تأنس الله
أن التجسد كان في نفس الوقت أيضا حركة لأسفل، وحركة الله تجاه الأسفل. فالتجسد – إن جاز التعبير – أحضر الله من السماء إلى الأرض، بواسطة وسائل مخلوقة «الكلمة صار جسدا وحل بيننا» (يو١: ١٤). إن تأنس الله في شخص المسيح لم يكن ظهورًا بسيطًا ولحظيًا، مثل ظهورات الأساطير القديمة، بل حضور أساسي وحقيقي «للإله الحي والحقيقي»، «وسمعت صوتا عظيما من السماء قائلًا: «هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم، وهم يكونون له شعبا، والله نفسه يكون معهم إلها لهم» (رؤ ٢١: ٣).
يختلف إله الإعلان الكتابي عن آلهة الديانات الأخرى في أنه يتحرك باستمرار تجاه مخلوقاته. فإلهنا ليس فقط (“الكائن ό Ων”)، بل أيضا الآتي باستمرار: «الكائن والذي كان والآتي» (رو ١: ٤). أما «آلهة الأمم» (مز ٩٦: ٥)، فإما هم غير متحركين أي ساكنون، أو يتجسمون لحظيا وخياليا. إله أتباع أرسطو. هذا الذي يجل البشر يحبونه، أما إله الإعلان الكتابي هو «عاشق نفوسنا» و«العريس» الذي يأتي إلينا. إلهنا هو دائما وباستمرار محدق تجاه البشر ويتحرك تجاهنا.
لا شيء يستطيع أن يوقفه أو يمنع خروجه إلينا، لا خطايا الأبوين الأولين، ولا أيضا خطايانا الشخصية. في هذه الحالات، الله يتحرك بسرعة جدا، وبحسم شديد وبحركة – ذات فاعلية – إذ كان تجسده هو الحركة الأكثر حسمًا وفاعلية، خروج الله إلى البشر: «هو وجد طريق التأدب بكماله وجعله ليعقوب عبده ولإسرائيل حبيبه وبعد ذلك تراءى على الأرض وتردد بين البشر» (باروخ ٣: ٣٧-٣٨)