|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديس مار أنطونيوس أنطونيوس والقدِّيس پولا لم تكن النـِّعم والمواهب الفائقة الطـَّبيعة لتحمي أنطونيوس من تجربة المجد الباطل، فراح يحارب هذه التـَّجربة الخطيرة على النـَّفس بكلّ ما أُوتيَ من شجاعة وثبات. وفكـَّر بإلهام إلهي أن يفتـِّش متوغـِّلاً في البرِّيَّة عن ناسك يفوقه فضلاً وفضيلة يسترشده. وبعد مسيرة يومين، رأى باب كهف ٍ فيه ناسك، فقرع بابه وسأل أن يفتح له. فبعد تردُّد كثير وجدال طويل، فتح له الـنـَّاسك، فوجد أنطونيوس أمامه شيخًا جليلاً مهيبًا، يطفح وجهه بالـنـُّور الإلهيّ والحبور. هو القدِّيس پولا أفضل السَّائحين. فمَن هو هذا القدِّيس؟ وُلِد پولا في مدينة "طِيبَة" في الصَّعيد الأسفل سنة 229. وكان والداه تقيَّين غنيَّين، قد توفـِّيا وله من العمر خمس عشرة سنة. درس مبادئ الدِّين والأخلاق على والديه وتعلـَّم القراءة والكتابة في مدرسة بلدته "الطـِّيبَة". فصار عالمًا بآداب اللـُّغتين اليونانيَّة والمصريَّة، وغنيًّا بفضائل التـَّقوى المسيحيَّة والوداعة والحشمة وخوف الله التي أخذها عن والديه. ولمَّا أثار داسيوس الملك سنة 249 إضطهادًا شديدًا على المسيحيِّين، وعلِمَ پولا بهذه المناسبة أنَّ صهره زوج شقيقته يريد أن يسلـِّمَه ليستوليّ على ثروته، شقَّ عليه ذلك وكره الدُّنيا. فتركها وهرب إلى البرِّيَّة سنة 250، وله من العمر عشرون سنة. وسكن مغارة بقربها عين ماء، يشرب منها، ونخلة يستظلّ بظلـِّها ويقتات من أثمارها ويكتسي من أوراقها. وقضى ثلاثـًا وعشرين سنة يأكل من أثمار النـَّخلة، عائشًا بالصَّلاة والتأمُّل والتـَّقشُّفات الشَّاقـَّة، مستغرقـًا بالله، إلى أن صار الله يرسل له كلّ يوم بنصف رغيف بفم غراب كما كان يفعل مع إيليَّا النـَّبيّ. ولمَّا زاره القدِّيس أنطونيوس، ابتسم كلٌّ للآخر وتبادلا السَّلام. ولم يكن بينهما سابق معرفة. وبعد أن تعارفا وتحدَّثا طويلاً، مجَّدا الله سويَّة وصلـَّيا. وفي النـِّهاية، وقد حان وقت الطـَّعام، الوجبة الوحيدة في اليوم، جاء الغراب هذه المرَّة وفي فمه رغيف كامل. فسُرَّ پولا وقال لأنطونيوس:"أُنظر يا أخي وتأمَّل عناية الله. منذ سنوات عديدة وهو يرسل لي من فيض جوده نصف رغيف. أمَّا اليوم، لأجلك يا أبانا، قد ضاعف يسوع طعام عبده. فاندهش أنطونيوس جدًّا وتأكـَّد أنَّ پولا يفوقه فضيلة وقداسة. وقد اعتراه الخجل ممَّا خامره من روح الكبرياء. وبعد أن شكرَ الـنـَّاسكان العناية الإلهيَّة لاعتنائها بهما، جلسا على حافـَّة الينبوع للأكل. وشرع كلٌّ منهما يكلـِّف الآخر بكسر الرَّغيف. فكان پولا يحجم عن ذلك قائلاً: "أنت ضيفي، فعليَّ أن أُكرم وفادتك وأحفظ حقوق الضِّيافة". وأخذ أنطونيوس بدوره يقول: "أنت ابي، فقد تقدَّمتني في العمر والزُّهد". ولبثا على هذا النـِّزاع الإحتراميّ المتبادل وقـتـًا غير قليل. أخيرًا، إتـَّفقا على أن يُمسِك كلٌّ منهما بطرف الرَّغيف وكلٌّ يستولي على قسمه. ففعلا ذلك وأخذا يتناولان طعامهما القشف بكلّ لذَّة وشهيَّة وهما يتحادثان عن المواهب والنـِّعم التي نالاها من الله مدَّة حياتهما الطـَّويلة. وبعد وجبة الطـَّعام والأحاديث الرُّوحيَّة قاما للصَّلاة مجدَّدًا ومكثا حتى الصَّباح. فقال القدِّيس پولا إلى ضيفه: "قد أعلمني الرَّبّ منذ زمن بعيد أنـَّك قد نسكت نسكـًا صادقـًا واستوطنتَ البراري. ووعدني أن أراك قبل موتي. وها قد دنا أجَلي والعناية الإلهيَّة لم تأتِ بك إليَّ أيُّها الأخ الحبيب إلاَّ ولكي تدفن هذا الجسد الشَّقيّ وتردّ التـُّراب إلى التـُّراب. فاذهب حالاً إلى صومعتك وأحضِر الـثـَّوب الذي وَهبك إيَّاه القدِّيس أتناسيوس وعُدّ بسرعة وكفـِّن به جسدي". فدُهِش أنطونيوس لأنـَّه تأكـَّد أنَّ الله وحده أوحى لپولا بهبة أتناسيوس. فقام القدِّيس أنطونيوس لساعته وعانق پولا مودِّعًا بكلّ وَجْد واحترام، آخذًا بركته وعاد إلى صومعته. ولمَّا كان أنطونيوس في الطـَّريق عائدًا بالـثـَّوب، رأى نفس القدِّيس پولا صاعدًة إلى السَّماء تحيط بها الملائكة والرُّسل. فرغمًا عن هذا المشهد المفرح، لم يتمالك أنطونيوس نفسه وذرف الدُّموع متذكـِّرًا الخسارة الرُّوحيَّة التي لحقت به بوفاة معلـِّمه، لأنـَّه كان يأمل ربحًا روحيًّا جزيلاً من معاشرته. ولمَّا وصل أنطونيوس إلى المغارة والحزن يملأ قلبه، رأى القدِّيس پولا ميتـًا مبسوط اليدين ووجهه يطفح حبورًا ويتلألأ نورًا. فجثا بقربه يصلـِّي. ثمَّ اهتمَّ بدفنه. فكفـَّنه بثوب القدِّيس أثناسيوس وأخرجه من المغارة. ولمَّا لم يكن من وسائل لحفر القبر، فإذا بأسدَين قد أرسلهما الله. وبعد أن اقتربا من جسد القدِّيس پولا وأظهرا احترامهما له، حفرَا الأرض بأظافرهما حفرة كافية. فدفن أنطونيوس جسد پولا مصلـِّيًا باكيًا. ثمَّ عاد إلى صومعته. وكانت وفاة القدِّيس پولا سنة 342 بعمر يناهز 113 سنة؛ وكان قد قضى منها في البرِّيَّة نحو 93 سنة في عبادة الله وتمجيده وممارسة التـَّقشُّفات والإماتات الضَّيقة بكلّ أنواعها. وقد احتفظ القدِّيس أنطونيوس باعتناء بثوب القدِّيس پولا المنسوج من ورق النـَّخل مدَّة حياته كلـِّها. ولم يلبسه إلاَّ في الأعياد الاحتفاليَّة كعيد الفصح والعنصرة، ذكرًا للقدِّيس العظيم پولا. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
بحث القدِّيسة مريم والقدِّيس يوسف عن الصبي يسوع |
مارأنطونيوس ووالعلم |
مارأنطونيوس والمجرِّب |
مارأنطونيوس على شاطئ نهر |