|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قداسة البابا شودة الثالث الكآبة المؤقتة والمرضية الكآبة المؤقتة: هي إما كآبة روحية أو كآبة طبيعية أو كآبة خاطئة. وكلها لها وقت محدد، قد يطول أحيانًا وقد يقصر، ثم تزول وتنتهي. وهى غير الكآبة المرضية التي يتدخل فيها الطب، ويصف لها أدوية وعقاقير. وسنتكلم الآن عن الكآبة المؤقتة التي منها: كآبة روحية: وهى مثل كآبة الشخص بسبب خطاياه، مع ندمه وربما يصحبها بصوم. ويصلى طالبًا المغفرة. وتنتهي بالتوبة، وتزول حالما يتأكد من مغفرة خطاياه... ومن هذا النوع أيضًا كآبة الراعي بسبب خطايا رعيته، وكآبة أب على خطية ابنته، وطلبه إلى الرب أن يغفر لها ويُصلح لها أمورها. أما الكآبة الطبيعية: فهي مثل كآبة شخص على وفاة أحد أفراد أسرته أو على وفاة إنسان عزيز عليه. وهى قد تستمر وقتًا حسب قرب هذا المتوفى إلى قلبه. أما الكآبة الخاطئة: فلها أسباب عديدة. وهى أيضًا مؤقتة... من ضمن أسباب الكآبة الخاطئة: 1- كآبة إنسان في قلبه شهوة خاطئة لم يستطع أن يحققها. ولا شك أن ذلك كان في صالحه. ولكنه مع ذلك كان يريد تحقيق ما في قلبه من شهوة مهما كانت خاطئة... 2- هناك كآبة أخرى سببها الحسد والغيرة ومثالها كآبة أي إنسان يشعر أن غيره قد حصل على شيء بينما هو أحق منه به. حتى لو كان هو ليس مستحقًا لشيء، ولكن الغيرة تنهش قلبه وتتعبه 3- وهناك كآبة سببها الفشل: بينما الفشل لا يصلح علاجه بالكآبة، وإنما بمعرفة أسبابه، ومعالجة تلك الأسباب بطريقة ايجابية. أما مجرد الكآبة، فإنها تضيف إلى الفشل مشكلة أخرى -وهى الكآبة- تحتاج إلى حلّ. وتزداد الخطورة في مثل هذه الكآبة إن كان سببها الفشل في ارتكاب خطية! 4- وقد توجد كآبة سببها اليأس مثل ابن مسافر كان يريد أخذ بركة أبية المريض. ولكنه عاد من السفر، فوجد أباه قد مات قبل وصوله. فاكتأب في يأس... 5- وهناك كآبة سببها الضيقات كأن ينحصر بالضيقات، ويبقى فيها حزينًا بلا رجاء. والكآبة التي بلا رجاء هي كآبة خاطئة بلا شك، حتى لو كانت بسبب طبيعي كالبكاء على ميت، أو بسبب روحي كالكآبة بسبب خطية. وكذلك الكآبة بلا رجاء بسبب المشاكل والضيقات. ونصيحتي لك: لا تجمّع مشاكلك وتكوّمها أمامك، وتقف حزينًا، بلا حل، بلا رجاء، بلا اتكال على الله! فهذا كله غير نافع لك، ولا يُوجد لك حلًا. بل إن تجمعّت حولك المشاكل، فرّقها، وضَع الله بينها وبينك، حينئذ يظهر الله بمعونته، وتختفي المشاكل التي هي سبب كآبتك. وثق أن الله عنده حلول كثيرة، وعنده مفاتيح لكل باب مغلق... 6- هناك كآبة أخرى سببها الحساسية الزائدة! إذ قد يوجد شخص حساس جدًا نحو كرامته، أو حساس جدًا نحو حقوقه. يتضايق جدًا لأي سبب، أو لأقل سبب أو بلا سبب! يريد معاملة خاصة، في منتهى الرقة، في منتهى الدقة، في منتهى الحرص! فإن لم يجدها، ونادرًا طبعًا ما يجدها، فحينئذ يكتئب! علاجه أن يترك حساسيته الزائدة هذه ولكن كيف يتركها؟! هذه مشكلة... 7- وقد يأتي الاكتئاب أيضًا للذين لا يعيشون في الواقع، بل يرفضونه! ولا يقبلون غيره سوى بديل خيالي لا يتحقق!! فهم ثائرون على وضعهم. ولكنهم لا يحاولون تغييره بطريقة عملية توصلهم إلى ما يريدون! إنما يكتفون بالثورة، ويبقون حيث هم، في كآبة وفي سخط على كل شيء! وإن أتتهم لحظات سعادة، تكون ببعض أحلام اليقظة التي يعيشون فيها في خيال يتمنونه. ثم يستيقظون من خيالاتهم وأحلامهم، ليجدوا واقعهم كما هو، فيزدادوا سخطا عليه، وتزداد كآبتهم. ونصيحتي لهؤلاء أن يكونوا واقعين. فإما أن يعيشوا في قناعة تسعدهم، راضين بما عندهم، بل شاكرين أيضًا. وإما أن يعملوا على تغيير الواقع بطريقة عملية. ولا يكتفون بالكآبة... 8- قد يأتي الاكتئاب بسبب ضيق الصدر وعدم الاحتمال. فالإنسان الواسع الصدر والقلب يمكنه أن يمرر أشياء كثيرة، تذوب في قلبه الواسع ولا يضيق بها. أما الذين لا يحتملون، فإنهم يصلون إلى الكآبة.. وسعة الفكر يمكنها أن تعالج الكآبة. وبدلًا من الكآبة يفكر في حلّ. والإنسان الذكي إذا أحاطت به مشكلة أو ضيقة، بدلًا من الاكتئاب وإرهاق أعصابه بالمشكلة ومتاعبها، يشغل ذهنه بمحاولة إيجاد حلّ للخروج من المشكلة. فإن وجد الحل يبتهج، وتزول حدة المشكلة. وإن لم يجد الحل، يصبر. والذين لا يستطيع أن يصبر، لا شك أنه ضيق الصدر. وهذا تزداد كآبته، ويكون سببها قلة الحيلة... 9- وقد تحدث الكآبة بسبب حرب خارجية من عدو الخير دون ما سبب ظاهر... يغرس في النفس أسبابًا للضيق ولو يخترعها اختراعًا، أو يكبّر ويضخم في أسباب تافهة لا تدعو إلى الكآبة، أو يحاول أن يلهو بالإنسان كلما يسعد بوضع فيغريه بأوضاع أخرى كأنها أفضل مما هو فيه. فإن وصل إليها، يغريه بغيرها، أو بالرجوع إلى وضعه الأول!! ويوجده في جو من التردد وعدم الثبات يكون سببًا في الكآبة... مثال ذلك ناسك يعيش في حياة الوحدة (التفرد). فيغريه بالخدمة والاشتراك في حل مشاكل الناس وبناء الملكوت. وإن نزل ليخدم يغريه بالعودة جمال الحياة متوحدًا، في التأمل والسكون والصلاة الدائمة، ومتعة الوجود في حضرة الله. وهكذا يجعله مترددًا لا يثبت على حالِ، فيكتئب! 10- الشك أيضًا سبب من أسباب الكآبة وإذا استمر فإنه يحطم النفس، ويجعلها في حالة قلق. سواء كان شكًا في إخلاص صديق، أو في أمانة زوجة وعفتها، أو كان شكًا في الإيمان أو في حفظ الله ومعونته. أو قد يكون الشك في تدابير يدبرها البعض ضد سلامة الإنسان وهو لا يدرى! إن أفكار الشك تخرج من العقل، لكي تُوجد عذابًا للنفس. مثل حالة زوج يشك في عفة زوجته، فيغلق عليها الأبواب والنوافذ، ويتجسس عليها. ويسمح لنفسه أن يفتش خطاباتها وأدراجها، ويحقق معها في كل ما يظنه سببًا للشك. ويجعل حياتها عذابًا، وقد تكون بريئة كل البراءة... حياتها تصبح في جحيم، وحياته أيضًا تصبح في جحيم. وكله بسبب الشك.. بقى أن أحدثك عن الكآبة المرضية وأسبابها وعلاجها، وعن علاج الكآبة بصفة عامة... فإلى اللقاء في العدد المقبل، إن شاء الرب وعشنا. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|