|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وادي العظام اليابسة: إذ طرد الشعب من وطنه بسبب رجاساته الوثنية وسفكه الدماء تحولت مدنه إلى خراب لا يسكنها أحد، فصارت وكأنها بقعة ملآنة عظامًا كثيرة ويابسة جدًا. صارت أشبه بأرض معركة قتل فيها كل الرجال ولم يوجد من يدفنهم، فصاروا عظامًا كثيرة مبعثرة، لفتحها الشمس وهبَّت عليها الرياح زمانًا طويلًا فجفت جدًا. بمعنى آخر صارت كأنها قبر مفتوح يضم عظامًا بلا حياة! هذه ليست صورة المدن بل بالأحرى هي صورة الشعب نفسه الذي تشتت في مواضع كثيرة بنفس محطمة فصار أشبه بوادي الموت يحوي عظامًا يابسة تحتاج إلى من يقيمها من موتها، ويجمعها من جديد ويهبها الحياة. هذه الرؤيا في الحقيقة قدمت لنا القيامة من الأموات كعمل إلهي مستمر عبر التاريخ من جوانب متعددة، منها: أ. قيامة الشعب القديم برده من السبي البابلي مرة أخرى إلى أرض الموعد كمملكة واحدة بقلب واحد جديد... ب. قيامة النفوس من موت الخطيئة للدخول إلى حياة البر والقداسة، الحياة السماوية الروحية الإلهية، ذلك بفعل كلمة الله المتجسد واهب الحياة. ج. قيامة كنيسة العهد الجديد من كل الأمم والشعوب، هؤلاء الذين قبلوا الإيمان فأنعم عليهم بالقيامة من الموت إلى الحياة، ليعيشوا عروسًا سماوية، من خلال الكرازة بالإنجيل. د. قيامة أجساد القديسين في يوم الرب العظيم حيث تتقبل النفوس التي سبق أن تمتعت بالقيامة من خلال إيمانها بالسيد المسيح، الأجساد التي لها، ليبقى الإنسان نفسًا وجسدًا في الأمجاد الأبدية. فقد استخدمت عبارات هذا الأصحاح في الكنيسة الأولى كشهادة عن القيامة. نذكر على سبيل المثال العلامة ترتليان الذي وافق أن هذه النبوة تشير إلى قيامة الشعب من الموت (السبي)، وفي نفس الوقت يرى فيها إعلانًا عن حقيقة الجسد الذي لا يمكن إنكارها(294). كما يقول القديس أمبروسيوس: [يا لعظمة محبة الرب المترفقة فقد أخذ النبي كشاهد للقيامة المقبلة، فنراها نحن من خلال عينه. إذ لا يمكن أن يؤخذ الكل كشهود عيان، ففي هذا الواحد صرنا نحن شهودًا ]. ه. يرى البعض أن هذا الأصحاح يتنبأ عن قيام إسرائيل وقبولها الإيمان بالسيد المسيح في أواخر الدهور، فيعمل الروح القدس فيهم ويقيمهم من موت عدم الإيمان. أما بخصوص الرؤيا فقد جاء وصفها يُعبِّر بدقة عن عمل الله في إقامتنا من الأموات. يبدأ الرؤيا بقوله: "كانت عليَّ يد الرب فأخرجني بروح الرب وأنزلني في وسط البقعة وهي ملآنة عظامًا، وأمرَّني عليها من حولها، وإذا هي كثيرة جدًا على وجه البقعة وإذا هي يابسة جدًا" [1-2]. إن كانت يد الرب -كما سبق أن رأينا- تشير إلى الأقنوم الثاني، ابن الله المتجسد، فكأنه ما كان يمكن لحزقيال النبي أن ينزل إلى البقعة ولا أن يرى العظام اليابسة الكثيرة المبعثرة ولا أن يشاهد القيامة ما لم يمسك السيد المسيح بيده ويقوده بروحه وينزل به إلى البقعة. إنه عمل السيد المسيح -يد الرب- أن يخرجنا بروح الرب من ذواتنا وينطلق بها أولًاً إلى البقعة، فننزل هناك ونرى ما نحن عليه من موت ليعود فيرفعنا إلى بهجة القيامة معه. إنه وعد بإرسال روحه القدوس ليبكت على الخطيئة (يو 16: 8)، هذا الروح الإلهي الذي يفتح بصيرتنا، فنتعرف على موتنا، وعندئذ نتقبل القيامة فينا. بمعنى آخر لو أن حزقيالنا الداخلي أراد أن ينزل بنفسه إلى البقعة لما استطاع أن يخرج من "الأنا"، لأن هذا هو عمل روح الرب أن يخرجه ليرى بمنظار الرب لا بالمنظار البشري القاتم. ولو أنه نزل واكتشف الموت لتحطم تمامًا، لأنه ما كان يمكنه أن يلمس القيامة ويختبرها إلا من خلال السيد المسيح نفسه القائم من الأموات. لهذا يميز الآباء القديسون بين التوبة الصادقة والندامة البشرية، الأولى هي ثمر الروح الإلهي الذي يملأ النفس عزاءًا ورجاء في أمر لحظات التوبة ووسط الدموع، أما الندامة البشرية فتدفع إلى اليأس مع يهوذا حين بكَّته ضميره دون الالتجاء إلى المخلص وطلب عمل روح الرب فيه. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
العظام اليابسة وحزقيال |
حزقيال النبي | وادي العظام اليابسة |
حزقيال يتنبأ علي وادي العظام اليابسة |
فى وادى العظام اليابسة |
تنبأوا على العظام اليابسة |