بيد أن هذه المحاولة في تفسير فساد البشرية لا تناقض كلمة الله المقدسة في كل ناحية وحسب، بل إنها أيضاً سطحية وغير وافية حتى لا يكاد أحدٌ يدعمها كلياً ولو بصورة نظرية.
ثم إن لها ما يُناقضها في الحقائق الواقعة التي تشهدها اختباراتنا الخاصة وحيواتنا الشخصية.
فجميعنا نعلم من اختبارنا أن فعلاً رديئاً ما ليس خارجياً بالنسبة إلينا وكأنه رداءٌ مُتَّسخ يمكن خلعه وطرحه جانباً، بل إنه بالأولى مرتبطٌ بطبيعتنا الداخلية وهو يخلِّف فيها آثاراً لا تُمحى. فبعد كل عمل خاطئ، لا نعود مثلما كُنَّا قبله.
إذ إن الخطية تجعلُنا مذنبين ونجسين، وتسلبنا سلام الذهن والقلب، ويعقبها الندم وتبكيت الضمير، وهي تمكننا في الميل إلى الشر، بل في الانحراف إليه، وتُدخِلنا إلى حالة لا نقوى فيها، آخِرَ المر، على بذل المقاومة لسلطان الخطية، بل نستسلم حتى لأخفِّ التجارب.