|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لماذا دعا يسوع تلاميذه الأوائل لإتباعه؟ أ) حاجة الدعوة: احتاج يسوع إلى شركاء حقيقين في رسالته لنشر ملكوت الله لكي تبقى رسالته حيّة عاملة. ولكي تصل هذه الرسالة إلى أكبر عدد من الناس هيّا يسوع بعض التلاميذ المُقرّبين من أجل هذه المهمة، ودعاهم واختارهم. وكان التّلميذ في إسرائيل هو الذي يختار المعلِّم. وأمَّا في حالة يسوع فهو الّذي يختار التّلاميذ. إنَّ الخُطوة الأولى تأتي دائماً من الّله، هو يختار من يريد: "لم تَخْتاروني أَنتُم، بل أَنا اختَرتُكم وأَقمتُكُم لِتَذهَبوا فَتُثمِروا ويَبْقى" (يُوحَنَّا 16:15). إن اختيار الاثني عشر وتدريبهم كانا أمرين هامين في خدمة يسوع، فقد كان الاثنا عشر هم الذين سيشتركون معه في إعلان النبأ السار وحمل الدعوة بعد صعوده. وكان التلاميذ الأوائل صيادي سمك، لم يكونوا أصحاب مهن، وغير مالكين لثروة ولم يكونوا أصحاب مناصب سلطة أو جاه في المجتمع كما يقول الرسول بولس "اختار الله الجهال لِيُخزِيَ الحُكَماء " (1 قورنتس 1: 27)، اختار أناساً عاديّين جدّاً. لم يكونوا أصحاب مهن، ولم يكن يملكون ثروة ولم يكونوا أصحاب مناصب سلطة أو جاه في المجتمع. لقد تمّ اختيارهم من عامّة الناس، اختار هؤلاء الأفراد، ليس بسبب من كانوا، بل بسبب من سيصبحون عليه تحت توجيهه وتعليمه. ويُعلق القديس ايرونيموس "كان أول المدعوّين لتبعيّة المخلّص صَيَّادَيْن أميّين أرسلهم للكرازة حتى لا يقدر أحد أن ينسب تحوّل المؤمنين، إلى الفصاحة والعلم بل إلى عمل الله". لقد اختار هؤلاء الأفراد، ليس بسبب من كانوا، بل بسبب من يصبحون تحت توجيهاته وسلطته والعمل من خلالهم للملكوت. ب) متطلبات إتباع يسوع: إتباع يسوع يتطلب من المرء أن يترك كل شيء ويسير على خطى المعلم الإلهي بالروح والأخلاق والدين مدى الحياة. وتبدأ هذه المسيرة بانفصال مادي عن الحياة السابقة وتتحقق بألفة روحية بين التلميذ والمعلم حتى بذل الذات " مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِه ويَحمِلْ صَليبَه ويَتبعْني. َنَّ الَّذي يُريدُ أَن يُخَلِّصَ حَياتَه يَفقِدُها، وأَمَّا الَّذِي يَفقِدُ حَياتَه في سبيلي وسبيلِ البِشارَة فإِنَّه يُخَلِّصُها " (مرقس 8: 34-35). يتم الخلاص عبر إتباع يسوع، أي حين يتوقف الإنسان عن تمركزه وتمحوره حول ذاته ويترك المجال ليسوع كي يقود وجوده ومصيره. بناء عليه، انتزع يسوع من أول مرة تلاميذه الأولين من محيطهم المهني كما حدث مع الأخَوَيْن بُطرُس وأَندَراوس "تَركا الشِّباكَ مِن ذلك الحينِ وتَبِعاه. (متى4: 20) كما انتزعهم من محيطهم العائلي كما حدث مع الأخَوَيْن يَعْقُوب ويُوحَنَّا “تَركا السَّفينَة وأَباهُما مِن ذلك الحينِ وتَبِعاه" (متى 4: 22). ودعاهم إلى إتباعه، فتخلوا عن نظرتهم إلى العالم، من اجل نظرة إلى مخطط الله، تركوا عملهم للقيام بعمل آخر غير مُرتبط لا في مكان ولا في زمان، هو لكلِّ الأوقات ولكلِّ الأزمان ولكلِّ الأجيال. إن اتباع يسوع قد يستلزم هجر الحرفة وفصم عرى الروابط العائلية. ومن هنا نجد التجرد التام المطلوب من تلاميذ يسوع واتباعه. وأصبح إعلان بشارة الله هي مهمّة الرسل وخدمتهم (1 تسالونيقي 2: 2). وما خدمتهم الرسولية إلاَّ امتداد لخدمة الرب يسوع ورسالته. والخدمة الرسولية ما هي إلاَّ خلاص النفوس من خلال البذل والتضحية " لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه" (يُوحَنَّا 15: 13)؛ وخدمة بولس الرسول خير مثالٍ على ذلك كما يتضح من رسالته "فقَد لَقِينا في فيلِبِّيَ العَذابَ والإِهانَةَ كما تَعلَمون، ولكِنَّنا جَرؤْنا، لِثِقَتِنا بِإِلهِنا، أَن نُكلمكم بِبِشارةِ الله في جِهادٍ كَثير"(1 تسالونيقي 2: 2). ج) التلاميذ الأولين: خير مثال على إتباع يسوع هو نداء يسوع وطلبه من الأخَوَيْن بُطرُس وأَندَراوس أن يتركا صيد السمك فقالَ لَهما: "اِتْبَعاني أَجعَلْكما صَيَّادَيْ بَشر" (متى 4: 19)؛ وسرعان ما طلب يسوع أيضا من الأخَوَيْن يَعْقُوب بنُ زَبَدَى ويُوحَنَّا (متى 4: 21) أن يتبعاه. فقد طلب يسوع من هؤلاء الصَيَّادَيْن أن يتبعوه ليربحوا الناس إلى ملكوت السماوات ويجذبوا النفوس من حولهم إلى المسيح مثل الصياد الذي يجذب السمك بالشباك إلى قاربه. لقد قابل الإخوان بُطرُس وأَندَراوس والإخوان يَعْقُوب ويُوحَنَّا يسوع من قبل (يُوحَنَّا 1: 15-42)، وعندما دعاهم يسوع كان يعلمون أي رجل هو، فكانوا على استعداد لاتباعه، بل كانوا مقتنعين حقاً أنَّ إتباعهم له سيغيّر حياتهم. والآن يسوع يدعوهم إلى الخطوة التالية أن يتركوا صيد السمك ويتبعوه. فبدأ الإنجيل بدعوة أربعة أشخاص والعدد أربعة يرمز إلى العالم كله. دُعوا من أجل العالم، وهم اللبنة الأولى في صرح الكنيسة. كان بُطرُس وأَندَراوس ويَعْقُوب ويُوحَنَّا هم أوائل تلاميذ يسوع المسيح الذين عملوا معه، وقد دفعتهم دعوته إلى ترك أعمالهم فورا. ولم يحاولوا الاعتذار أنَّ الوقت لم يكن ملائماً، بل تركوا عملهم في الصيد وتبعوه. وبقبولهم للمُهمّة الجديدة، اختاروا التّجرّد الكامل عن هموم الوظيفة السّابقة لكي يتفرّغوا يداً وعقلاً وقلباً للرسالة الجديدة. فمن يعرف المسيح حقيقة يترك كل شيء حاسبًا إياه نفاية ويكرس قلبه كليا للمسيح كما حدث مع بولس الرسول " أَعُدُّ كُلَّ شَيءٍ خُسْرانًا مِن أَجْلِ المَعرِفَةِ السَّامية، مَعرِفةِ يسوعَ المسيحِ رَبِّي. مِن أَجْلِه خَسِرتُ كُلَّ شَيء وعدَدتُ كُلَّ شَيءٍ نُفايَة لأَربَحَ المسيحَ" (فيلي 3: 8). المسيح يدعو الناس، ليس لما هم عليه، بل لما يجعلهم هو أن يكونوا، إذا ما كانوا مستعدين لطاعته والسماح لنور المسيح يُشرق في حياتهم، وإظهار القدرة الإلهية فيهم. يأخذ الربّ يسوع ما لدى الناس العاديّين، مثلنا، ويُمكّنا أن ننجز أشياء عظيمة لملكوته. وقد أظهر القدّيس بولس هذه القدرة فيما كتبه: " ولَم يَعتَمِدْ كَلامي وتَبْشيري على أُسلوبِ الإِقناعِ بِالحِكمَة، بل على أَدِلَّةِ الرُّوحِ والقُوَّة" (1قورنتس 2: 4). فقد رأينا، بالفعل، "صوت" رسل الربّ يسوع يذهب "في الأَرضِ كُلِّها، وأَقوالُهم في أَقاصي المَعْمور" (رومة 10: 18). لذلك، فإنّ كلّ من سمع كلمة الله المُعلَنة بقوّة يصبح ممتلئًا هو نفسه بتلك القوّة الظاهرة من خلال تصرّفاته ونضاله من أجل الحقيقة حتّى الموت. فالتلاميذ الأوائل انتقلوا من مهنة الصيد إلى رسالة النفوس بقدرة المسيح ونعمته. وبالتالي فالمبَشرون بالمسيح هم أصحاب رسالة وليس مهنة. نستنتج مما سبق أن متى الإنجيلي لخّص رسالة يسوع قائلا " كانَ يسوع يَسيرُ في الجَليل كُلِّه، يُعَلِّمُ في مَجامِعِهم ويُعلِنُ بِشارَةَ المَلَكوت، ويَشْفي الشَّعب مِن كُلِّ مَرَضٍ وعِلَّة" (متى4: 23)، وعليه تقوم رسالة يسوع على التعليم وإعلان بشارة الملكوت (متى 5-7) وشفاء الشَّعب من كل مرض وعلة (متى 8-9)؛ وهذه الرسالة موجّهة ليس فقط إلى الجموع الآتية من اليهودية كما كان الحال مع يُوحَنَّا المعمدان، وإنما للمجموعات آتية من الجَليل والمدن العشر وهي ارض وثنية. كما ورد في إنجيل متى "فتَبِعَتْه جُموعٌ كَثيرةٌ مِنَ الجَليل والمُدُنِ العَشْرِ وأُورَشَليمَ واليَهودِيَّةِ وعِبْرِ الأُردُنّ" (متى 4: 25). وهذه هي رسالة الرسل رسالة للعالم أجمع وهي غير مرتبطة لا في مكان ولا في زمان، بل هي لكلِّ الأوقات ولكلِّ الأزمان ولكلِّ الأجيال. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|