دعونا نتأمل كيف يمكن أن نكون على صورة مجيدة كهذه؟ إن الإنسان مليء بالخراب، والغرض الإلهي هنا ليس هو إعادة تحسينه، أو إصلاحه أدبياً، بل بالأحرى إقامة شيء جديد تماماً في أعماق الإنسان. إن الخاطئ غير المولود من الله لا يمكنه إطلاقاً أن يختبر عملاً في نفسه كهذا ليكون على صورة المسيح، قبل أن يولد ثانية وينال الحياة الجديدة في المسيح يسوع أولاً وقبل كل شيء.
المسيحية إذاً ليست تعديلاً للطبيعة العتيقة، لكنها توطيد لغرس جديد هو الطبيعة الجديدة. إنها ليست "الجسد" الذي يتجه للتدين والتحسن والتوجه إلى حياة الورع والتقوى، ومحاولة تغطية مفاسد النفس الدفينة بالطقوس، والممارسات، والصلوات، والأصوام والصدقات، فهي ليست تحويلاً للإنسان في الجسد من "أعمال شريرة" إلى "أعمال ميتة" بتغيير شكلي من قصور مليئة بالفساد، أو طاولة لعب، إلى أخذ نصيب من الجلوس في الأديرة المنعزلة عن العالم، أو مقعد في "الكنيسة" أو حضور الاجتماعات الروحية وسماع كلمة الله. كلا. بل المسيحية هي شخص المسيح ذاته الذي يظهر في حياتنا اليومية بقوة عمل الروح القدس.
ومَنْ وجد في المسيح نصيبه الشخصي، تراه مشغولاً بالتغذي على حياة المسيح ودراسة شخصيته واقتفاء آثار خطواته. فكمؤمنين نتصرف كما تصرف سيدنا، وغرضنا دائماً هو أن نتمثل به، وغاية أشواقنا أن يظهر فينا بصفاته الرائعة. وإن السؤال الفاحص للمؤمن في جميع الظروف هو "هل هذا تمثُل بالمسيح؟"
إن المسيحية ينبوع يفيض من القلب، من المسيح الحي، يظهر أثره في الحياة. وهذا الأمر ينطبق عملياً على كل العلاقات والروابط الإنسانية، فهو يعلمنا كيفية التصرف كأزواج وآباء، وكأولاد ... الخ، والمسيحية تعلمنا كل هذا ليس عن طريق قواعد جافة وقوالب جامدة، بل بوصفها مجسده أمامنا في شخص المسيح؛ مثالاً كاملاً لنحتذيه. ويا له من مثال. ومَنْ منا وصل إلى مستواه؟ لا أحد. لكن علينا أن نضع هذا هدفاً أساسياً لحياتنا، نقترب منه على قدر ما نستطيع في شركة وثيقة معه يوماً وراء الآخر، إلى أن "يتصور المسيح فينا".