لوقا والغِنى.
غالبًا ما تندّد البيبليا (العهدُ القديم والعهد الجديد) بالغنى بسبب التجاوزات التي يجرّها وراءه: ظلم الفقراء، الغشّ، التكبّر، الكفر بالله، الفِسق والدعارة. ولكن لوقا يهاجم الغنى ويحكُم عليه، لا بسبب التجاوزات التي ترافقه وحَسْب، بل في حدّ ذاتِه.
يتفرّد لوقا فيسمّي المالَ "الظالم " (الفاسد والمنحرف، مامون الظلم، 9:16)، كأن المال هو دومًا نتاجُ الظلم. فيورد حُكم يسوع على الفرّيسيّين "أصدقاءِ الفضّة": "الرفيع عند الناس رجِسٌ عند الله " (14:16- 15). وفي مثَل الغنيّ ولعازر الفقير (خاصّ بلوقا، 19:16- 31) يصوّر التعارض بين وضعيهما: يلبَس الغنيّ الأرجوان والبَزّ ويتنعّم كلّ يوم بأفخر المآكل. أمّا الفقير فهو جائع ومضروب بالقروح. لا يقول النصّ إن الغنيّ سلبَ الفقير، إنه يتنعّم بخيرات اقتناها ظُلمًا. لا خطيئةَ له إلا تعلُّقه بغناه. ولكن من هذا الغنى تنبع لامبالاتُه المُرعبة تجاه بؤس الفقير الذي هو قريب منه. وبعد الموت انقلب التعارض. صار الغنيُّ في اللهيب وقاسى العطش. وحُمل الفقير إلى حضن إبراهيم أي إلى وليمة الملكوت (28:13- 29؛ مت 8: 11). لا يُوجَّه أيُّ لوم واضح إلى الغنيّ. فالدرس نقرأه في انقلاب الأوضاع: "نلتَ خيراتك في حياتك ولعازز أيضًا بلاياه. فهو الآن ههنا يتعزّى وأنت هناك تتعذّب ". تعارضٌ بين الغنيّ والفقير، تعارضٌ بين هذه الحياة والأُخرى. يكتفي لوقا بتصوير التعارض دون أن يعلن تقييمًا أخلاقيًّا: فالمال مذموم في حدِّ ذاته.
ويتفرّد لوقا بإيراد مثَل الغنيّ الجاهل (16:12- 21). ملاَّك كبير أغلَّت أرضه غلاّتٍ كثيرة، فأخذ يتلذّذ في فكره بخيراتٍ يكدّسها، وحياةٍ يتنعّم بها ولا يخشى الغد: "يا نفسي، إنّ لك ههنا خيراتٍ كثيرة مدَّخرة لسنين كثيرة. فاستريحي وكُلي واشربي وتنعّمي ". هو لا يستعمل ماله من أجل الشرّ، بل يخطِّط للتنعّم به. ولكنه لا يتوق إلى شيء آخر. هو يضع ثقته في ماله وكأنه خير مُطلَق وكأنه قيمة نهائيّة. ويأتي المنعطَف الحَرِج، تأتي ساعةُ الموت. فيختتم لوقا كلامه: "لا ندخّر إلاَّ من أجل الله " (آ 21)، فالملكوت وحدَه هو الخير الحقيقيّ (آ 31).
إن الغنى يولّد لا محالةَ اهتمامًا يحصُر الإِنسان في هذه الأرض، يميل به عن القريب، عن الآخرة، عن الملكوت، عن الله. الويلُ للأغنياء.