|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يعقوب ونتائج الآلام «طُوبَى لِمَنْ إِلَهُ يَعْقُوبَ مُعِينُهُ، وَرَجَاؤُهُ عَلَى الرَّبِّ إِلَهِهِ» (مز146: 5) «اللهُ الَّذِي رَعَانِي مُنْذُ وُجُودِي إِلَى هَذَا الْيَوْمِ» (تك48: 15) ... بهذه العبارة، لخَّص يعقوب حياته التي قضاها في صراعات وتجارب مريرة. وإذ أثقلت الهموم كاهله، قال مرةً: «صَارَ كُلُّ هَذَا عَلَيَّ!» (تك42: 36). فلم تكن حياته هادئة. وأعتقد أنه لو كشف الله ليعقوب ما كان سيحدث له في المستقبل، عندما خرج من بيت أبيه، لتمنى لنفسه الموت. لكن بعد أن انقضت رحلة الحياة، نظر إلى الخلف، ووجد أحجار المعونة الإلهية متراصة بطول الطريق. فرغم رداءَة حالته وعدم أمانته، لكن الرب لم يتركه. لقد تمَّم الرب له كل ما وعده به: «هَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ ... لأَنِّي لاَ أَتْرُكُكَ حَتَّى أَفْعَلَ مَا كَلَّمْتُكَ بِهِ» (تك28: 15)، وذلك عندما «وَجَدَهُ فِي أَرْضِ قَفْرٍ، وَفِي خَلاءٍ مُسْتَوْحِشٍ خَرِبٍ. أَحَاطَ بِهِ وَلاحَظَهُ وَصَانَهُ كَحَدَقَةِ عَيْنِهِ» (تث32: 10). كان يعقوب في شبابه صاحب حيلة وخطط، وكانت له قوة جسدية. ولكنه لم يَجنِ شيئًا نتيجة ذلك، بل جلبت له مشاكل وصراعات ومخاوف؛ وأخيرًا تعلَّم الدرس: أنه في ذاته لا شيء، وأن الله هو كل شيء، لذلك - في نهاية حياته - قال عن الرب: «الْمَلاَكُ الَّذِي خَلَّصَنِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ» (تك 48: 16). لقد أدخله الله في مدرسته، وتلقّى دروسه في التأديب والتدريب، فكان التأديب حصادًا لما زرع، وأيضًا لأجل تنقيته ولأجل المنفعة، لكي يشترك في قداسة الرب (عب12: 10). وكان التدريب للارتقاء به روحيًا، فعمل الله في الاتجاهين معًا. لقد وضعه الله على الدولاب - كما يفعل الفخاري - ليجعله إناءً للكرامة (إر18: 3). هذا وقد أفرغه الله من إناء لإناء ليُزيل من حياته كل شائبة (إر48: 11). والنتيجة نجد أن نهاية حياته أفضل من نهاية حياة جميع الآباء، فهو الوحيد الذي قيل عنه إنه سجد عند موته (عب11: 21)، فكان قد وصل إلى قمة حالته الروحية. لقد تجاوب يعقوب - في شيخوخته - مع معاملات الله الحكيمة؛ أصبح شخصًا آخر يختلف تمامًا عنه في شبابه. إذ أصبح له بصيرة روحية، وتمييز روحي يفوق سائر الآباء. ونُلمِح الآن إلى بعض نتائج معاملات الله معه: o عرف أن قوته ليست هي مصدر نصرته، إذ أفرغه الله من قوته عندما خلع حُق فخذه، فعرف الاعتماد على الله. o في تكوين 47، نجد أنه بارك فرعون، وهذا يدل أنه كان الأعظم والأكبر مقامًا «وَبِدُونِ كُلِّ مُشَاجَرَةٍ: الأَصْغَرُ يُبَارِكُ مِنَ الأَكْبَرِ» (عب7: 7). ولم يطلب من فرعون شيئًا لنفسه من مصر. إننا نراه هنا أعظم من الأعظم في العالم؛ أعظم مِن فرعون مصر. ونرى في هذا أيضًا أنه أعظم من إبراهيم عندما نزل إلى مصر؛ لقد خرج إبراهيم مِن مصر مُوبَّخًا ومطرودًا من فرعون (تك12: 10-20). o في تكوين 48 نجد أنه بارك ابني يوسف، إذ وضع يديه عليهما بفطنة. وقد ظن يوسف أن أباه قد أخطأ في وضع يديه على ابنيه، فهنا نرى أنه أحكم من الأحكم في العالم؛ أحكم من يوسف الذي قال له فرعون: «لَيْسَ بَصِيرٌ وَحَكِيمٌ مِثْلَكَ» (تك41: 39). ونرى في هذا أيضا أنه أعظم من إسحاق الذي خُدع عندما بارك يعقوب، وأيضًا ارتعب عندما اكتشف الحقيقة (تك27). o في تكوين 49 نجد أنه بارك أولاده «كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ بَرَكَتِهِ بَارَكَهُمْ» (ع28)، ولم يخطئ إذ ميَّز فكر الله من جهتهم. o لكن أعظم من هذا كله، أنه عرف الله معرفة اختبارية، أَليس هذا ما حدث مع أيوب نتيجة تجاربه المتلاحقة؟ إذ قال: «بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي» (تك42: 5)، فنجد يعقوب في تكوين 48 قد عرف الله باعتباره: 1. الله القدير «اللهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ظَهَرَ لِي» (ع3). 2. إله البركة «اللهُ ... بَارَكَنِي» (ع3). 3. إله الإثمار «وَقَالَ لِي: هَا أَنَا أَجْعَلُكَ مُثْمِرًا وَأُكَثِّرُكَ، وَأَجْعَلُكَ جُمْهُورًا مِنَ الأُمَمِ» (ع4). 4. إله المستحيلات «لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنِّي أَرَى وَجْهَكَ، وَهُوَذَا اللهُ قَدْ أَرَانِي نَسْلَكَ أَيْضًا» (ع11). 5. إله الرعاية «اللهُ الَّذِي رَعَانِي مُنْذُ وُجُودِي إِلَى هَذَا الْيَوْمِ» (ع15). 6. إله الخلاص «الْمَلاَكُ الَّذِي خَلَّصَنِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ» (ع16). 7. إله المواعيد «هَا أَنَا أَمُوتُ، وَلَكِنَّ اللهَ سَيَكُونُ مَعَكُمْ وَيَرُدُّكُمْ إِلَى أَرْضِ آبَائِكُمْ» (ع21). ليتنا ندرك معاملات الله معنا، ومقاصده من نحونا، «لأَنَّهُ هُوَ يَجْرَحُ وَيَعْصِبُ. يَسْحَقُ وَيَدَاهُ تَشْفِيَانِ» (أي5: 18)؛ فتكون لنا البصيرة الروحية الثاقبة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|