|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"الأحشاء: الإلهيّة والمريميّة" بين كاتبي نبؤة اشعيا والإنجيل الأوّل والثالث سلسلة قراءات كتابيّة بين العهديّن (اش 7: 7- 14؛ مت 1:18- 22؛ لو 2: 4-21) الـمُقِدمَة نحتفل ككنيسة كاثوليكية في الثامن من ديسمبر من كل عام بعيد "مريم كليّة الطهارة". هذا اليوم المريمي الّذي نستعيد فيه ككنيسة تفسير الكثيرين من أباء الكنيسة، والّتي نجح كُتّاب الأيقونات في تصميمها حينما كتبوا لنا "أيقونة مريم ذات النجمات الثلاث". الثالث نجمات على كتفيها وعلى جبهتها يرمزون على بتوليتها قبل وأثناء وبعد ميلاد يسوع ابنها والهنا. نعم مريم هي المرأة الّتي بطبيعتها البشرية صارت منفتحة على نداء الله الآب وعمل الرّوح القدس فصارت متعاونة مع الثالوث الإلهي من خلال تقديم شمولي لذاتها يكل ما لديها لتُلبي نداء الله بل ولتُتممّ مشيئته الّتي لا تخصها بشكل فردي بل شملت كل البشرية لأنها من خلال ولادتها يسوع قدمت الخلاص للعالم وجسَّدت حب الله. لذا في هذا المقال سأتوقف معكم، من خلال بعض النصوص الكتابية، للتعرف على لقاء سري تمّ بين رحمّ الله ورحمّ مريم البتول والأمّ التّي هيأها الرّبّ بنعمته لتصير أمّاً لابنه وأمّنا جميعًا. مدعوين إلى التعمق في المراحل الثلاث الّتي عبرت بهم مريم لتحيا الطهارة باطنيًا وخارجيًا لإتمام مخطط الرّبّ. 1. طهارة مريم "قبل" الحبل الإلهي (أش 7: 14؛ مت 1: 18. 22-23) تنبأ بالماضي، النبي اشعيا، بالقرن الثامن قبل الميلاد تقريبًا، بناء على رسالة الله للملك آحاب الّذي رفض أن يطلب آية من الرّبّ. في هذا الوقت الّذي يرفض الإنسان البشري الانفتاح على خطة الله، يقدم له الله من خلال النبي خطته المستقبليّة قائلاً على لسان النبي: «اِسمَعوا يا بَيتَ داوُد. أَقليلٌ عِندَكم أَن تُسئِموا النَّاسَ حتَّى تُسئِموا إِلهي أَيضاً؟ فلِذلك يُؤتيكُمُ السَّيِّد نَفْسُه آيَةً: ها إِنَّ الصَّبِيَّةَ تَحمِلُ فتَلِدُ ابناً وتَدْعو اسمَه عِمَّانوئيل» (اش 7: 13- 14). ففي القوت الّذي لم يصغي ملك الرّبّ لصوته يكشف النبي تفكير الرّبّ لخير البشرية قبل أن يعبر عصور وأجيال تزداد فيها الفجوة بين الله والبشر خلائقه. من خلال كلمات هذه النبوءة، نكتشف تهيئة الرّبّ لـ "صّبيّة ما" أيّ عذراء صغيرة العمر بحسب قصده التّي ستصير مستقبليًا علامة مميزة لكل البشرية بل ستحمل معها حضور حي فيما يعني "الله معنا". هذه النبوءة لم يتمّ فهمها في زمن النبي، فقد كانت غامضة إلى أن آتى مَن يُفسرها لنا، وهو كاتب الإنجيل الأوّل، متى الإنجيلي القائل: «أَصلُ يسوعَ المسيح فكانَ أنَّ مَريمَ أُمَّه، لَمَّا كانَت مَخْطوبةً لِيُوسُف، وُجِدَت قَبلَ أَن يَتَساكنا حامِلاً مِنَ الرُّوحِ القُدُس [...] وكانَ هذا كُلُّه لِيَتِمَّ ما قالَ الرَّبُّ على لِسانِ النَّبِيّ: "ها إِنَّ العَذراءَ تَحْمِلُ فتَلِدُ ابناً يُسمُّونَه عِمَّانوئيل أَيِ اللهُ معَنا"» (مت 1: 18. 22- 23). إتمّام ولادة يسوع بشريًا، من مريم الصّبَيّة والبتول Parthinos باليوناني، يشير هذا المفهوم إلى انفتاح رحمين الإلهي على البشري. إذ كشف الله ما بأحشائه الأموميّة تجاه البشرية من حب، فدَّبرَ الخلاص للعالم في خطته الإلهية، كمرحلة أوّلى. ثمّ باختياره لمريم أمّا لابنه، كمرحلة ثانية، صارت مركز لتحقيق هذا الخطة فهيأها جسديًا وبلمسة إلهيّة من الرُّوح القدس لأحشائها البتوليّة، تجسدت خطة الرّبّ في ابنه لخلاص العالم من خلال انفتاح الأحشاء البتوليّة على الأحشاء الإلهيّة. نعم من خلال إعلان حب الله الّذي نمى بالماضي في كلمات اشعيا النبي وتجسده في الأحشاء البتوليّة لمريم، صرنا اليوم، أكثر وعيًا لفهم ختام الإنجيل المتاوي الّذي أشار إليه الإنجيلي، من خلال حوار يسوع - العمَّانوئيل لتلاميذه في كلماته الأخيرة قبل صعوده إذّ قال: «هاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم» (28: 20ب). وكانت كلماته تجسيد لما أعلنه الله، من حب بباطنه، للنبي اشعيا، وما تممّته مريم في أحشائها البتول وما كلله يسوع في ميلاده وحياته وموته وقيامته ولازال حتى اليوم هو العِمَّانوئيل - الله معنا الّذي يرافق خطواتنا البشرية ببصمته الإلهية. 2. طهارة مريم "أثناء" الحبل الإلهي (مت 1: 18. 22-23) يدعونا متى الإنجيلي للدخول في فكر القرن الأوّل الميلادي، وهو صعوبة فهمنا البشري لحبل صبية بتول، دون أن تتزوج ويربط بإلهام الرُّوح القدس وببراعته لإعلان سر الله في أحشاء مريم من خلال عمل الله في حياة يوسف الّذي تراءى له ملاك الرّبّ حينما: «وُجِدَت [مريمٍ] قَبلَ أَن يَتَساكنا حامِلاً مِنَ الرُّوحِ القُدُس. وكان يُوسُفُ زَوجُها باراًّ، فَلَمْ يُرِدْ أَن يَشهَرَ أَمْرَها، فعزَمَ على أَن يُطلِّقَها سِرّاً. وما نَوى ذلك حتَّى تراءَى له مَلاكُ الرَّبِّ في الحُلمِ وقالَ له: يا يُوسُفَ ابنَ داود، لا تَخَفْ أَن تَأتِيَ بِامرَأَتِكَ مَريمَ إِلى بَيتِكَ. فإِنَّ الَّذي كُوِّنَ فيها هوَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، وستَلِدُ ابنًا فسَمِّهِ يسوع، لأَنَّه هوَ الّذي يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم» (مت 1: 18- 21). يكشف الإنجيلي، ما لم يعرفه أحد عن العلاقة الخاصة بين مريم "البتول" وخطيبها يوسف "البار". أثناء حَبَل مريم العذراء الإلهي يتحقق لقاء بين بتوليّة مريم وحياة يوسف-رجلها بحسب الشريعة، البارّة. ما أتمّه يوسف في حياة البتول أثناء وبعد حَبَلِها، بتراءي ملاك الرّبّ له ساعد على حماية الصّبيّة الّتي قدمت جسدها البتول للرّبّ من حكم الرجم والموت بحسب الشريعة اليهوديّة. فصار يوسف سِتر مِن قِبل الرّبّ للعذراء الّتي جازفت بإتمامّ مخططه الخيّر للبشريّة. نتلّمس من خلال شفافيّة مريم في علاقتها بالرّبّ، وإنتقالها لبيت يوسف رجلها بحسب ما أمره الرّبّ به هو إتمام تدريجي لما كشفه رجل الله بالقرن الثامن ق.م. يسوع. لذا حينما أرادّ الرّبّ باختيار بشر ليعاونوه فهيأ مريم ويوسف أخذين بمحمل الجِد إرادته وإتمامها فسارا عكس التيار البشري وداخل التيار الإلهي. 3. طهارة مريم "بعد" الحبل الإلهي (لو 2: 4. 6- 7. 21) سنستعين في تفسير هذا العنصر على الإنجيل بحسب لوقا. يروي الإنجيلي في رواية الميلاد بأن مريم ويوسف صعدا لمدينة اليهودية للإحصاء بحسب أمر القيصر. يؤكد الإنجيلي على علاقة مريم بيوسف أثناء صعودهما قائلاً: «وصَعِدَ يوسُفُ أَيضًا [...] لِيَكتَتِبَ هو ومَريمُ خَطيبَتُه وكانَت حَامِلاً. وبَينَما هما فيها حانَ وَقتُ وِلادَتِها، فولَدَتِ ابنَها البِكَر [...] ولَمَّا انقَضَت ثَمانِيَةُ أَيَّامٍ فحانَ لِلطِّفْلِ أَن يُختَن، سُمِّيَ يسوع، كما سَمَّاهُ الـمَلاكُ قَبلَ أَن يُحبَلَ بِـه» (لو 2: 4. 6- 7. 21). يُدهشنا الإنجيلي الّذي يعطينا بوصف دقيق وجه علاقة يوسف، الرجل الشرقي، بمريم ذات العقليّة الشرقية بأنها لا أكثر ولا أقل من "خطيبته". مريم الصّبيّة بحسب اشعيا النبي، هي الّتي حبلت بالابن الإلهي وهي لا زالت بتول بعد الولادة أيضًا. نعم قد نالت مريم نعمة فريدة وهي "الحبل بها بلا دنس" لأن الله الآب قد هيأها لتكون أمّ ابنه الإلهي ففاض عليها بالامتلاء بنعمته الخاصة، قبل ولادته منها. وبعد ولادته أعطاه يوسف اسم "يسوع -المُخلص" لأنه سيزيل دنس الخطيئة عن كل بشر (مت 1: 22). الامتلاء سواء فعل أم صفة في العهد الثاني، يرتبط دائما بالرُّوح القدس. حينما أراد الله الآب إتمام ما بمشروعه الإلهي مع اشعيا عاونّه الأقنوم الثالث ليتحقق الخلاص للكل البشر. صارت أحشاء مريم، دليل بتوليتها، "المكان" المناسب لامتلائها من الرُّوح القدس. الرّوح القدس هو نعمة النعم الإلهيّة، لذا نفهم معنى تحية الملاك جبرائيل لمريم حينما توجه إليها وصار اسمها ليس مريم بل: «إفَرحي، أَيَّتُها الـمُمتَلِئَةُ نِعْمَةً، الرَّبُّ مَعَكِ» (لو 1: 28). الانفتاح لما هو عكس المفاهيم البشرية، لما هو عكس التيار العادي اليومي، لما يتوجب على كل النساء والرجال معايشته، وتحت نظر الرّبّ هو الدخول في الأحشاء الإلهية والخروج منها بقلب بتولي يحمل المخطط الإلهي فيما يحياه بشريًا، مثل مريم الّتي حُبل بها بلا عيب. الخلّاصة ها نحن نستعد للإحتفال في هذا اليوم من كل عام، بعيد مريم الّتي حُبِلَ بها بلا دنس، الّذي لم أتعرض له مباشرة، لأننا كتبا الكثير من المقالات بالماضي عن هذا الموضوع من الوجهة الكتابيّة. إلا إننا ودَدّنا اليوم، التوقف على الأحشاء المريميّة أثناء استعدادنا ككنيسة لتجسد يسوع -ابن الله في زمن المجيء، أن ننظر لحبل مريم الإلهي كثمرة للحبل بها بلا عيب. نحن من خلال هذا المقال ننظر لمريم العذراء الّتي تمتعت بشفافيّة حياتيّة، فصارت بتول قبل وأثناء وبعد ولادة ابنها يسوع. من خلال تسليمها للرّبّ، تساعدنا اليوم، نساءً ورجالاً، بانفتاح أحشائنا أيّ عالمنا الباطني والبتولي الّذي نحمله بداخلنا أمام الأحشاء الإلهية، الّتي كُشفت لنا من خلال كلمات اشعيا النبي ثم الإنجيليين متى ولوقا، لنتأمل في استمرارية شفافية الصبية والأم تلبيتها لنداء الرّبّ من خلالنا على سرّ البتول الّتي حُبل بها بلا دنس إذ وُلدت قبلاً في أحشاء الله وحملت لاحقًا في أحشائها ابن الله. دُمتم أبناء تتمتعون بشفافيّة وبطهارة مريميّة أيها القراء الأفاضل. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|