|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
دعوة للاستماع: "اسمعوا هذه يا معشر الأمم، وانصتوا يا جميع قاطني الأرض" [1]. تُوجَّه دعوة جامعية للبشرية في كل مكان، للعظماء والعامة، للأغنياء والفقراء، لليهود والأمم، بكون الجميع عبيد الله مدعوين للاستماع لله وطاعته، كي يتمتعوا بكلمة الله وحكمته. يبدأ المزمور بكلمة "اسمعوا"، وهي ذات الكلمة التي بدأت بها الوصايا العشرة: "أسمع يا إسرائيل". هذه هي بداية الوصية الإلهية، هي أمر يحوي ضمنًا وعدًا إلهيًا، فإن الذي يُطالبنا بالاستماع هو الذي يهب آذاننا الختان لكي تكون لنا أذن روحية قادرة على الاستماع والفهم والطاعة بفرح وبهجة قلب. لهذا قيل: "من له أذنان للسمع فليسمع". يرى أنثيموس الأورشليمي الذي اعتمد على أقوال كثير من الآباء، خاصة العلامة أوريجانوس والقديس باسيليوس الكبير، أن المرتل هنا يصنف ثلاثة أنواع: [معشر الأمم، جميع قاطني الأرض، بنو البشر الأغنياء والفقراء]. 1. معشر الأمم، أي غير المؤمنين، فقد جاء السيد المسيح طبيبًا للسقماء، يشفي الأمم بدعوتهم للالتقاء مع الله. 2. قاطنو المسكونة، المستقيموا الرأي، فهم محتاجون أيضًا إلى النصيحة والحكمة الإلهية ماداموا على الأرض. 3. بنو البشر الأرضيون المولودون بمحبة الأرضيات، سواء كانوا أغنياء أو فقراء. بمعنى آخر كل البشرية تحتاج إلى النصيحة الإلهية لتتمتع بخلاصها، ولكي يعمل الكل معًا ويجاهدون بروح الوحدة والحب خلال الشعور المشترك بالحاجة إلى الخلاص والمخلص، سواء كانوا أممًا أو مؤمنين، أرضيين أو روحيين، أغنياء أو فقراء... بأية قوة يكون صوتنا حتى يسمعه كل الأمم؟ إذ يعلنه ربنا يسوع المسيح خلال الرسل، يعلنه بألسنة كثيرة قد أرسلها. وها نحن نرى هذا المزمور الذي كان يُردد في أمة واحدة فقط، في مجمع اليهود، الآن يُردد في العالم كله، في كل الكنائس، وقد تحقق ما قيل هنا: "اسمعوا هذه الكلمات يا كل الأمم". إنه يقول: "اسمعوا بآذان متأملة"، أي لا تسمعوا بحب استطلاع! ربما يُريدنا أن نفهم تعبير "قاطني (الأرض)" بمعنى أوسع، فيفهم "كل الأمم" بمعنى "كل الأشرار"، أما قاطنوا العالم" فكل الأبرار. فإنه من لا يتمسك (مجاهدًا) لا يقطن... لذلك ليت الأشرار أيضًا يسمعون: "اسمعوا هذا يا جميع الأمم". ليت الأبرار أيضًا يسمعون، الذين يسمعون بهدف، هؤلاء بالحري يحكمون العالم (روحيًا) لا أن يحكمهم العالم. مرة أخرى يقول: "يا جميع مولودي الأرض (الأرضيين، بني آدم) وبني البشر". بقوله: "مولودي الأرض: يشير إلى الخطاة، وتعبير "بنو البشر" يشير إلى المؤمنين والأبرار. ها أنت تلاحظ التمييز. من هم مولودو الأرض؟ هم بنو الأرض... الذين يشتهون الميراث الأرضي. من هم بنو البشر؟ الذين ينتمون إلى "ابن الإنسان"... الذين يلتصقون بآدم هم "بنو الأرض، والذين يلتصقون بالمسيح هو بنو البشر. القديس أغسطينوس الدعوة موجهة إلى الجميع: إلى الأمم واليهود؛ الأرضيين الذين وضعوا قلوبهم في التراب وبني البشر الذين التصق قلبهم بابن الإنسان، الأغنياء المتكلين على غناهم وسلطانهم وكرامتهم فصاروا فقراء في الإيمان، والفقراء الذين اقتنوا المخلص كنزًا لهم... إنه وقت فيه يتقبل الجميع كلمة الرب حتى يقبل غير المؤمنين الإيمان، والساقطون التوبة، والمجاهدون في بر المسيح استمرارية العمل الروحي... إنه وقت للتعليم يخضع له الكل: كهنة وشعبًا، فيسأتي وقت الدينونة الذي لا يجتمع فيه الأبرار مع الأشرار. "... الأرضيين وبني البشر، الغني والفقير جميعًا" [2]. الآن ليسمع الأغنياء والفقراء معًا، ليت الجداء والخراف يقتاتون من ذات المرعى حتى يأتي ويفصل الواحد عن يمينه والآخر عن يساره. ليسمعه الكل معًا بكونه المعلم، لئلا ينفصلا عن بعضهما البعض عندما يسمعان صوت كديان. القديس أغسطينوس "فمي ينطق بالحكمة وتلاوة (تأملات) قلبي فهمًا" [3]. يُقدم المرتل مثالًا حيًا للمعلمين، بل ولكل مسيحي، فبينما يتكلم فمه بالحكمة الإلهية التي ينالها كهبة من الله، وبجلوسه مع مريم أخت لعازر ومرثا عند قدميه يسمع له، إذ بقلبه يسبح في تأملات إلهية بفهم وإدراك ورحي. حكمته ليست خبرة إنسانية مجردة وإنما هبة الله الآب أب الأنوار (يع 1: 5) القادر أن يملأ العقل والقلب معًا بالحكمة والفهم، بل وتترجم الحكمية عمليًا في حيتهم اليومية، فلا ينطبق عليهم القول: "هذا الشعب قد اقترب إليّ بفمه وأكرمني بشفتيه وأما قلبه فأبعده عني" (إش 29: 13). يقول النبي: إن قصدي ليس المفاوضة بأمور دنيوية بل بالتكلم بالحكمة. ليس بكلام مرتجل خاص برأيي، ومُستنبط من قريحتي، وإنما هو كلام قد دبرته في قلبي بفهم حسب ما سمعت بإلهام الروح القدس وذلك لما أملت أذني الروحية ليه، فأستعرض أمثالي بالمزمار ليسهل على السامعين تذكرها... يقول الرسول الإلهي في الفصل العاشر من الرسالة إلى أهل رومية: "لأن القلب يُؤمَن به للبر، والفم يُعترف به للخلاص" (رو 10: 10), فاذا فعل الأمرين (الشهادة بالقلب واللسان) يصنع كمال الصلاح. فإن لم يكن الصلاح مُذخرًا في القلب مُسبقًا كيف ينطق الفم بما هو مُذخر؟! وإن كان الإنسان جادًا في قلبه ولا يبرزه بفمه فأي نفع بما هو مذخر وخفي؟! فمن اللازم أن يهذّ القلب بالفهم نفعًا لمن يهذّ به، وبالفم لنفع الغير، لهذا يقول النبي يلهج بالقلب ويتكلم بالفم. الأب أنثيموس أسقف أورشليم إذ يفتح المرتل فكره وقلبه ليتقبل حكمة الله، تميل أذنه الروحية إلى أمثال الرب، وتتهلل أعماقه بها فينشدها بفرح كما بمزمار. هذه صورة جميلة للتلاميذ الذين كانوا يَختلون بالسيد المسيح ليشرح لهم الأمثال ويلهب قلبهم بحب ملكوته. "أميل إلى الأمثال أذني وأفتح بالمزمار فاتحة كلامي" [4]. لماذا "إلى الأمثال"؟ أنه كما يقول الرسول: "فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز" (1 كو 13: 12) وذلك متى كنا مستوطنين في الجسد متغربين عن الرب (2 كو 5: 6). فإن رؤيتنا لم تصر بعد وجهًا لوجه حيث لا تكون حينئذ أمثال ولا ألغاز ولا مقارنات. القديس أغسطينوس أما قوله: "أميل إلى الأمثال أذني" فهو نبوة عن الرسل القديسين الذين كان ربنا يسوع المسيح يفسر لهم على إنفراد أقواله التي يقولها للآخرين بأمثال. الأب أنثيموس أسقف أورشليم |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 106 | دعوة للتسبيح لله |
مزمور 92 | دعوة للتسبيح |
أيوب | دعوة الحاضرين للاستماع |
مزمور 81 | دعوة للتسبيح |
مزمور 29 - دعوة إلى العبادة |