|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديس مار أنطونيوس أنطونيوس والمجرِّب عُرِفَ مار أنطونيوس بصراعه الكبير مع الشَّياطين التي جرَّبته بكافـَّة أنواع المغريات، كالطـَّعام والمال والجنس والمجد الباطل والكبرياء والعودة إلى الماضي والخوف من المستقبل... كان أنطونيوس مثالاً للجهاد والتـَّقوى والفضيلة والإماتات الشَّاقـَّة، يلقي في قلوب العباد رجاءً وطيدًا بالنـَّصر، رغم كلّ أسباب الضُّعف والتـَّجارب. لهذا السَّبب أحبَّه الـنـَّاس وأبغضه عدوّ الخير- الشَّيطان، الذي أفرغ كنانة جهده يحاربه ليلاً نهارًا ليُثبط عزمه. إلاَّ أنَّ أنطونيوس فما كان لينخدع فيتراجع عن عزمه ويتخاذل. بل بالعكس لقد أطال في الصَّلاة وبالغ في التـَّقشُّفات والإماتات والأسهار والأصوام والتأمُّلات الرُّوحيَّة، متذكـِّرًا كلمة الرَّسول بولس: "إلبسوا سلاح الله لتستطيعوا مقاومة مكايد إبليس، فإنَّ محاربتكم ليست مع لحم ودم بل ضدَّ الرِّئاسات والسَّلاطين ووُلاة العالم،عالم الظـُّلمة والأرواح الشِّرِّيرة في السَّماويَّات". ( أفسس 6/ 11- 12) لمَا رأى الشَّيطان فشل مساعيه الشّرِّيرة، صوَّب إلى أنطونيوس سهام الأفكار السَّمجة والصُّور الخلاعيَّة، وأضرم نار الشَّهوة في قلبه. أمَّا القدِّيس فكان يصدُّها بترس الإيمان ويطفئها بالأصوام والصَّلوات، متذكـِّرًا كلمة الإنجيل: "إنَّ هذا الرُّوح لا يُطرَد إلاَّ بالصَّوم والصَّلاة". (مرقس9/ 28، متى 17/ 20) وفوق كلّ ذلك، كان يطردها بدافع المحبَّة لله وإشارة الصَّليب. فما كانت هذه التـَّجارب إلاَّ لتزيد نفسه نقاوة وبهاءً، طهارة وبؤسًا. ولمَّا رأى المجرِّب أنـَّه لم يظفر بأنطونيوس عن طريق الأفكار الدَّنسة والأشباح السَّمجة المخُيفة، عاد يحاربه برذيلة الكبرياء قائلاً: "لقد أغوَيتُ كثيرين من الـنـَّاس ومن الشَّباب والشَّابَّات، أمَّا أنتَ فظفرتَ بي على مثال القدِّيسين الذين غلبوني". فلمَّا سمع أنطونيوس هذا الكلام المغري، إنتبه للخديعة فشكر الله وقال للشَّيطان: "لستُ أنا الذي ظفرتُ بك، بل نعمة الله السَّاكنة فيَّ". "الرَّبّ نصيري ومصيري، فما أحراني بازدراء أعدائي". فما إن تلا أنطونيوس هذه الآية من المزامير حتى توارى الشَّبح الأسود الخبيث يتعثـّر بأذياله. فازداد أنطونيوس فرحًا وقوَّة وشجاعة، محقـِّقـًا بذلك آية الرَّسول بولس: "إنَّ الذين يحبُّون الله تؤول جميع الأشياء إلى خيرهم". ( رومية 8/ 28) بعد هذا الإنتصار، لم ينم أنطونيوس على حرير ناعم بل ضاعف جهاده وإماتاته وصلواته، يقمع جسده، لأنـَّه كان عالمًا أنَّ عدوَّه، بدوره، لا ينام. بل يعدّ العدَّة لهجوم أقوى وأعنف، متذكـِّرًا كلمة القدِّيس بطرس في رسالته الأُولى: "إنَّ إبليس خصمكم، كالأسد الزَّائر، يرود حواليكم، في طلب فريسة له. فدافِعوا راسخين في الإيمان، عالمين أنَّ إخوتكم المنتشرين في العالم يعانون الآلام نفسها". عِيلَ صبر الشَّيطان وخاف أن تصبح هذه البراري عامرة بالمؤمنين والمقتدين بالقدِّيس. فاستدعى عددًا كبيرًا من أعوانه وتراموا على القدِّيس يسومونه لطمًا شديدًا ويوسعونه عذابًا أليمًا حتى أمسى جسده مجرَّحًا مهشَّمًا وتركوه مضرجًا بدمائه بين حيٍّ وميت. قال القدِّيس يصف هذه المعركة العنيفة: "أنـَّه تألـَّم آلاماً تفوق كلّ تصوُّر البشر". لم يَخُر عزمه. بل كان يهتف من حين ٍ إلى آخر بأعلى صوته مخاطبًا إبليس وجنوده: "ها أنا أنطونيوس لم أزل هنا، لا أخشى النـِّزال معكم، إبتلوني بما استطعتم من عذاب، فلا أحد يقدر أن يفصلني عن محبَّة المسيح". وكان يرتـِّل، بغبطة المنتصر، هذه الآية من المزمور: "وإن اصطفَّ عليَّ عسكر فلا يخاف قلبي لأنـَّك معي، وإن قام عليَّ قتال ففي ذلك ثقتي" (26/ 33). وعندما شعر إبليس باستخفاف أنطونيوس به وبقوَّاته، احتدم غيظـًا وخاطب أعوانه قائلاً: "أُنظروا كيف أنَّ هذا الشَّابّ قد هزئ بكلّ حَيَلنا ونجا من شباكنا غير مُبال ٍ بنا، حتى بلغت به الجسارة والوقاحة إلى أن يستدعيَنا للنـِّزال مرَّة أُخرى. فهبُّوا بنا نحمل عليه ببأس أشدّ". فضجُّوا ضجَّة عظيمة إرتجَّت لها جوار المغارة وجدرانها ودخلوا إليه بأعداد كبيرة يتظاهرون بأشكال حيوانات مفترسة مريعة وأشباه شتـَّى من أُنس وجنس. وأنطونيوس ثابت رغم شدَّة آلامه، لا يخاف عدوًّا جبانـًا، إشارة صليب تطرده ولفظ إسم يسوع يدحره، ولا يهاب الموت في سبيل مَن مات لأجله ومَن ملأ قلبه وامتلك عليه كل كيانه. رأى يسوع أنَّ خادمه الأمين جاهد جهاد الأبطال في معركة التـَّجارب، فجاء إلى نصرته. وإذا بنور سماويّ ساطع من أعلى المغارة قد نزل واستقرَّ على القدِّيس. فخُزِيَ الشَّيطان وهرب مولولاً. فعرف القدِّيس أنَّ يسوع قد أتى إلى نصرته، فصرخ من أعماق قلبه: "ربِّي وإلهي؛ أين كنتَ؛ لماذا لم تأتِ لتساعدني وتضمِّد جراحي؟". فسمع صوتـًا يقول له: "لقد كنتُ هنا يا أنطونيوس حاضرًا أنظر إلى نهاية جهادك. قد حاربتَ ببسالة وانتصرتَ على عدوِّك. فإنـِّي أعضدك بعوني دائمًا وأُذيع اسمك في المسكونة كلـِّها". وهذا ما صار بالحقيقة، لأنَّ اسم أنطونيوس قد انتشر في الدُّنيا وعجائبه ملأت الكنيسة والعالم. لقد تعزَّى أنطونيوس لدى سماعه هذه الكلمات الحلوة من فم المسيح؛ وراح قلبه يخفق فرحًا وحبورًا. فنسيَ كلّ آلامه وأوجاعه والتأمت جراحه وازدادت قواه حميَّة وخرَّ على ركبتيه ساجدًا شاكرًا الله على نعمة الثـَّبات ونعمة الانتصار في معركة التـَّجارب الصَّعبة والمصيريَّة. فنشُط َ إلى الصَّلاة بأكثر حرارة وتقوى وبأكثر إيمان ومحبَّة وثبات؛ كأنـِّي به، كلـَّما ازدادت عليه التـَّجارب والمصاعب، أطال في الصَّلاة وازداد شجاعة ومحبَّة، ثباتـًا وقداسة. جرَّب الشِّرِّير أنطونيوس، مثلما جرَّب الشَّعب العبرانيّ ويسوع نفسه. يقول الأب سيداروس: "يظلّ شخص يسوع المثال الأعلى والنـَّموذج الأسمى لمواجهة الشِّرِّير". إنَّ يسوع المسيح القائم من الموت، غلب الشِّرِّير الذي كان يتظاهر بالغلبة، لذلك استطاع أن يقول: "ولكن ثقوا، إنـِّي قد غلبتُ العالم" (يو16/ 33). "إنَّ سيِّد هذا العالم آتٍ وليس له يد عليَّ" (يو14/ 30). "أليوم دينونة هذا العالم، اليوم يُطرَد سيِّد هذا العالم إلى الخارج. وأنا، إذا رُفِعتُ من الأرض جذبتُ إليَّ الـنـَّاس أجمعين" (يو12/ 31- 32). إنَّ يسوع المسيح قد جُرِّبَ في البرِّيَّة، التي أصبحت رمزًا إلى المعركة بين الشِّرِّير والإنسان، وأصبحت موضعًا رمزيًّا لسُكنى الشِّرِّير. لذلك ذهب أنطونيوس إلى البرِّيَّة، فكأنَّ به يذهب لمواجهته في عقر داره. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مارأنطونيوس ووالعلم |
مارأنطونيوس والقدِّيس پولا |
مارأنطونيوس على شاطئ نهر |