أرجو الرجوع إلى تفسير أيوب 5: 9.


هُوَذَا يَمُرُّ عَلَيَّ وَلاَ أَرَاهُ،
وَيَجْتَازُ فَلاَ أَشْعُرُ بِهِ [11].
أعمال الله فائقة، يعمل معنا وحولنا وفينا دون أن نراه (أع 17: 23). إدراكنا المحدود يعجز عن معرفة تحركاته لأجلنا، لذا يصعب علينا بل ويستحيل تقييم تصرفاته حتى الظاهرة، لأننا لا ندرك ما هو وراءها. ليس من حقنا أن نعلق على تصرفاته، أو نظن أننا قادرون على تفسيرها.
* إذ حُرم الجنس البشري من الفرح الداخلي وذلك بسبب الخطية، فقد بصيرة الذهن، ولا يستطيع أن يخبر أين تسير هذه الأمور.
البابا غريغوريوس (الكبير)
* "إذ يرتفع (الله) عليّ لا أراه، وإذ عبر بي لا أعرف أيضًا هذا". الله يرتفع فوق كل واحدٍ منا، عندما يرجئ الحكم الذي علينا. ومن جانب آخر يعبر بنا، أي يعبر في وسطنا... في المقام الأول لا نقدر أن نراه بعيون جسدنا، وثانيًا لا نستطيع أن نبلغ إليه بروحنا، لأن ما يشكله رقيق للغاية ليس فقط بالنسبة للعيون، وإنما حتى بالنسبة للأرواح.
* إنه يعبر خلال أذهاننا، لكن من الواضح أن عبوره تم خلال حياتنا حيث عبر بطريق تدبير تجسده وآلامه على الصليب وقيامته المجيدة... وفوق هذا كله من يقدر أن يعرف كيف كان هو إنسانًا والله (في نفس الوقت)؛ كيف تألم وحطم الألم؛ كيف ذاق الموت كإنسان، وكإله أخضع الهاوية وحطم الموت (1 كو 15: 54؛ 2 تي 1: 10؛ 1 بط 3: 22).
إنه ذاك الذي حرر البشرية من تلك اللعنة ومن شر الخطية (رو 8: 2)، ولم يستطع أحد أن يخفف من الأثقال التي علينا التي حررنا هو منها.
لا يستطيع أحد بعد أن يقول له: "ماذا تفعل؟" أو لماذا تبرر الخطاة، وتُدخل - تحت البركة - ذاك الذي كان تحت تهديد اللعنة (غل 3: 13-14؛ تث 21: 23). لقد فعل هذا أولًا بكونه الله، بالقوة التي تخصه بكونه الله، إذ عمل بسلطانٍ، إذ دفن دين خطايانا في الأرض (كو 2: 14)، لذلك يضيف: "يرد غضبه" هذا الذي كان ضدنا.
الأب هيسيخيوس الأورشليمي
يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن هذا حال الإنسان الذي يشعر بالعزلة عن الله. لقد عبر به ووهبه خبرة الطهارة، لكنه بعد ذلك سقط تحت مرارة تجارب الجسد، هذه التي تحوط بالذهن، وتحتشد به، فتصير العين الداخلية غير طاهرة، وبالتالي عاجزة عن رؤية الله. هذا بسماح من الله لكي يتواضع الذهن ويطلب العون الإلهي.
* إذ يجد الذهن نفسه تحت التجربة ضعيفًا يلجأ إلى طلب عون الكائن الإلهي، ويتوقف تمامًا عن اعتماده على ذاته. وهكذا يحدث أن يعبر، فيلصق الذهن ذاته بالله في أكثر عمق، وذلك بذات المركبة التي بها صار في حزنٍ لسقوطه وبُعدِه عن الله.
لذلك فإن دخول الله وخروجه لا يمكن اكتشافه تمامًا بقدراتنا مادام موضع تناوب حالنا (من دخول الله وخروجه) مخفيًا عن أعيننا. كمثال لا يوجد تأكيد معين أن تجربة ما هي لاختبار الفضيلة أم هي أداة لتدميرنا.
أما عن العطايا، فإننا لا ندرك قط إن كانت هي مكافآت عن أعمال مارسناها، أم هي سند في طريق الإنسان إلى وطنه (السماوي).
البابا غريغوريوس (الكبير)
* عندما تعرض الرسول لمعرفة الأمور الإلهية - في رسالته إلى أهل كورنثوس - أكد أن معرفته -بالرغم مما ناله منها- لا تزال محدودة وغاية في الضآلة. إذ قال: "فإن كان أحد يظن أنه يعرف شيئًا، فإنه لم يعرف شيئًا بعد كما يجب أن يُعرف" (1 كو 8: 12).
لقد أكد لنا أننا الآن نعرف بعض المعرفة، أما الجانب الأعظم منها فسنعرفه في الدهر الآتي: "لأننا نعلم بعض العلم، ونتنبأ بعض التنبؤ، ولكن متى جاء الكامل فحينئذ يبطل ما هو بعض" (1 كو 13: 9-10).
وعندما أراد توضيح الفارق بين معرفتنا هنا ومعرفتنا في الحياة الأخرى لجأ إلى هذا التصوير: "لما كنت طفلًا كطفل كنت أتكلم، وكطفلٍ كنت أفطن، وكطفلٍ كنت أفتكر، ولكن لما صرت رجلًا أبطلت ما للطفل. فإننا ننظر الآن في مرآة، في لغز، ولكن حينئذ وجهًا لوجه" (1 كو 13: 11-12).
هل لمست مدى الفارق بينهما؟ إنه كاختلاف معرفة الطفل الصغير عن معرفة الرجل الناضج، وكاختلاف الرؤية في مرآة عن التطلع وجهًا لوجه، إذ تشير المرآة إلى التعبير العميق لكن في غموض...! فلماذا إذن لا نصدق قول بولس: "من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله؟ ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني هكذا؟!" (رو 9: 20)
تأمل كيف يليق بنا الخضوع لإرادة الله في صمت!
إنه بلا شك لا يقصد بقوله هذا أنه يود أن يفقدنا إرادتنا. حاشا! لكنه يؤكد أنه ينبغي على الباحث الالتزام بالصمت، كالطين في يدَّ الخزاف لا يقاوم ولا يجادل. وقد ذكر الخزاف والطين ليذكرنا بطبيعتنا، فإنهما في درجة واحدة من حيث وجودهما (لأن الخزاف مخلوق من التراب) ومع هذا يخضع الطين للخزاف، فأية مغفرة يترجاها الإنسان وهو يتجاسر بتهور مجادلًا إرادة الله جابله، مع أن الفارق بينه وبين الوجود ذاته لا نهائيًا؟!
أذكر أيها الإنسان من أنت؟
ألست طينًا وترابًا ورمادًا؟
ألست بخارًا؟
ألست عشبًا؟ ألست زهرة عشب؟
هكذا يتسابق الأنبياء في رسم صور قدام أعيننا للتعبير عن حقيقة وجودنا. أما الله الذي تود أن تخضعه لفضولك الطائش فهو لا يخضع للموت أو التغيير. إنه سرمدي لا بداية له ولا نهاية، غير مدرك، فائق لكل فهم وكل منطق، غير موصوف ولا منظور! هذه الصفات التي لا نقدر إدراكها أنا وأنت أو حتى الرسل والأنبياء، بل ولا القوات السمائية - بالرغم من طهارتها غير المنظورة وروحانيتها ومعيشتها في السماء على الدوام.
القديس يوحنا الذهبي الفم


إِذَا خَطَفَ فَمَنْ يَرُدُّهُ،
وَمَنْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟ [12]
الله صاحب السلطان، ليس من خليقة لها أن تراجعه فيما يعمل. نضع ثقتنا فيه، ونقبل مشيئته، حتى وإن بدت مُرة بالنسبة لنا. إذا خطف حتى نفوسنا من يقدر أن يقاومه، أو يدخل في مناقشته؟ من يقول له: ماذا تفعل؟ أو لماذا تفعل هكذا؟ (را 4: 35).
* "إن أراد أن يهلك فمن يرده، ومن يقول له: ماذا تفعل؟"
"من يرده؟" أي من ينقذنا؟ لا يستطيع أحد أن يقول: "ماذا تفعل؟" أولًا لا يجسر أحد على ذلك، ولا يكون أحد هناك لأن النتائج تحمل شهادة ذاتية.
الأب هيسيخيوس الأورشليمي
* يلزم تكريم أعمال خالقنا على الدوام دون فحصٍ، فإنها لن تكون ظالمة.
فإن من يبحث عن علة مشورته السرية لا يُحسب هذا إلا مقاومة من الإنسان ضد مشورته في كبرياءٍ.
فعندما لا يمكن للإنسان أن يكتشف دافع أعمال الله يلزمنا أن نصمت في تواضعٍ، خاضعين لأعماله، لأن الحواس الجسدية ليست على مستوى يمكنها أن تخترق أسرار جلاله...
يضيف فيما بعد بولس: "ألعل الجبلة تقول لجابلها: لماذا صنعتني هكذا؟" (رو 9: 20)
البابا غريغوريوس (الكبير)
يعلق البابا غريغوريوس (الكبير)على قول أيوب: "من يقول له: ماذا تفعل؟" قائلًا بأنه لا يستطيع أحد أن يقاوم غضب الله. مع هذا فالكتاب المقدس يقدم لنا عدة أمثلة لوقوف بعض رجال الله أمام غضب الله.
لقد قاوم موسى النبي غضب الله حين وقف يشفع في الشعب الساقط، قائلًا: "والآن إن غفرت خطيتهم وإلا فأمحني من كتابك الذي كتبت" (خر 32: 32).
أيضًا طلب موسى من هرون أن يأخذ جمرة ويجعل فيها نارًا من على المذبح، ويضع بخورًا، ويذهب مسرعًا إلى الجماعة، ويكفر عنهم "لأن السخط قد خرج من قبل الرب" (عد 16: 46- 48).
كما أطفأ فينحاس غضب الله حين زنى الشعب مع نساء غريبات، فأظهر غيرته بأن طعن الإسرائيلي والمديانية في بطنها فامتنع الوبأ عن بني إسرائيل (عد 25: 8).
وهكذا وقف داود يشفع في شعبه أمام الرب ليرفع غضبه عنهم (2 صم 24).
وطالبنا الحق أن نصلي حتى من أجل أعدائنا ومضطهدينا (مت 5: 33).
هكذا يظهر الله عظمة حبه الفائق للإنسان فإنه وإن عجز أي كائن عن الوقوف أمام غضب الله إلا أنه حتى في غضبه يعلن حبه، فيعطي فرصة للإنسان أن يقتحم محبة الله بتواضعه وتوبته ومحبته لله والناس ولخلاص نفسه؛ فيطلب رحمة لنفسه ويشفع عن إخوته.
يقدم لنا القديس مار يعقوب السروجي صورة رائعة لمقاومة غضب الله، وذلك بالتوبة:
* قال يونان: ليس من وسيلة لإبطال الغضب، فقد اعتصم الإثم وحلّ الانقلاب ليحطمكم...
قرب الضيق، وصار السقوط على الباب.
الرب أرسلني، ذاك الجبار الحامل الخليقة، لكي أدعو بالانقلاب وبصوت الفزع على أسواركم...
لطمت هذه الأصوات ملك نينوى، وارتعب عندما سمع الأخبار الشنيعة. خاف من يونان أكثر من صفوف الجبابرة. وتذلل الملك المخوف قدام إنسان حقير. قام من كرسيه البهي. وتذلل الملك المخوف قدام إنسان حقير. قام من كرسيه البهي وطرح التاج عنه، ولبس مسوحًا، وأعد نفسه للتوبة...
أدرك أن هذه المعركة ليست كالمعارك المعتادة، فجمع شعبه وحثهم على الجهاد. جمع جنوده وصفهم للطِلبة، وموَّن صفوف الجنود بالصلوات ليسّيج الأبواب. جعل الرجال والنساء والأطفال يمسكون بالصوم، كل واحدٍ حسب قوته ليصطفوا للقتال مقابل الغضب.
قال الملك لجنوده مثل هذه الكلمات: اجتمعوا معًا للطِلبة، فإن قتالًا جديدًا ندخل فيه على غير العادة...
ليس ابن يومٍ واحد يكف عن الجهاد. قتال شديد، لا ترون فيه مللًا. رُضّع اللبن يشتركون معنا هنا بين الصفوف ويسندوننا قبل أن يحل الشر بنا.
في هذا القتال الصبيان أقوى من الرجال، والأطفال يجاهدون أسهل من الجبابرة.
الأطفال الذين لم يخطئوا في هذه المعركة يخرجون بالألوف ويشتركون معنا، فبهم يصير النضال أفضل.
ها العبراني يجزم ويهدد بهلاكنا، لنعمل لئلا يفرح إذا ما غلبنا. لم يهدأ عن أن يدعو بالغضب على فسادنا. ونحن لن نهدأ حتى ندعو المراحم لخلاصنا. طلب الرجل أن يثٌَبت كلمته لأنه نبي، اتركوه يكرز، وتعالوا نطلب نحن من سيده...
نرجع إلى سيده صاحب السلطان لكي لا يهلكنا. إنه رسول ينطق بما قيل له. في سلطانه أن يكرز لا أن يُهلك، فلا نحزن. لو أن بيده (النبي) الأمر لقلب المدينة. لا نمل، فإن الدمار بيد الرب. ليس بيد النبي أن يبني ويهدم كما يهدد... لكن مقابل صوته نوقظ أصوات التوبة، وندعو بالبكاء، فنُسكت الرجل ونخمده. لا نسأله فإنه لا يطيعنا ويتوقف عن كلامه. لنرسل أصوات آلامنا إلى العلي فهو يخلصنا.
القديس مار يعقوب السروجي


اللهُ لاَ يَرُدُّ غَضَبَهُ.
يَنْحَنِي تَحْتَهُ أَعْوَانُ رَهَبَ [13].
متى غضب ليس من يرده عن غضبه سوى رحمته وحبه. فهو يسحق المتكبرين المقاومين له. وكما جاء في سفر زكريا، "فليسكت قدامه كل البشر" (زك 2: 13). التوبة بتنهداتها ودموعها وتواضعها ترد الغضب الإلهي.
* التوبة نار تلتهم كل ضعف بشري، تنزع التهاون والكسل وثقل الجسد، وتعطي للنفس جناحًا تطير به نحو السماء، وتظهر لها خلال هذه القمّة المرتفعة بطلان هذه الحياة الحاضرة.
من لا يرتفع إلى مركز المراقبة لا يستطيع أن يلتقط صورة صادقة للأرض ومحتوياتها. فإن أمورًا كثيرة تظلم مجال الرؤية وتصم الأذنين وتلعثم اللسان. لهذا يليق بالإنسان أن ينتزع نفسه من هذا الصخب، ويبتعد عن الدخان، ويدخل إلى الوحدة ليجد السلام العميق والهدوء والسكون مع الاستنارة.
عندما تركز الأعين على حب اللَّه، ولا تعود تسمع الأذن إلا كلماته وكأنها سيمفونية روحية عذبة، تصبح النفس أسيرة (اللَّه) تشعر بتقزز من الطعام والنوم.
حقًا أن ضجة العالم والاهتمامات المادية تنزلق على النفس لكنها لا تدخل إليها، وبارتفاع النفس هكذا لا تعود تبالي بفرقعات العواصف الأرضية.
وكما أن سكان الجبال لا يعودون يسمعون أصوات المدينة ولا يرون ما يدور فيها، إنما يحسبون هذه كلها أشبه بضجيج مبهم، هكذا الذين تركوا العالم بإرادتهم وانطلقوا يطيرون في مرتفعات الفلسفة (الحكمة) لا يعودون يدركون شيئًا عن أحوال العالم، لأن كل حواسهم متجهة نحو السماء.
إذن لنبحث لا عن وحدة البرية فحسب، إنما عن وحدة الرغبة الداخلية. لنختبئ فوق أعلى قمة النفس حيث لا يسكن فيها شيء أرضي.
إن قوة التوبة كمثل هواء يطرد الغبار ويكتسح الشهوات أسرع من الدخان.
القديس يوحنا ذهبي الفم
* أية خطايا يمكن للندامة أن تفشل في غسلها؟ أيّة وصمات راسخة لا يمكن لمثل هذه الدموع أن تغسلها؟ باعتراف بطرس الثلاثي مسح إنكاره الثلاثي .
القديس جيروم
* الصلاة الممتدَّة والدموع الغزيرة تجتذبان الله للرحمة.
* البكاء وحده يقود للضحك المطوَّب.
* أراد يسوع أن يُظهر في نفسه كل التطويبات، إذ قال: "طوبى للباكين"، وقد بكى هو نفسه لكي يضع أساس هذا التطويب حسنًا.
العلامة أوريجينوس
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
ولنا في هامان البرهان
البرهان النبوي
لم يكن البرهان هو ما احضرني إلي الله
البرهان الثاني على موت السيد المسيح على الصليب
البرهان الأخلاقي على وجود الله


الساعة الآن 08:29 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024