|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لِتَكونَ لَهُ الأوّليةُ في كُلِّ شَيء لِتَكونَ لَهُ الأوّليةُ في كُلِّ شَيء (قولسّي 18:1) عظة الأحد الرّابع والثّلاثون اَسْتَهِلُّ عِظَتي هذهِ، بِآياتٍ عَطِرة مِن سِفْرِ الْمَزَامير، تَقول: ﴿إنَّ اللهَ مَلِكُ الأرضِ كُلِّها. اللهُ عَلَى الأُمَمِ مَلَكَ، اللهُ عَلى عَرشِ قُدسِهِ جَلَسَ﴾ (مزمور 8:47-9). أَيّها الأحبّة، عيدُ يَسوعَ الْملِك، والّذي نحتفِلُ بِهِ عِندَ نهايةِ كُلِّ سَنَةٍ طَقسيّة، هو بمثابةِ إِعلانِ الكَنيسة، بِأنَّ الْمسيحَ هو رَبُّ الخليقَةِ جَمعاء وسَيِّدُها الْمُطْلَق، فَهوَ كَلِمَةُ الله، الّذي: ﴿بِهِ كانَ كُلُّ شَيء، وَبِدونِه مَا كانَ شَيءٌ مِمّا كان﴾، عَلَى حَدِّ قَولِ البَشير يوحنّا، مُستَهِلًّا بِشارَتَهُ الْمَجيدة (يوحنا 3:1). عيدُ يَسوعَ الْمَلِك هوَ عِيدُ التَّتويج! فَجَميعُ الأحدَاثِ الّتي نُقيمُ ذِكرَهَا، والأعيادِ الّتي نحتَفِلُ بِها، عَلى مَدارِ السَّنَةِ الّليتورجيّة، تَهدُف إلى إعلانِ السّيادةِ الْمُطلَقةِ لِلْمَسيح مَلِكِ الكَونِ، وَرَبِّ الوَرَى، وكلِّ مَا حَوى! فَهوَ كَما يَدعوه سِفرُ الرّؤيا: ﴿مَلِكُ الْملوكِ وَربُّ الأرباب﴾ (رؤيا 16:19). أَمَّا عَشِيّةَ سَبتِ النُّور، عِندَمَا نحتفِلُ بِنُورِ الْمَسيحِ الحيِّ القَائِم، فَإنّنا نهتِفُ قائِلين: ((الْمسيحُ أمسُ واليوم، هوَ البَدءُ والنّهاية، هوَ الألِفُ واليَاء، لَهُ الأزمِنَةُ لَهُ الدّهور، لَهُ الْمَجدُ والعِزَّةُ إلى آبادِ الدّهور)). تَعبيرًا عَن إيمانِنا التَّام بِأنَّ الْمَسيحَ سَيِّدُ الزّمانِ والْمَكان، وَمَا وَقَعَ بَينَهُما، فَاللهَ بِكَلِمَتِهِ قالَ كُن، فَكُلُّ شيءٍ كَان. يَقولُ بولسُ الرّسول في رِسَالَتِهِ إلى أَهلِ قولسّي، في شَأنِ أَوّليةِ الْمَسيحِ الشَّامِلَة: ﴿فِيهِ خُلِقَ كُلُّ شيَء، مِمَّا في السَّمَواتِ ومِمَّا في الأَرْض، ما يُرى وما لا يُرى... كُلُّ شيَءٍ خُلِقَ بِهِ وَلَهُ. هوَ قَبْلَ كُلِّ شيَء، وبِه قِوامُ (عِماد ونِظام) كُلِّ شيَء. لِتَكونَ لَهُ الأَوَّلِيَّةُ في كُلِّ شيَء. فَقَدْ حَسُنَ لَدى اللهِ أَن يَحِلَّ بِه الكَمَالُ كُلُّه. وأَن يُصالِحَ بِه ومِن أَجلِه كُلَّ موجود، وقَد حَقَّقَ السَّلامَ بِدَمِ صَليبِه﴾ (راجع قولسّي 15:-20). رُبوبيّةُ الْمسيحِ هيَ أيضًا رُبوبيِّةٌ وسيادَةٌ في الخلاص، إذْ لا مُخلِّصَ للبَشرِ سِوَاه، لا مِن قبل وَلا مِن بَعد! وكَما يُعلِنُ بطرسُ الرّسول في سِفر أَعمالِ الرُّسل: ﴿لا خَلاصَ بِأحدٍ غَيرِه، لِأنَّهُ مَا مِن اسمٍ آخرَ تَحتَ السَّماءِ، أُطلِقَ عَلَى أَحَدٍ مِن النّاس، نَنَالُ بِه الخلاص﴾ (أعمال الرّسل 12:4). أَمّا مَا يَصدُرُ مِن تَصريحاتٍ عَنِ البَعضِ في لِقَاءَاتٍ وَمُنَاسَبَات، وَإنْ كَانوا أصحابَ مَنَاصِبَ كَنَسيّة، تَشُمُّ فيهَا رائِحةَ الْمُجَامَلَةِ، أو شيئًا مِن التّنازُلِ عَن هذِه الحقيقةِ الْمُطلَقة، فَإنَّهُ لا يَنْدَرِجُ سوى تحتَ بَنْدِ الانْكِفاءِ وَخُذلانِ الإيمان! يَسوعُ الْملِك، تِلْكَ كانَت التُّهمَةَ الّتي بِها اِتُّهِمَ يَسوع، وَخُطَّتْ رايَةً عَلَت صَليبَهُ! رُبّما لَدَى أَعدَائِه مِنَ اليَهودِ، كَانَت تِلكَ تُهمَةً تَهدُفُ لِقَتلِهِ وَالحُكِمِ عَلَيهِ بِالْمَوت، وَلَكنَّها حَقيقَةٌ لا رَيبَ فِيهَا! فَعِلَّةُ الْموتِ هذه، كانَت إعلانًا لِمُلكِ الْمَسيحِ التَّام، فَهوَ مَلِكٌ في ضُعفِهِ وَآَلامِهِ وَفوقَ صَليبِه، مِثلَمَا هو مَلِكٌ في قُوّتِه وَقيامَتِهِ وَعظيمِ مَجدِه! وَهَذَا هوَ الْمَغزَى الّذي لأجلِهِ تَضَعُ لَنا الكنيسةُ مَقطَعًا من إنجيلِ الآلام، في احتِفَالِنَا بِعيدِ يَسوعَ الْملِك! في هذا الْمَقطَعِ الإنجيلي، نَرَى الجَميعَ يَسْخَرونَ مِن يَسوعَ الْمَصلوب! الرّؤساءُ يَهزَأون، الجُندُ يَسخَرون، حتّى أنَّ أحدَ الْمُجْرِمَين، قَد أَخَذَ بِشَتْمِهِ وَالشَّمَاتَةِ بِه، وَهوَ يَلْقَى ذاتَ الْمَصير، وَيُعاقَبُ جزاءَ ما صَنَع! بِبساطَةٍ هَذَا هوَ الإنسان! بِطَبيعَتِهِ عَاصٍ وَمُتَمَرِّد! قَدْ يَتَمَرَّدُ لِأجلِ إنفاذِ الحقِّ وَإحقاقِ العَدل، وَقدَ يتمرّدُ لإزهاقِ الحقِّ والعَدل، وَنُصرَةِ البَاطِل! وَهَذَا مَا جَرَى في حُكْمِهم البَاطِلِ وَقَتلِهم لِيَسوع، الّذي هوَ الحقُّ كُلُّه! وَلِأنَّ عَالَمَنا هذا عَالمٌ تسودُهُ الظّلمةُ كثيرًا، والكّذِبُ كثيرًا، والافتِراءُ كثيرًا، والنَّميمَةُ كثيرًا، والغِشُّ كثيرًا، لِذلِكَ يكونُ التَّمرُّدُ والعِصيانُ لأجلِ البَاطِل، أَكثرَ مِنهُ لأجلِ الحَق! فَناصِروا النِّفَاقِ والبُهتَان، وَالتَّزويرِ وَالتَّحوير، وَالتَّحريفِ والتَّبْهير، تجِدُهُم في كُلِّ مَكان، حتّى في تِلكَ الّتي يُفْتَرَضُ أَنْ تَكونَ الأكثرَ قُدْسِيّةً هيَ وَمُرتَادِيها! وَهَذَا لَيسَ بِمُستَغرب، فَبينَ الرُّسُلِ مَنْ كَانَ مُخْتَلِسًا وَمُرتَشِيًا، وَخَائِنًا بِقُبْلَةِ غِشٍّ لا مَحَبَّة! (راجِع لوقا 48:22). وَأَخيرًا يَا أحبّة، تَبْقَى شَخصيَّةُ الْمُجرِم الآخَر، عَلامَةَ أَمَلٍ وَرجاءٍ لَنَا جَميعًا! فَبالرّغمِ مِن جُرمِهِ وَذنبه، إلّا أنّهُ استطاعَ قَبْلَ مَوتِهِ بِسَاعات، أن يَحظَى وَيغنَمَ بالْمَلَكوتِ مِن صَاحِبِ الْمُلكِ، يَسوعَ الْمَلِكَ! وَنحن كذلِك، بالرّغم مِن ضُعْفِنَا وَخِيانَاتِنا الْمُتَكَرِّرة بحقِّ الْمَسيح، بخطايانا وكَثرةِ معاصينا، إلّا أنّنا نَستطيعُ دومًا إعلانَ التّوبةِ وَطَلَبَ الْمَغفرةِ والنَّدَامَة، وَالغُنمَ بِملَكوتِ اللهِ الأزَليّ، لَيظلَّ الْمسيحُ دومًا مَلِكًا وسَيِّدًا وربًّا لَنا وَعلينا، من الآن وإلى الأبد!! |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|