غالباً ما نفهم النعمة كبركة من الله أو عطية عابرة يغدقها على إنسان ثم لا تلبث أن تتلاشى. لكن النعمة بمفهومها الجوهري هي حياة الله التي تغمر الإنسان وترفعه إلى مرتبة تفوق قواه الطبيعة. النعمة هي محبة الله الفياضة التي حدته إلى أن يتجسد ويفتدي الإنسان ويسكن فيه ليُعطي الإنسان سعادة يتمناها. فالله هو الذي يبدأ مغامرته بتأليه الإنسان، بعطاء حرّ منه لا يفرضه فرضاً ولا بد لنا، لكي نفهم تصرف الله هذا، من العودة إلى اختباراتنا البشرية العميقة. سنتوقف مثلاً على الحب الذي يجمع ويوجد بين شخصين. في بادئ الأمر موقف المحب هو موقف القوي والضعيف في آن معاً. أنّه قوي لأنّه يحاول جذب الآخر إليه، يستميله بأساليب متنوعة تتناسب وطبيعته وعندما تنجح المحاولة تنكشف أمام المدعو خفايا وأبعاد الحب العميقة.