|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تأَمُّل في رقاد سيِّدتنا والدة الإِله الفائقة القداسة للقدِّيس يوحنَّا الدِّمشقيّ أَوَّاهُ! كَيفَ تُقادُ "يَنْبُوعُ الحَياةِ" إِلى الحَياةِ، مُرُورًا بِالمَوت؟ يا لَلدَّهْشَة! تِلْكَ الَّتي تَجاوَزَتْ في وِلادَتِها حُدُودَ الطَّبيعة، تَنْحَني الآنَ تَحْتَ نَوامِيسِها، وَجَسَدُها البَرِيْءُ مِنَ الدَّنَسِ يَخْضَعُ لِلمَوت! إِذْ يَجِبُ في الواقعِ أَن يُنْزَعَ ما هُوَ مائتٌ لارتِداءِ عَدَمِ الفَساد، لأَنَّ سَيِّدَ الطَّبيعةِ نَفسَهُ لم يَرفُضْ خُبْرَةَ المَوت. فقد ماتَ بحسبِ الجسد، وَبِمَوتِهِ حَطَّمَ الموت، وَأَضْفى على الفَسادِ عَدَمَ الفساد، وَجَعَلَ مِنَ الموتِ يَنْبُوعَ القيامة. أَوَّاه! هذهِ النَّفسُ القِدِّيسَةُ، في حِينِ خُروجِها مِنَ المَسْكِنِ الَّذي تَقَبَّلَ الإِلهَ، كَيفَ يَتَقَبَّلُها خالقُ العالَمِ بِيَدَيهِ؟ وَأَيَّ تَكْرِيمٍ شَرْعِيٍّ يَحْمِلُ لَها! هِيَ كانت بالطَّبيعةِ خادِمَةً، لكنَّهُ في لُجَجِ مَحَبَّتِهِ للبَشَرِ الَّتي لا تُسْبَرُ، جَعَلَها أُمَّهُ الخاصَّةَ بِترتيبِ التَّدبير الإِلهيِّ، لأَنَّهُ تجسَّدَ بالحقيقةِ، وَصارَ إِنسانًا لا بِالوَهْم. وَطَغَماتُ الملائكةِ كانتْ تَراكِ بِدُونِ شَكٍّ، وَتَنْتَظِرُ انطِلاقَكِ مِنْ حَياةِ البَشَر. يا لَلانتِقالِ الَّذي لا مَثِيلَ لَهُ! يا للنِّعْمَةِ الَّتي نِلْتِها بالهِجرةِ إِلى اللّٰه! فَهذهِ النِّعمةُ، لَئِنْ وَهَبَها اللّٰهُ لِخُدَّامِهِ الَّذين لَدَيهِمْ رُوحُهُ -إِذْ كانَتْ قد وُهِبَتْ لَهُمْ كَما يُعَلِّمُنا الإِيمان- فَشَتَّانَ ما بَينَ عَبِيدِ اللّٰهِ وَأُمِّهِ! فَكَيفَ نَدْعُو مِنْ ثَمَّ هذا السِّرَّ الَّذي يَتِمُّ فِيكِ: مَوتًا؟ ولكنْ، إِذا ما كانت نفسُكِ الفائقةُ القداسةِ وَالطُّوبى قدِ انفَصَلَتْ عن جسدِكِ المُبارَكِ وَالبريءِ مِنَ العيبِ، كما تُريدُ الطَّبيعة، وَإذا ما أُسْلِمَ هذا الجسدُ إِلى القَبْرِ بِحَسَبِ النَّاموسِ المُشتَرَك، فهوَ مَعَ ذلك لن يُقِيمَ في الموت، ولَمْ يَحُلَّهُ الفَساد. فَتِلْكَ الَّتي بَقِيَتْ بَتُولِيَّتُها سَلِيمَةً في الوِلادة، حُفِظَ جَسَدُها دُونَ انحِلالٍ عندَ انطِلاقِها مِنْ هذهِ الحياة، وَوُضِعَ في مَسْكَنٍ أَفْضَلَ وَأَكْثَرَ تَأَلُّهًا في مَنْجًى مِنَ المَوت، فَيَقدِرُ على البَقاءِ إِلى الدُّهُورِ الَّتي لا نِهايَةَ لَها. شَمْسُنا السَّاطِعَةُ بالكُلِّيَّةِ وَالمُنِيرَةُ على الدَّوام، باحتِجابِها لِوقتٍ ما بجِسمِ القمر، تبدو وَكأَنَّها اختَفت مُظَلَّلَةً بالظُّلمات، وَتَحَوَّلَ لَمَعانُها إِلى ظَلام. لكنَّها، مَعَ ذلك، لَمْ تَتَجَرَّدْ مِنْ نُورِهِ الخاصِّ، بَل هِيَ تَحوي في ذاتِها يَنْبُوعَ نُورٍ لا يَنْضَبُ، أَو بالأَحرى هِيَ نَفسُها يَنْبُوعُ النُّورِ الَّذي لا يَغِيب، بِحَسَبِ تَرتيبِ اللّٰهِ الَّذي خَلَقَها. هكذا أَنتِ، يَنْبُوعٌ دائمٌ للنُّورِ الحقيقيِّ، كَنْزٌ لا يَنْفَدُ لِمَنْ هُوَ الحَياةُ بالذَّاتِ، تَفَتُّحُ البَرَكَةِ الخَصيب، أَنتِ عِلَّةُ كُلِّ الخَيراتِ وَمانِحَتُها، حتَّى وَلو غابَ جَسَدُكِ في المَوت بانفِصالٍ مُؤَقَّتٍ، تُنْبِعِينَ لَنا مَعَ ذلك، وَبِسَخاءٍ، دَفَقاتٍ دائمةً نَقِيَّةً لا تَنْضَبُ مِنَ النُّورِ غيرِ المُتَناهي وَالحَياةِ غيرِ المائتة، وَالبَهْجَةِ الحقيقيَّة، وَأَنهارِ النِّعَم، وَيَنابِيعِ الأَشفِيَةِ وَالبَرَكَةِ الدَّائمة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|