ما هو ملكوت السموات (ملكوت الله)؟
قال بعض الكتاب من الإخوة المسلمين أنَّ يوحنا المعمدان نادى بملكوت السموات قائلًا " تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ" (متي3/2). وقالوا أنَّ هذا إعلان واضح عن الدولة الإسلامية التي أسّسها نبي المسلمين إذْ أنَّ يوحنا والمسيح والحواريين والتلاميذ جميعهم قد بشّروا بملكوت السموات، وهذا يدل أنَّ هذا الملكوت لم يكنْ ظاهرًا في عهد يوحنا أو المسيح أو التلاميذ أو الحواريّين، وهم لم يكونوا سوى مبشّرين به. ويعنى ذلك أنَّ الملكوت لم يكنْ هو طريقة النجاة التي جاء بها المسيح، بل هو طريقة نبي المسلمين وملكوته، يعنى السلطة التي له(22)!!
ونسأل هؤلاء ونقول لهم: ما هو ملكوت السموات في المسيحية والإسلام؟ وهل يعني مملكة عالمية أم مملكه روحية؟ وهل هو ملكوت يقوم على الأرض أم هو ملكوت سماوي؟:
أولًا: ملكوت السموات في الإسلام: لا يعنى ملكوت السموات في الإسلام، سواء في القرآن أو الحديث، أي مملكة عالمية، إنما يعنى ملك الله باعتباره ملك السموات والأرض وملك الملكوت. يقول القرآن " وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ" (الأنعام75)، "أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ" (الأعراف185)، "وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ" (النور42)، " لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (الحديد2)(23).
(22) إظهار الحق: ج2، ص231-235.
(23) وجاء في كتب الحديث والعلوم الإسلامية: (ملكوت) هو الملك العظيم والسلطان القاهر، وملكوت السموات والأرض: ما فيهما من آيات وعجائب (صحيح البخاري/تفسي سورة الأنعام) قارئ "الحديد" و"إذا وقعت" و"الرحمن" يدعى في ملكوت السموات والأرض ساكن الفردوس التخريج،عن فاطمة التخريج (مفصلا): البيهقي في شعب الإيمان والديلمي في مسند الفردوس عن فاطمة" (6001 الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي) و" قالَ: سَمِعتُ أَبَا عَمّارٍ الْحُسَيْنَ بنَ حُرَيْثٍ الْخُزَاعِيّ يَقُولُ سَمِعْتُ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ يَقُولُ: عَالِمٌ عَامِلٌ مُعَلّمُ يُدْعَى كَبِيرًا في مَلَكُوتِ السّمَوَاتِ" (سنن الترمذي) حديث "لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات" أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بنحوه.(تخريج أحاديث الإحياء للحلفظ العراقي) وحديث ابن عباس "لا يدخل ملكوت السموات من ملأ بطنه" (تخريج أحاديث الإحياء للحلفظ العراقي) قال القاضي -رحمه اللَّه-: وفي علوِّ منزلة نبيِّنا – ص - وارتفاعه فوق منازل سائر الأنبياء – ص - عليهم أجمعين- وبلوغه حيث بلغ من ملكوت السَّموات دليل على علوِّ درجته وإبانة فضله.(صحيح مسلم بشرح النووي/باب الإسراء) من تعلم لله وعلم لله كتب في ملكوت السماوات عظيما. رواه الديلمي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.(كشف السماء للإمام الجعلونى/2776)، من قضى نهمته في الدنيا حيل بينه وبين شهوته في الآخرة ومن مد عينه إلى زينة المترفين كان مهينا في ملكوت السماء والأرض ومن صبر على القوت الشديد صبرا جميلا أسكنه الله من الفردوس حيث شاء. وابن صصرى في أماليه وحسنه عن البراء قال هب: تفرد به إسماعيل بن عمرو البجلي.(كنز العمال للمتقي الهندي/6277)، وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله – ص – " من قضى نهمته في الدنيا حيل بينه وبين شهوته في الآخرة، ومن مد عينيه إلى زينة المترفين كان مهينًا في ملكوت السماوات، ومن صبر على القوت الشديد صبرًا جميلًا أسكنه الله من الفردوس حيث شاء".رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور، وبقية رجاله رجال الصحيح.(مجع الزوائد/17820)، حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا أبو أسامة عن سفيان بن عيينة عن رقبة بن مصقلة قال لما حضر بنفسي عندك فإنها أعز الأنفس علي وكان مما صنع الله له أنه احتسب نفسه (معجم الطبراني الكبير3/ 71)
ثانيًا: ملكوت السموات في المسيحية: يعني ملكوت السموات أو ملكوت الله في المسيحية مملكة الله الروحية وملكها هو الرب يسوع "مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ" (رؤيا19/16)، ولا يقصد به أي مملكة عالمية علي الإطلاق كما قال هو "مملكتي ليست من هذا العالم " أي العالم المادي،
* وقال عن الذين يدخلون هذا الملكوت "طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ.. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ فَهَذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ... فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ" (متي5/10و19-20)،
* "لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (متي7/21)،
* وأيضًا "لأَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَأَمَّا لأُولَئِكَ فَلَمْ يُعْطَ" (متي13/11)،
* وقال لتلميذه بطرس الرسول "وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاوَاتِ" (متي16/19)،
* وقال للجموع "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ" (متي18/3)، " فَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مِثْلَ هَذَا الْوَلَدِ فَهُوَ الأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ" (متى 18/4)،
* ووبخ علماء اليهود قائلًا "لَكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ" (متي23/13).
* كما قال لتلاميذه "وَقَالَ لَهُمُ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ هَهُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللَّهِ قَدْ أَتَى بِقُوَّةٍ" (مرقس9/1)،
* وقال لنيقوديموس الفريسي "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ... الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ" (يوحنا3/3و5).
ويقول القديس بولس بالروح:
* " لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلًا وَشُرْبًا بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ" (رومية14/17)،
* وأيضًا " فَأَقُولُ هَذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ وَلاَ يَرِثُ الْفَسَادُ عَدَمَ الْفَسَادِ" (1كورونثوس15/50).
هذا هو ملكوت الله أو ملكوت السموات فهل يجرؤ أحد بعد ذلك ويقول أنه مملكة عالمية، سواء كانت الإسلام أو غير الإسلام؟!!
ثالثًا: ملكوت الله كما جاء في سفر دانيال والعهد الجديد: مما سبق يتضح لنا أنَّ ملكوت الله، هو ملكوت المسيح، ويتصف في نبوة دانيال النبي بالصفات التالية (24): أن ملكها هو الرب يسوع المسيح، ملك الملوك ورب الأرباب (رؤيا19/16)، والذي قال عن نفسه أنَّه " رّئِيس ملوك الأرض" (رؤيا1/5)، والذي لن يحكم بالسيف أو القوة كما قال هو، بل بالروح والحق " مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ" (يوحنا18/36). هذه المملكة لم تؤسّس بالقوة ولم يُؤسّسها بشر، بل مؤسسها هو إله السموات " مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا"، وملكها وحاكمها هو ابن الإنسان الآتي على سحاب السماء كما رآه دانيال في رؤياه والذي " كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ" (دانيال7/13-14). إذًا فالمملكة أصلها سمائي وحاكمها هو الآتي من فوق " اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ وَالَّذِي مِنَ الأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ وَمِنَ الأَرْضِ يَتَكَلَّمُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ" (يوحنا3/31).
كما أنها مملكة روحية، كما قال الرب يسوع المسيح " هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ" (لوقا17/20-21)، إنَّها " مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ"، ولن تستطيع أي قوة سواء مادية أو روحية على هزيمتها، كما قال الرب يسوع نفسه " وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا" (متي16/18). فهي لن تُهزم مثل الإمبراطوريات العالمية السابقة ولن تضمحل ولن تزول، لأنَّها مملكة روحية " ليست من هذا العالم " وملكها هو ملك الملوك ورب الأرباب والذي تجثوا له كل ركبة سواء في السماء أو علي الأرض. إنها مملكة إلهية بمعنى الكلمة أصلها من السماء وقد تأسست على الروحيات والآيات والمعجزات والنبوّات وقائدها هو المسيح من السماء بروحه القدوس.