|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التسبيح لله في بيت الرب إذ يدخل المؤمن إلى الرب، يلقي بخطاياه عند قدمي الله مخلصه، الذي وحده يكفر عنها، فيتمتع بالمصالحة مع السماوي. يشعر المؤمن أنه في بيت أبيه، القادر أن يشبع كل احتياجاته بدسم محبته الفائقة. يقترب إليه، ويطلب الاتحاد معه، ويود ألاَّ يفارق الموضع المقدس. اِرْحَمْنِي يَا اللهُ، لأَنَّ الإِنْسَانَ يَتَهَمَّمُنِي، وَالْيَوْمَ كُلَّهُ مُحَارِبًا يُضَايِقُنِي [ع1]. كلمة "يَتَهَمَّمُنِي"تعني:يلاحقني ظمآن إلي دمي. جاءت الكلمة مترجمة في مواضع أخرى "يدوسني" أو "يسحقني" (مز 57: 3). كان الملك شاول بكل إمكانياته يقاوم داود ويطلب قتله، لكن داود لم يخشَ الملك، إذ يعلم أنه إنسان فانٍ، ملح فاسد سيُداس من الناس. لهذا لم يقل: "لأن الملك يبتلعني"، بل "الإنسان يبتلعني". فمهما ظن الأشرار أنهم أصحاب سلطان، قادرون على أن يطأونا بأقدامهم أو يبتلعونا، فإن الله يرحمنا ويرفعنا، أما هم فبشرهم يسقطون تحت الأقدام. بينما يُشبه داود بحمامة بكماء عاجزة عن أن تفتح فمها للدفاع عن نفسها، إذ بفم العدو ينفتح لا لينطق بالكذب والافتراءات فحسب، وإنما ليبتلع داود نفسه. هوجم داود من أبناء وطنه حتى من أهل بيته وأصدقائه، والآن صار بين أعدائه الفلسطينيين، متوقعًا أن يبتلعوه وهو حيّ. فالحرب ضده مستمرة من خاصته كما من أعدائه. لا خلاص له إلاَّ بالله القدير ينبوع كل رحمة! ليس من إنسان يثق فيه؛ لم يعد له ملجأ آمن سوى إلهه. يصرخ المرتل إلى الله لكي يُحسن إليه ويرحمه، فإن الإنسان بوجهٍ عام، دون تحديدٍ لأسماءٍ أو جماعاتٍ معينةٍ، قد وضع في قلبه أن يتهممه، أي يلاحقه ظمآن إلي دمه، أو يبتلعه، مثل وحشٍ يفترسه تمامًا. لا يجد المرتل راحة قط، فالمقاومة مستمرة ضده "اليوم كله"! الإنسان المسيحي في محبته الفائقة لإخوته في البشرية، يشعر أن العدو الحقيقي الذي يقاومه بلا توقف هو إبليس ومعه كل قوات الظلمة الروحيين. * ليت القديسين الذين يعانون من ضغط من هم غرباء عن القديسين أن ينتبهوا إلى هذا المزمور... لننتبه إلى عدوين، ذاك الذي نراه، والذي لا نراه. نحن نرى البشر، ولا نرى الشيطان. لنحب الإنسان، ونحذر من الشيطان. نصلي لأجل الإنسان، وضد الشيطان. لنقل لله: "ارحمني يا الله، لأن الإنسان يطأ عليّ" [1]... لا تخف لأن الإنسان يطأ عليك، سيكون لك خمر، إذ صرت عنبًا لكي يطأ الإنسان عليك. العنقود الأول في المعصرة الذي ضغط عليه هو المسيح (إش 53: 3)... ليقل أيضًا جسده، متطلعًا إلى الرأس: "ارحمني يا الله، لأن الإنسان وطأ عليّ". القديس أغسطينوس تَهَمَّمَنِي أَعْدَائِي الْيَوْمَ كُلَّهُ، لأَنَّ كَثِيرِينَ يُقَاوِمُونَنِي بِكِبْرِيَاءٍ [ع2]. في كل الأزمنة يحمل الأشرار نوعًا من العداوة ضد الأبرار. أما سرّ العداوة فهو ليس بسبب شرٍ يفعله الأبرار بهم، وإنما بسبب كبريائهم. فقد تشامخ إبليس وملائكته حتى على الله. وها هم في كبريائهم يودون أن يسحقوا كل مؤمنٍ. لكن سرعان ما تتحطم أياديهم العالية، وترجع شرورهم عليهم فيهلكون (مز 54: 5). * أظهر النبي بقوله هذا ما كتبه الرسول (بولس) في الأصحاح السادس من الرسالة إلى أفسس: "فإن مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات" (أف 6: 12). إنهم الأبالسة الذين يهيجون أناسًا مثل شاول وأنطيخوس وأهل بابل، ويثيرونهم على أذية البشر الأبرياء وممارسة الظلم. فالأبالسة أيضًا تدوس جماعة الأمم، وتثقل عليهم بعبادة الأصنام وبلذة الشهوات، ولا تزال تحاربنا لكي تطأ علينا شهوة الأرضيات. لكن من يرتقي إلى علو الفضائل ولا ينزلق في الولع بالأرضيات يكون أكثر علوًا منها، ولا تقدر أن تطأ عليه. الأب أنثيموس الأورشليمي * "اليوم كله"، أي كل الزمان. لا يقل أحد في نفسه: "كانت هناك أتعاب في أيام آبائنا، أما في زماننا فلا توجد متاعب. إن ظننت في نفسك أنه لا توجد متاعب تضايقك، فإنك لم تبدأ بعد تكون مسيحيًا. أين يوجد صوت الرسول: "وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يُضطهدون" (2 تي 3: 12). فإن كنت لا تُضطهد قط من أجل المسيح، احذر لئلا تكون لم تبدأ بعد تعيش بالتقوى في المسيح. ولكن عندما تبدأ تعيش بالتقوى في المسيح، فإنك تدخل المعصرة، وتتهيأ للعصر. لا تكن جافًا لئلا لا تفيض شيئًا عند العصر. القديس أغسطينوس فِي يَوْمِ خَوْفِي، أَنَا عَلَيْكَ أَتَّكِلُ [ع3]. بقوله: "في يوم خوفي" لا ينكر داود أنه كان يعاني أحيانًا من الخوف، لكنه لم يكن يستسلم لليأس، وإنما يقول: "انتظرتك يا رب، انتظرت نفسي، وبكلامه رجوت. نفسي تنتظر الرب أكثر من المراقبين الصبح" (مز 130: 5-6). اتسم داود النبي بالشجاعة، لكنه عانى أحيانًا من الخوف. يوم خوفه هو اليوم الذي فيه هرب من وسط شعبه، والتجأ إلى الأعداء. وإذ خشي أن يكتشفوا أنه هو الذي قتل جليات، وأنه كان سببًا في هزيمة جيشهم، تظاهر بالجنون أمام ملك جت ليفلت من يده ويهرب (1 صم 21). عندما كان داود يشعر بالخوف بسبب ضيقة حلت عليه، كان يتكئ على الله، فتستريح نفسه، ويُنزع الخوف منه. في أظلم اللحظات حين يحل به الخوف لم يكن يفقد المرتل رجاءه في الرب. حقًا إن الصديقين لا يتحرروا تمامًا من الخوف في لحظات معينة، إنما حتى هذا الخوف يدفعهم إلى الصراخ إلى الله والثقة فيه، فيُحسب ليس سقوطًا بل تزكية لهم. من لا يتكئ على صدر الله عندما يُهاجم بالمخاوف يُحسب كمن ينكر وجود الله، ويجحد العناية الإلهية. يرى البعض أن كلمة "يوم" هنا يُقصد بها "نهار"، فحيث تستنير نفس المؤمن بنور الله، لن يقدر أن يحل الخوف بها، إذ تضع كل اتكالها ورجائها في الله الذي ينيرها بفرحه الأبدي. جاءت الترجمة في تفسير الأب أنثيموس الأورشليمي: "علو النهار لا أخاف، لأني عليك توكلت" [ع3]. * إن قوله: "من علو النهار" معناه أن أعدائي يحاربونني من قديم الأيام لكي يهزموني، أي منذ اغتصاب فرعون وأتباعه لي في عبودية مصر. لكني لا أخاف لاتكالي عليك... آخرون وصفوا ذلك: "لأن الذين يقاتلونني كثيرون من العلو" بهذا يدل على محاربة الشياطين الساقطين من العلو. يضيف: "في النهار لا أخاف"... بمعنى أن المستضيء بنور الإيمان، كأنه في يوم منير، سالك في النهار بجمال النور، كما كتب الرسول إلى أهل رومية. هذا هو حال من يتكل على الله ولا يخاف. الأب أنثيموس الأورشليمي * حاليًا يأتي البرّ من الإيمان، إنه البدء الذي يهبنا إياه الروح. يبدأ حينما نتعرف على أفعالنا الشريرة، عندما لا نعود نبرر خطايانا، لكنه يبلغ الكمال فقط عندما يُبتلع الموت إلى غلبة. في اللحظة التي فيها لا نزال وسط المعركة نُحارب ونُجرح، نسأل أنفسنا: من الذي يغلب؟ أيها الإخوة، الغالب هو ذاك الذي يعتمد على الله، الذي يحثه وهو يحارب، ولا يعتمد على قوته. للشيطان خبرته في الحرب، لكن إن كان الله معنا فسنغلبه. يحارب الشيطان بذاته، فإن حاولنا أن نفعل ذات الأمر، فسيغلب. إنه محارب مختبر، لهذا فلتستدعي القدير ليقف ضده. ليقطن فيك ذاك الذي لا يُغلب، فستغلب ذاك الذي عادة ما ينتصر. من هم الذين يغلبهم؟ أولئك الذين قلوبهم فارغة من الله. الحب هو كمال ناموس الله وغاية وصاياه. إننا لم نأخذ الناموس الذي يهددنا من الخارج، بل ناموس البرّ في قلوبنا . القديس أغسطينوس اَللهُ أَفْتَخِرُ بِكَلاَمِهِ. عَلَى اللهِ تَوَكَّلْت،ُ فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُهُ بِي الْبَشَرُ [ع4]. الخط الرئيسي في هذه التسبحة هو اتكال المرتل على الله، فلا يخشى أية مقاومة، خاصة الصادرة من البشر. التمسك بالوعود الإلهية، أو الالتصاق بكلمة الله، يحول مخاوفنا من مراثٍ إلى تسابيح شكر لله مخلصنا. هذا ما دفع المرتل وسط مخاوفه أن يتغنى "أفتخر بكلامه". فإن كلام الله حق، قادر أن يرفعنا إلى الحضرة الإلهية، ويدخل بنا إلى النور الإلهي، فلا تكون للظلمة سلطان علينا. "ماذا يصنعه بي البشر؟" جاءت كلمة "بشر" هنا بمعنى الجسد الترابي، الذي لن يقدر أن يقف أمام الله، إذ لا حول له ولا قوة. قيل: "إنهم بشر؛ ريح تذهب ولا تعود" (مز 78: 39). وأيضًا: "فقال الرب: لا يدين روحي في الإنسان إلى الأبد لزيغانه، هو بشر!" (تك 6: 3). وأيضًا: "كل جسدً (بشرٍ) عشب، وكل جماله كزهر الحقل. يبس العشب، ذبل الزهر، لأن نفخة الرب هبت عليه. حقًا الشعب عشب" (إش 40: 6-7). يرى الأب أنثيموس الأورشليمي أن كلمة "البشر" هنا تعني الجسدانيين، كقول الرسول بولس: "لأنكم بعد جسديون، فإنه إذ فيكم حسدُ وخصام وانشقاق، ألستم جسديين، وتسلكون بحسب البشر" (1 كو 3: 3). وقوله: "لأن اهتمام الجسد هو موت، ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام" (رو 8: 6). فالإنسان الروحاني يتكل على الله، فلا يخاف من الإنسان الجسداني المائت. الأول يحمل فيه الحياة الأبدية، وسلام الله، أما الثاني فيحمل الموت الأبدي. * إن قوله: "بالله أمدح أقوالي" يعني: "إني قلت ولم أخف، لكني لست مفتخرًا بقوتي، بل امتدح الله". وأيضًا بمعنى: "في وقت شدتي أنطق بتسابيح مجملة باسم الله". وأيضًا بمعنى: "إذا أعانني الله كي استغيث به، يمدح الناس صدق أقوالي". وأيضًا: "إن أقوالي تتضمن معرفة الله والاتكال عليه، لذلك فهي ممدوحة". فمن يتكل على الله يكون إنسانًا روحانيًا، فلا يفزع من إنسان مائت، لأن المائت يُسمى في الكتاب بشرًا (جسدًا). الأب أنثيموس الأورشليمي يربط القديس أغسطينوس بين عدم خوف المرتل واتكاله على الله، قائلًا بأن المرتل لا ينسب عدم خوفه إلى نفسه، بل إلى رجائه في الله الذي يتكل عليه. وفي هذا يختلف المرتل عن الأشرار الذين لا يخافون من الآخرين، لا لاتكالهم على الله، وإنما بسبب عنفهم وقسوة قلوبهم. لا يدهش القديس أغسطينوس من المرتل الذي كان يئن، لأن الإنسان يطأ عليه بقدميه، واليوم كله يضايقه [1]، وها هو يقول: "لا أخاف، ماذا يصنع بي البشر" [4]. فقد كان عنبًا، والآن إذ وطأ عليه الإنسان بقدميه فاض منه خمر. هكذا بالاتكال على الله لا نخشى بشرًا، لأن الله يحول الضيقة في حياتنا إلى فيضٍ من الخمر الروحي أو من الفرح الداخلي. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 56 - التسبيح لله على عطاياه |
مزمور 52 - التسبيح لله |
مزمور 50 - ذبيحة التسبيح |
مزمور 34 - أسباب التسبيح |
مزمور 33 - سرّ البهجة أو التسبيح هو الرب |