* يحمل المؤمنون في ذهنهم التأكيد الذي أُعطِي لهم أن شعرة من رؤوسهم لا تهلك؛ حتى إن افترستهم وحوش، هذا لا يعوق قيامتهم (من الأموات). لم يقل الحق باطلاً: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها" (مت 10: 28). ما يستطيع أن يفعله العدو بالجسد المذبوح مهما بلغ لن يؤثر على الحياة العتيدة... فالملائكة لا تحمله إلى قبرٍ من الرخام، بل ترفعه إلى حضن إبراهيم.
الذين أتعهدهم مدافعًا عن مدينة الله يضحكون على هذا كله. لكن حتى فلاسفتهم استخفُّوا بالاهتمام بالدفن.
حتى في كل الجيوش المحاربة كان القتلى يُترَكون في أرض المعركة ويصيرون طعامًا للوحوش المفترسة. قال واضع أنشودة الدفن عن عدم الاهتمام النبيل (بالدفن): "من ليس له قبر فالسماء مسكنه[18]". كم بالأكثر يكون أمر الذين يحتقرون جثث المسيحيين التي لا تُدفَن. هؤلاء الذين وُعِدوا أن الجسد نفسه سيقوم ويحمل شكلاً جديدًا، وأن كل أعضائه ستُجمَع ليس فقط من الأرض، بل من الأماكن الخفية الأخرى التي وُضِعَت فيها الأجساد الميتة التي أُخفِيَت فيها.
مع هذا يلزم عدم احتقار أجساد الموتى وتُترَك بدون دفن، على الأقل أجساد الأبرار والمؤمنين التي استخدموها كأعضاء وآلات برّ لكل الأعمال الصالحة. فإنه إن كان ملبس أب أو خاتمه أو أي شيء كان يلبسه، يُحسَب ثمينًا بالنسبة لأبنائه بسبب حُبِّهم له، كم بالأكثر يلزم أن نعتني بأجساد الذين نُحِبّهم، إذ هي أقرب إلينا من أي ملبس! فالجسد ليس حلية خارجية أو معين بل هو جزء من ذات طبيعة الإنسان...
مُدِح طوبيت، بشهادة الملاك، وقيل عنه إنه أرضى الله بدفنه الموتى (طو 12: 12).
ربنا نفسه أيضًا وإن كان سيقوم في اليوم الثالث مدح... العمل الصالح الذي فعلته المرأة التقية، حيث سكبت الطيب الثمين على أعضائه، وقد فعلت هذا لتكفينه (مت 26: 10-13).