|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
روح الرب عليّ "روح الربّ عليَّ لأنه مسحني لِأُبَشِّرَ الفقراء وأرسلني..." (لوقا 4: 14-24). نبوءة أشعيا النبي التي سبقت مجيء السيد المسيح بأكثر من سبعمائة سنة، تحقّقت في شخص المسيح يسوع. لقد ملأ الروح القدس حياته لفداء وخلاص البشرية جمعاء، فأرسله الله الآب الى العالم نبيًا وكاهنًا وملكًا: 1- نبيًّا بامتياز، يُعلن كلمة الله، وهو نفسه الكلمة "فالكلمة صار بَشَراً فسكنَ بيننا" (يوحنا 1: 14). 2- كاهنًا بامتياز يقدّم ذبيحة العبادة، وهو الذبيحة. 3- ملكًا بامتياز، يبني ملكوت الشركة بين الله والبشر وهو نفسه هذا الملكوت. فلمّا دخل يسوع المجمع يوم سبت، قرأ النبوءة من أشعيا: "روح الربّ عليّ، مسحني وارسلني" (لوقا 4: 18). ولما انتهى من قراءة السفر قال للحاضرين: "اليوم تمّت هذه الكتابة التي تُليت على مسامعكم" (لوقا 4: 21). أثناء تأملنا إنجيل اليوم، نجدّد إلتزامنا المسيحي بمسحة الروح القدُس التي نلناها بسري المعمودية والميرون المقدسين، وقد أعطانا هذين السرين "الكيان المسيحي" على صورة يسوع المسيح، وأشركنا في رسالته المثلّثة: النبوية والكهنوتية والملوكية. هذا الكيان المسيحي والرسالة يحدّدان معنى وجودنا كمسيحيّين في العالم وفي الشَّرق الأوسط خاصةً، على صورة المسيح في ضوء نبوءة أشعيا التي تحققت في شخصه أولاً ثمّ فينا نحن المؤمنين به. المسيح نبي: "يبشّر المساكين". يعلن إنجيل الخلاص، كلمةً هادية للعقول والضمائر. و"المساكين" هم الناس السالكون في الظلمة، يحتاجون إلى نور الحقيقة في ظلمات الجهل والكذب والضلال. وإلى نور المحبة في ظلمات البغض والحقد والعنف والعداوة. وإلى نور العدالة في ظلمات الظلم والاستبداد والاستكبار. وإلى نور السلام في ظلمات الحرب والنزاع والإرهاب. المسيح كاهن: "يحرّر الأسرى والمظلومين ويعيد البصر للعميان". إنّه الكاهن الذي افتدى بموته جميع الناس، وأقامهم لحياة جديدة بقيامته. و"الأسرى" هم الذين استُعبدوا للخطيئة والشَّر، وصاروا مقيَّدين بسلاسلها. و"المظلومين" هم الذين طغت عليهم الأرواح الشريرة، والذين يستغلّهم آخرون ويحملونهم على إرتكاب الخطيئة والشرور. و"العميان" هم الذين زاغت عقولهم عن نور الحقيقة، والذين خنقوا صوت الله في ضمائرهم. إنّ نعمة الفداء تشفي جميع هؤلاء. فدمُ المسيح المُراق على الصليب يغسل بالغفران قلوبهم وعقولهم وضمائرهم من الخطيئة ونتائجها. وأخيرًا المسيح ملك: "يعلن زمنًا مرضيًّا للربّ". هو زمن الروح القدس، زمن الحقيقة والمحبة والعدالة والحرية والسلام، هذه المعروفة بقيم ملكوت المسيح. فالكيان المسيحي، الذي نلناه بالمعمودية والميرون، أشركنا بوظائف المسيح، وجعل من جماعة المسيحيِّين، كما يقول بطرس الرسول، شعبًا جديدًا وهيكلاً روحيًّا وكهنوتيًّا مقدَّسًا، من أجل أن يقدّموا بأعمالهم ذبائحَ روحية، ويعلنوا عظائم الله الذي دعاهم من الظلمة إلى النور المجيد (بطرس الأولى 2: 5). يُعلّمنا البابا القديس يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي: "العلمانيّون المؤمنون بالمسيح"، أن المسيحيين مدعوّون لممارسة مسيحية في شؤونهم العائلية والزمنية، لأن البشرى الإنجيلية تنير جميع الشؤون البشرية، لتجعلها أداة خير وسعادة وخلاص لجميع الناس. فمشاركتنا في خدمة المسيح النبوية تؤهّلنا لقبول كلمة الإنجيل بالإيمان، وللشهادة لها بالأعمال، مندّدين بالشر بجرأة. وتدعونا لتجسيد الإنجيل في حياتنا العائلية والاجتماعية. ومشاركتنا في خدمة المسيح الكهنوتية تشجّعنا لنتّحد بذبيحته في القداس، ونقدّم معها قرابين أعمالنا وصلواتنا ونشاطاتنا وحياتنا الزوجية والعائلية، وأشغالنا اليومية، وأفراحنا وأحزاننا وأتعابنا. ومشاركتنا في خدمة المسيح النبوية تدعونا لخدمة ملكوت الله، ملكوت الحقيقة والمحبة، ملكوت العدالة والحرية والسلام (الإرشاد الرسولي للبابا القديس يوحنا بولس الثاني: العلمانيون المؤمنون بالمسيح، رقم 14). هذه المشاركة بحكم المعمودية والميرون تُسمّى كهنوت المسيح العام، كما يشرحها القديس أوغسطينوس بقوله: "كما أنّنا نُدعى جميعنا مسيحيين، بسبب مسحة الميرون السّرية، كذلك نُدعى جميعنا كهنة، لأنّنا جميعاً أعضاء في جسد المسيح الكاهن الأوحد". إنَّنا مثل أشعيا نصغي إلى كلمة الله لكي يرسلنا لنعلنها نورًا وهداية في الظلمة والضياع، وتعزيةً في الكآبة والحزن، ورجاءً في اليأس والقنوط، وإيمانًا في الشك والتردّد، وتأنيبًا في الخطأة، وتهديدًا في ارتكاب المعاصي، وخلاصًا للتائبين. والكلمة هي يسوع المسيح فادي الإنسان ومخلّص العالم الذي أعلنه أشعيا قبل التجسّد بسبعمائة سنة مولوداً من مريـم البتول، فكان عمّانوئيل "الله معنا". فاستحقَّ هذا النبي من كبار أنبياء العهد القديم، أن يلقّب "أوّل الانجيليّين"، كما سمّاه القديس إيرونيموس. إننا مثل أشعيا، النبي وعلى ضوء الإرشاد الرسولي "الكنيسة في الشرق الأوسط شركة وشهادة" نرسم الطريق المؤدّي الى الله، وبالتالي الى التآخي والسلام، والى المحبّة والغفران، وإلى الحقيقة والحريّة، والعدالة والإنصاف. أجلّ، نحن كمسيحيين موسومين بمسحة المعموديّة والميرون، ومع بطاركتنا وأساقفتنا وكهنتنا بمسحة الكهنوت، والبعض الآخر بتكريس النذور الرهبانية، ملتزمون بمسحتنا مثل أشعيا الذي أعلن: "روح الربّ عليَّ مسحني وأرسلني لأبشّر المساكين، وأجبر منكسري القلوب، وأُنادي للأسرى بالإفراج، وللنازحين بالعودة، وأُعلن زمنًا مرضيًّا للرب" (أشعيا 61: 1). وأيضًا في زمن الانحرافات والكبرياء والنزاعات والفساد والالتواء، نحن مثل أشعيا "صوتُ منادٍ في البريّة أعدّوا طريق الرب واجعلوا سبله قويمة ، فالمنخفض يرتفع، والمنعرج يتقوّم، والطريق الوعر يصير سهلاً، فيتجلّى مجدُ الربّ، ويعاينه كلُّ بشر" (أشعيا 40: 3-5). ووسط الحروب وموجات العنف والقتل والدمار التي تجتاح بلدان العالم. نحن نواصل كلمة أشعيا المعزّية لشعبه المُبدّد: "عزّوا، عزّوا شعبي يقول إلهُكم ... كلُّ شيء يفنى وييبس كالعشب... وأما كلمةُ إلهِنا فتبقى للأبد" (أشعيا 40: 1). وتبقى لنا جميعًا، ولكلّ مسؤول في العائلة والكنيسة والمجتمع، كلمة أشعيا النبي، والتي طبقها الربّ يسوع في حياته: "روحُ الرّبِّ عليّ لأنه مسحني... وأرسلني لأُبشِّر". |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|