- الصدق عند الطفل
الطفل هو إنسان صغير داخل إلى مجتمع جديد، لا يعرف كيف سيتعامل معه هذا المجتمع، ومن هو موضع ثقة يطمئن إليه. وهو يطمئن إليك عن طريق محبتك وعطاياك.
وأيضًا يثق بك إن كنت صادقًا معه.
سواء الصدق في المعلومات التي تقولها له، أو الصدق في المواعيد التي تعده بها.
وحذار أن تكذب، فالولد عنده الصراحة الكافية التي يقول لك بها أنك تكذب (إن كان يعرف هذه اللفظة) أو على الأقل يقول لك (أنت بتضحك عليَّ)... أو على الأقل لا يضع ذهنه أن يثق بك فيما بعد، في كل ما تقوله له مستقبلًا...
وتكون بذلك قد أدخلت الشك إلى نفسه.
وأفقدته شيئًا من بساطته التي تميل إلى تصديق الغير. وتدخله أحيانًا في حيرة: من من الناس يصدقه؟ ومن الذي يشك فيه... ويدخل في هذا البند، إن خدعته بحيلة معينة في موضوع ما، واكتشف أنك خدعته لكي تصل إلى غرضك، وتمنعه عما يريد...
بل أخطر من هذا، قد تعلمه الكذب والتحاليل.
إن الطفل يحب الطبيعة بكل تفاصيلها.
الأشجار، الأزهار، البحر، الورد، الطير، السمك. ويفرح أن تكون على ملابسه رسوم لشيء من كل هذا. فهو يحب الرسم أيضًا، ويحب الصور. وحين نعلمه القراءة، نستغل هذه النقطة... فنقول له: ألف: أرنب، الباء: بطة... فنقرب إليه النطق، ونوضحه بالرسم.
- الألوان بالنسبة للطفل
والطفل يفرح بالألوان وبتنوعها...
تعجبه الفراشات في تعدد ألوانها، وكذلك ألوان السمك الملون.
وربما توجد ألوان معينة تجذبه. وهو في ملابسه: لا يهمه نوع القماش، أو غلو الثمن، إنما يهمه بالأكثر اللون الذي يعجبه... نلاحظ أن أبانا يعقوب، حينما أراد أن يفرح ابنه الصغير يوسف " صنع له قميصًا ملونًا" (تك37: 3)... مما دل على أنه " يحبه أكثر من جميع أخوته"!
إننى حينما أوزع شوكولاته على الأطفال، أحرص على أن أعطيهم من شتى الألوان التي تغلف الشوكولاتة، مع أنها كلها من صنف واحد. فأقول للطفل "أدى الأخضرة، وأدى الأصفرة، وأدى الأزرقة" فيفرح الطفل بهذا.
وربما يقول "أنا عايز كمان من الأحمرة...". هنا الاهتمام باللون أكثر من النوع... إنه يميز النوع فيما بعد. أو يميزه بالمذاقة، ومع ذلك تعجبه الألوان.
ولذلك فمن تسليات الطفل عملية التلوين.
حيث توضع أمامه صفحتان:
إحداهما للشكل وهو ملون والأخرى فيها نفس الشكل، ولكن مجرد خطوط بلا ألوان. وهو يأخذ من مواد التلوين ويلون كل جزء بما يناسبه في الشكل المقابل.
- حب التغيير عند الطفل
الطفل يمل من الشيء الواحد. إنه يحب التعدد، وبالتالي يحب التغيير.
اللعبة الواحدة المتكررة لا تشبعه، وإنما التغيير في نوع اللعب في شكلها وفي حركاتها. اللعبة الجامدة لا تلذ له كثيرًا ولكن تعجبه المتحركة. وبالأكثر لو كانت حركتها تمثل لونًا من اللعب...
وتلذ له اللعبة المتحركة بالأكثر، إن كانت تحدث صوتًا في نفس الوقت. أو يدوس على جزء منها فيسمع الصوت...
فإن بقيت معه مدة طويلة يسأمها ويهملها، ويبحث عن شيء آخر.
إنه يتطلع إلى عالم جديد عليه، يود فيه أن يزيد معارفه بأشياء جديدة.وهو يتعرف على كل ذلك بحواسه، ثم يضيف إليها عقله كلما ينضج.
من هنا كانت أهمية وسائل الإيضاح بالنسبة إلى أطفال مدارس الأحد.
والهيئات التي تستخدم هذه الوسائل السمعية والبصرية، تستطيع أن تجذب الطفل بالأكثر.
ولا يجوز لنا أن نهمل هذه الوسائل التوضيحية، وهذه المناظر التي تجذب الأطفال، ثم نلوم الطوائف إن استخدمتها، أو نلوم التلفزيون!!
لا بد أن نقدم البديل للطفل...
المديح والتشجيع للطفل
الطفل في الحضانة أو الابتدائي يميل إلى المديح. ويرى أنه دليل على المحبة.
فلا تقل: أنا أخشى عليه من الكبرياء والمجد الباطل! وأريد أن أعلمه التواضع، وأن يقول عن نفسه إنه خاطئ وشرير!!هذا النطق لا يناسب الطفل إطلاقًا.
بل بالمديح يطمئن الطفل على سلامة تصرفاته.
السن الناضجة هي التي يعرف فيها الإنسان الخير والحق من ذاته، يدرك ذلك عقليًا أو كتابيًا أو عن طريق التوعية أو التعليم. أما في سن الطفولة، فيعرف أن هذا الأمر خطأ، حينما يمنعونه عن إتيانه.
بالمديح تكسب الطفل. وبالمديح تشعره بحبك له. وأيضًا بالمديح تشجعه على عمل الخير.
فإن قالت الأم مثلًا "بابا بيحب العيال الحلوين اللى بيعقدوا هاديين وما يتشاقوش"، تجد الطفل يرد عليها "أنا يا ماما هادى وما بتشاقاش". وإن قالت الأم "ربنا بيحب العيال الحلوين إللي بيجبوا أخواتهم الصغيرين ويلعبوا معاهم" تجد طفلها يرد قائلًا "أنا يا ماما باحب أختي الصغيرة، وبألعب معاها".
وهكذا يحمل المديح أحيانًا لونًا من الإيحاء، يدفعه إلى عمل الخير.
سواء مدحته هو، أو مدحت العمل لكي يعمله فيستحق المديح... والطفل حساس يستطيع أن يميز الأشياء التي تجلب له المديح من التي تجلب له الإهمال أو العقاب... أما الأخطاء فيكفى أن تتجاهله فيها، فيعرف أنها لم تلاق اهتمامًا أو مديحًا. وإن وبخته عليها، لا توبخه بكلمة خاطئة يمكن أن يلتقطها ويستخدمها مع غيره.
تأكد أنك أمام جهاز حساس في السماع والمحاكاة.
فإذا كان التوبيخ شتيمة، فإنه يسمعها منك ويقولها لغيره. وتكون قد أضيفت إلى قاموسه عبارة رديئة. إن التعامل مع الطفولة يعلمنا نحن الكبار كيف نختار الألفاظ المهذبة، حتى لا نقول كلمة رديئة يتعلمها أولادنا منا. وهذه بلا شك مسئولية الأبوين، ومسئولية الأقارب، وكذلك خدام التربية الكنسية.
وثق أن الطفل حريص على كرامته.
ولا يحب أن يهان بسبب أخطائه، كما أنه لا يود أن يفقد محبة أو مديح الذين يمدحونه أو يشجعونه. يمكن أن تقول له "يا حبيبي. بلاش تعمل كده. دا مش كويس...".
واحترس جدًا من جهة ألفاظ التوبيخ والذم.
نشكر الله أن اللغة القبطية لا توجد فيها شتائم قائمة بذاتها. إنما الرذيلة هي عكس الفضيلة أو نقصها. فالألفاظ التي تدل على أخطاء تأتى بطريقة تركيبية Constructive وليس بلفظ خاص . مثال ذلك كلمة ثرثار ليس لها لفظ خاص، وإنما تأتى مركبة (كثير الكلام).
يمكن إذن أن تعلم الطفل الخير والفضيلة بأسلوب إيجابي غير سلبي.
- التخويف مع الأطفال
احترس أيضًا من أسلوب التخويف...
لا تخوفه باستمرار من الله ومن الآباء.
لا تقل له باستمرار "ربنا يزعل منك"... "ربنا مش ها يحبك لو عملت كده". أصعب من هذا الذي يقول له "لو عملت كده، ربنا ها يوديك النار"...
لا تجعل صورة الله مخيفة للطفل.
وإن الله واقف له بالمرصاد، ليراقبه ويعاقبه!! أو أن الله باستمرار ضد حريته وضد رغباته!! أو لأنه لا يتسامح معه في شيء... أو أن الطفل معرض لأن يفقد محبة الله لأي سبب... أو أن علاقته بالله تمر في سلسلة طويلة من التهديدات...
سأحكى لكم قصة واقعية تبين خطورة هذا الأمر...
أتذكر قبل رهبنتي، كان لنا جار في البيت المقابل، مرض ورقد على فراش الموت. وكان له ابن طفل. فأبعدوا هذا الطفل عند بعض أقاربه، حتى لا يرى أباه في ساعة موته. ثم مات الأب، ورجع الطفل إلى البيت بعد حوالي أسبوعين...
وسأل الطفل عن أبيه، فقالوا له: أخذه ربنا.. فظل الطفل غضبان من الله مدة طويلة!!
كيف يأخذ أباه منه، ويحرمه من الأب الذي يحبه؟!
كان عرض الأمر بهذا الأسلوب غير موفق تمامًا. كان يمكنهم أن يقولوا له مثلًا: بابا راح السما...
- اهتمام الطفل
قصة حدثت معي تركت في نفسي أثرًا كبيرًا.
وقدمت لي أسلوبًا أساسيًا في معاملتي للأطفال. وفي الواقع أعطتني درسًا عمليًا نافعًا. في أحد الأيام زارتني أسرة ومعها طفلها. وأرادت الأم أن تقدم لي مهارة الطفل في الحفظ، فظلت تحث الطفل وتقول له:
- قل لسيدنا "أبانا الذى"... قل له " أجيوس..". أما الطفل فنظر إلى في براءة وفرح، وقال لى:
- شايف الجزمة الحمرة الجديدة بتاعتي؟
كان الطفل سعيدا جدًا بحذائه الجديد الأحمر، وأفكاره كلها مركزة فيه، ويريد أن يشاركه الكل في سعادته، بأن يلفت أنظارهم إلى هذا الحذاء الجديد الذي يلبسه... بينما الأم تريد أن تنقله إلى جو آخر روحي لم يصل إليه بعد...!
ومن ذلك الحين، كنت كلما أرى طفلًا: أمتدح أولًا ملابسه الجميلة، وما عليها من أشكال ورسوم، أو أمتدح ألوانها. فإن كانت بنتًا أمتدح الحلق الذي تلبسه، أو الفيونكا التي في شعرها، أو اللعبة التي في يديها.... أو أمتدح الأطفال عمومًا بأنهم "حلوين" و"كتاكيت" ولطفاء... ولا مانع من بعض الشوكولاتة أو الملبس أو الهدايا أيًا كانت...
وبعد إشباعهم بهذا الرضى، ندخل في "أبانا الذي" وفي "آجيوس".
تأتى مراجعة المحفوظات حينئذ في موضعها... بعد أن يكون الطفل قد شبع حنانًا وحبًا، واطمئن إلى محبة من يكلمه، واطمئن من جهة رضاه عن نفسه، ورضى الآخرين عنه... أما أن نبدأ بسؤاله عن معلوماته، كأننا في موقف "المفتش" أو الممتحن، فهذا تصرف يأتي في غير وقته. وقد قال الحكيم " تفاحة من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في وقتها" (أم25: 11).
- العطاء عند الطفل
الولد في هذه السن، لا يعرف الحب الفلسفي المجرد. إنما الحب دليله العطاء.
الله يحبنا، فيعطينا كل شيء ... حتى بابا وماما، هما عطية من الله لنا. وإنما تعبر عن محبتك للطفل، بالعطاء أيضًا.
والعطاء يتنوع حسب تفضيل الطفل.
نعطيه ما يحبه، مع التنويع فيما نعطى... قد نعطيه بعض الحلوى، أو بعض اللعب، أو صورة دينية، أو أيقونة أو صليبًا... أو على الأقل نعطيه ابتسامة وحنانًا ومداعبة وتشجيعًا... كما يفرح الطفل بعطائنا له، ينبغي أيضًا أن:
نعلم الطفل أيضًا أن يعطى...
فلو كانت كلها أخذًا، لا يكون هذا صالحًا له... لذلك نحن نعلمه أولًا أن يعطى، دون أن يؤثر ذلك عليه ... وهناك أمثلة كثيرة لذلك:
* إذا حضر ضيوف مثلًا، بدلًا من أن نوزع عليهم بأنفسنًا قطعًا من الحلوى، نعطيه هو ليوزع. نقول له: خذ أعط هذا لفلان، وأعط هذا لفلانة.. وسوف يسر بذلك، إذ يشعر أنه المضيف الذي يعطى.
* نفس التدريب بصورة مصغرة على مائدة الطعام...
* كذلك يمكن أن ندربه على هذا العطاء في التعامل مع أخوته الأصغر أو الأكبر.
* أو تقول له الأم. نحجز هذا الشيء لبابا حينما يحضر، وأنت تعطيه بنفسك. وسيفرح بك ويشكرك.
* نمتدحه في كل مرة يعطى فيها لغيرة، ونشجعه بكافة ألوان التشجيع.
* كذلك يمكن أن نحكى له قصصًا من العطاء وهي قصص كثيرة، سواء من الكتاب المقدس، أو حياة القديسين، أو القصص الاجتماعية.
أتذكر قصة حدثت معي سنة 1967 م.
كانت الكلية الإكليريكية تجتاز ضائقة مالية شديدة جدًا، مما أدى إلى أن مدير الديوان البابوي أرسل مجموعة من الخطابات يعلن فيها وقف الصرف عليها وعلى كل المعاهد الدينية... وأقمنا قداسات من أجل هذا الأمر. وفي آخر أحد القداسات، تقدم بعض الأحباء، يقدمون تبرعات للصرف على الإكليريكية. ورأى أحد الأطفال كل هؤلاء يتقدمون ويعطون من عندهم شيئًا... فجاء هذا الطفل إلى، ووضع يده في جيبه، وقدم لي ملبساية... وتكرر هذا الفصل وقدم من طفل آخر، عن حب وليس عن تقليد لغيره... جاءني في محبة وقدم لي ملبسة مما في يده، مع عبارة حب رقيقة...