|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المحبة أولى الوصايا وأكبرها
الأحد الحادي والثلاثون للسنة: المحبة أولى الوصايا وأكبرها (مرقس 12: 28-34) النص الإنجيلي (مرقس 12: 28-34)) 28 ودَنا إِلَيه أَحدُ الكَتَبَة، وكانَ قد سَمِعَهم يُجادِلونَه، ورأَى أَنَّه أَحسَنَ الرَّدَّ علَيهم، فسأله: ((ما الوَصِيَّةُ الأُولى في الوَصايا كُلِّها؟)) 29 فأَجابَ يسوع ((الوَصِيَّةُ الأُولى هيَ: ((اِسمَعْ يا إِسرائيل: إِنَّ الرَّبَّ إِلهَنا هو الرَّبُّ الأَحَد. 30 فأَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قلبِكَ وكُلِّ نَفْسِكَ وكُلِّ ذِهِنكَ وكُلِّ قُوَّتِكَ)). 31 والثَّانِيَةُ هي: ((أَحبِبْ قريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ)). ولا وَصِيَّةَ أُخرى أَكبرُ مِن هاتَيْن)). 32 فقالَ له الكاتب: ((أَحسَنتَ يا مُعَلِّم، لقد أَصَبْتَ إِذ قُلتَ: إِنَّه الأَحَد ولَيسَ مِن دونِه آخَر، 33 وأَن يُحِبَّه الإِنسانُ يِكُلِّ قلبِهِ وكُلِّ عَقلِه وكُلِّ قُوَّتِه، وأَن يُحِبَّ قَريبَه حُبَّه لِنَفْسِه، أَفضَلُ مِن كُلِّ مُحرَقَةٍ وذبيحَة)). 34 فلمَّا رأَى يسوعُ أَنَّه أَجابَ بِفَطَنة قالَ له: ((لَستَ بَعيداً مِن مَلَكوتِ الله)). ولَم يَجرُؤْ أَحَدٌ بعدَئذٍ أَن يَسأَلَه عن شَيء. مقدمة في زمن يسوع اخذ الكتبة وعلماء الشريعة يحصون وصايا الشريعة حيث بلغ عددها نحو 613 وصية (365 بحسب أيّام السنة و248 بحسب عدد عظام الإنسان). وحاول بعضهم التفريق بين الوصايا العظمى والصغرى واختلفوا في ترتيبها من حيث الأهمية، وتساءلوا: ما الوَصِيَّةُ الأُولى في الوَصايا كُلِّها؟ فأجابهم سيدنا يسوع المسيح أن المحبة هي أولى الوصايا (مرقس 12: 28-34)، وهي خلاصة الشريعة (متَّى 22: 40)، وجوهر الإنجيل والحياة المسيحية وأساس العلاقات البشرية والروابط الإنسانية؛ ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته. أولاً: تحليل وقائع نص إنجيل مرقس (مرقس 12: 28-34) 28 دَنا إِلَيه أَحدُ الكَتَبَة، وكانَ قد سَمِعَهم يُجادِلونَه، ورأَى أَنَّه أَحسَنَ الرَّدَّ علَيهم، فسأله: ((ما الوَصِيَّةُ الأُولى في الوَصايا كُلِّها؟ تشير عبارة "أَحدُ الكَتَبَة" باليونانية γραμματεύς (معناها ناموسي)إلى أحد علماء الشريعة الذين ينسخون الشريعة ويتعلمونها ويُفسِّرونها. ويُقال لهم معلمو الشريعة (لوقا 5: 17) حيث كانوا يُدعون "رابي" أي يا معلم. وكانوا يفسِّرون أسفار العهد القديم للشعب. أخذ عليهم يسوع تشدّدَهم وقساوتهم وتمسّكهم بالألفاظ دون المعنى (متى 23: 1-36). ذكر متى الإنجيلي في هذا النص ما لم يذكره مرقس وهوان الفريسيين أرسلوا ذلك الرجل ليُجرِّبه (متى 22: 35). والظاهر انه لم يكن هذا الرجل سوى أداة لهم، وأنه لم يشاركهم في بغضهم ليسوع ولتعاليمه، وإن كان قد شاركهم في أو ل الأمر فلا ريب في إن أفكاره تغيَّرت عندما سمع جواب يسوع. أمَّا عبارة "الوَصِيَّةُ" فتشير إلى ما نطق به الله في سيناء، وكتبت على لوحي حجر (خروج 31: 18 ). وتدعى الكلمات العشر (خروج 34: 28). وتدعى أيضاً كلمات العهد (تثنية الاشتراع 29: 1)، ولوحي الشهادة (خروج 31: 18)، والشهادة (خروج 25: 16)، وتدل الوصايا أيضا على توجيهات وإرشادات للحياة الصالحة، وهي موجز لكثير من تعاليم العهد القديم. أمَّا عبارة "يُجادِلونَه" فتشير إلى الفريسييِّن والصدُّوقييِّن والهيرودسيين الذين جاءوا إلى السيد المسيح بخبثٍ ليجرِّبوه من اجل اصطياده بكلمة كمُثير فتنة ضد الحاكم الروماني، أو كمخالف للشريعة الموسوية. فالبعض ركز في أسئلته على أهمية الشرائع الطقسية خاصة تقديم الذبائح، والآخر على الجانب الإيماني، وثالث على الجانب السلوكي العملي. أما عبارة "فسأله" فتشير إلى حوار يطرحه كاتب يبدو أنّه، بخلاف المتحاورين الآخرين من من الكتبة والفرّيسيّين وشيوخ الشعب والصدّوقيين والهيرودسيين. أنه رجل ذو نيّة حسنة. وهو لا يدنو من يسوع كي يُحرجه، بل من أجل الحوار ذاته: إنه مُستمع جيّد. أمَّا عبارة"ما الوَصِيَّةُ الأُولى في الوَصايا كُلِّها؟" في الأصل اليوناني Ποία ἐστὶν ἐντολὴ πρώτη πάντων (معناها أية وصية هي أول الكل) فتشير إلى سؤال يعود إلى خلاف كبير بين الفريسيين والصدوقيين في حول تفسير أحكام الشريعة، فوصلت لديهم نحو 613 وصية، منها 365 (عدد أيام السنة) ومنها وصية 248 (عدد عظام الإنسان). وكلها فُرضت على المؤمن وبكل كيانه كل أيام السنة. والسؤال يفترض وجود تباين في الأهمية بين الوصايا. ولقد قسَّم الربيُّون وصايا الشريعة إلى "ثقيلة" و " خفيفة " وبين الوصايا الأدبية والطقسية (مرقس 1: 33). إنّ السؤال الذي يطرحه الكاتب هو سؤال جوهريّ، يتعلّق بعلاقتنا مع الربّ، ويُذكّرنا باللقاء بين يسوع والشابّ الغني، الذي يبحث عن أساسيات الشريعة، وأساسيّات الحياة (مرقس 10: 17-22). ) 29فأَجابَ يسوع ((الوَصِيَّةُ الأُولى هيَ: ((اِسمَعْ يا إِسرائيل: إِنَّ الرَّبَّ إِلهَنا هو الرَّبُّ الأَحَد تشير عبارة "أَجابَ يسوع" إلى رد يسوع إلى سؤال كاتب الشريعة مستشهداً بثنية الاشتراع الذي يُشدِّد على محبة الله (تثنية الاشتراع 6: 5)، وفي إنجيل متى يسوع نفسه هو الذي يدلُّ بالجواب (متى 22: 37)، أمَّا في إنجيل لوقا فالكاتب هو الذي يهتدي إلى الجواب بحيث يُبيِّن هنا لوقا الإنجيلي كيف أن العهد القديم مهَّد لرسالة يسوع. وقدَّم لوقا الإنجيلي جواب يسوع في إطار مثل السامري الرحيم الذي يدعو المؤمن لتوسيع حلقة التضامن إلى أبعد من الفئة والقبيلة والبلد والدين ليضم كل إنسان. أمَّا عبارة "الوَصِيَّةُ الأُولى" فتشير إلى أول واجب على الإنسان تجاه ربّه. أمَّا عبارة "اِسمَعْ يا إِسرائيل" فتشير إلىالصلاة اليومية التي يتلوها اليهود الأتقياء مرتين في اليوم في الصباح وفي المساء ويبدأون بها كل خدمة حتى اليوم كوسيلة لدخول إلى الفردوس. وهي مقتبسة من سفر تثنية الاشتراع "اِسمَعْ يا إِسْرائيل: إِنَّ الرَّبَّ إِلهَنا هو رَبٌّ واحِد (تثنية اشتراع 6: 4)، ويضعها كأساس لأيّ علاقة صادقة مع الربّ، كما لو كان يقول أنَّه لا يوجد أي إمكانية لعيش أي اختبار للربّ، وليس هناك أيّ إمكانية لحياة كاملة وأصيلة دون الاستماع. إنّ الاستماع هو الباب الذي بدونه لا يمكن للإنسان الدخول إلى البيت. إنّه أساس التلمذة والاتّباع. لأن الاستماع هو التفكير في علاقة مع الأخر والانفتاح عليه؛ هو الخروج من الموقف الفردي الشخصي، ومن العقلية الشخصيّة الضيقة، والدخول إلى منظور الآخر. وإذا استمع المرء بإيمان يكتشف أن الرب هو واحد ووحيد، وهو الخير الوحيد والأساسي لحياته، وبالتالي يمكن أن يعهد بحياته الشخصية إليه تعالى. أمَّا عبارة "إِنَّ الرَّبّ إِلهَنا هو الرَّبُّ الأَحَد" فتشير إلى ما ورد في الشريعة باللغة العبرية יְהוָה אֱלֹהֵינוּ יְהוָה אֶחָד (تثنية الاشتراع 6: 4)، وهي تأخذ بعين الاعتبار "إنَّه الأَحَد ولَيسَ مِن دونِه آخَر" (مرقس 10: 32). استمرَّ الإيمان بالإله الواحد وأخذت هذه الفكرة توضَّح بدقَّة متزايدة: إذ إستخرجها المؤمنون من الإيمان بالاختيار والعهد كما جاء في قول الله مع نوح "أُقيمُ عَهْدي معكَ" (التكوين 6: 18)، ويتضمن هذا الإيمان وجود ألاله الحي، السيد الأوحد للعالم ولشعبه (تثنية الاشتراع 5: 6)من ناحية ، ومن ناحية أخرى رفضا دائما للآلهة الكاذبة كما أوضح صاحب الحكمة "ما أَشْقى أُولئِكَ الَّذينَ جَعَلوا رَجاءَهم في أَشْياءَ مَيتَة فسَمَّوا أَعْمالَ أَيدي النَّاسِ آِلهَةً ذَهَبًا وفِضَّةً مَصنوعةً بِدِقَّةٍ وفَنّ وتَماثيلَ كائِناتً حيَة أَو حَجَرًا" (الحكمة 13: 10). وليس هناك تناقض بين "الوحدة الثلاثية" المسيحيّة وحدانية الله بما أن الأب والابن وروح القدس هو الله وكلمته (يوحنا 1: 1) وروحه (تكوين 1: 2). 30 فأَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قلبِكَ وكُلِّ نَفْسِكَ وكُلِّ ذِهِنكَ وكُلِّ قُوَّتِكَ تشير عبارة "فأَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ" إلى وصية مقتبسة من سفر تثنية الاشتراع "أَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بكُلِّ قَلبكَ كلِّ نَفسِكَ كلِّ قُوَّتكَ. ولتكُنْ هَذه الكَلِماتُ الَّتي أَنا آمُرُكَ بِها اليَومَ في قَلبِكَ. ورَدِّدْها على بَنيكَ كلِّمْهم بِها، إِذا جَلَستَ في بَيتِكَ وإِذا مَشَيتَ في الطَّريق وإِذا نِمْتَ وقُمْتَ"(تثنية الاشتراع 6: 4-7). وهي وصية ليس امرٌ اختياري. وفي هذه الوصية تتلخص كل فلسفة الحياة. وهذا الحب يتجاوب مع حب الله لشعبه (تثنية الاشتراع 4: 37) ويقوم هذا الحب على أفعال عبادة وطاعة (تثنية الاشتراع 11: 13، 19: 9)، ويتطلب اختيارا جذرياً وتضحية كاملة (تثنية الاشتراع 4: 15-31)، ويتضمن هذا الحب مخافة الله وخدمته وحفظ وصاياه " والآنَ يا إِسْرائيل، ما الَّذي يَطلبُهُ مِنكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إلاَّ أن تَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلهَكَ سائِرًا في جَميعَ طرُقِه ومُحِبًّا إيّاه، وعابدًا الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ كلِّ نَفسِكَ" (تثنية الاشتراع 10: 12)؛ ووصية الحب لا تَرد صراحة خارج تثنية الاشتراع. ولكن لها مُعادلُ في سفر الملوك (2 ملوك 23: 25) والأسفار النبوية لا سيما هوشع (6: 6) وارميا والمزامير. وعندما يستشهد يسوع بتثنية الاشتراع (5: 6)، يجعل من حب الله أولى الوصايا (مرقس 12: 30). وفي إنجيل متى جعل من حب الله أكبر الوصايا (متى 22: 37)؛ وهو حب لا يتعارض مع المخافة البنويَّة، بل يُحرّر من خوف العبيد كما يؤكد ذلك يوحنا الرسول "لا خَوفَ في المَحبَّة بلِ المَحبَّةُ الكامِلةُ تَنْفي عَنها الخَوف لأَنَّ الخَوفَ يَعْني العِقاب ومَن يَخَفْ لم يَكُنْ كامِلاً في المَحَبَّة" (1 يوحنا 4: 18) موضحا لماذا علينا أن نحب الله لأَنَّ اللّهَ مَحبَّة" (1يوحنا 4: 7-8). إن العلاقة مع الله لا تتكوَّن من أي شيء آخر سوى المحبة. لذلك إنّ الأمر لا يتعلّق بالخدمة، ولا بالواجب، ولا بالتضحية، ولا بأي شيء آخر، إن لم يكن المحبّة. أمَّا عبارة "كل" في الأصل اليوناني ὅλης مأخوذة من العبرية כָל فتشير إلى كلية الإنسان البشري. يجب أن تملآ محبة الله كل كياننا. هل نحن نحب الله بهذه الطريقة وإلى هذا الحد؟ أمَّا عبارة "قلبِكَ" فتشير إلى مصدر العواطف والانفعالات. وأمَّا عبارة "نَفْسِكَ" فتشير إلى مصدر حياة الإنسان؛ أمَّا عبارة "ذِهِنكَ" فتشير إلى قوى الإنسان العاقلة (رومة 13: 8)؛ أمَّا عبارة "قُوَّتِكَ" فتشير إلى قدرة الإنسان؛ أمَّا عبارة "بِكُلِّ قلبِكَ وكُلِّ نَفْسِكَ وكُلِّ ذِهِنكَ وكُلِّ قُوَّتِكَ" فتشير إلى مبدأ فعَّال يشمل كل النواحي الشخصية والقوى الحيوية، جسدا ونفسا وطاقات الإنسان. ويُعلق البابا بندكتس "عَيشِ الحب بهذه الطريقة يُدخل الله في العالم" (الله محبة، الفقرة 39). نحن نحب الله الآب لأنه القوة المُحرِّكة لكل فكرةٍ، لكل حركةٍ، ولكل قرارٍ. ومُجمل ديناميّة الحياة المسيحيّة مُلّخَّص بجملتين: أنت محبوب. أحبب. 31 والثَّانِيَةُ هي: ((أَحبِبْ قريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ)). ولا وَصِيَّةَ أُخرى أَكبرُ مِن هاتَيْن تشير عبارة "الثَّانِيَةُ" إلى الوصية الثانية التي يلمّح إليها يسوع مع أن الكاتب لم يسال سوى عن الوصيّة الأولى. ويجيب يسوع بأنّه ليس هناك الوصيّة الأولى دون الوصيّة الثانية. وهذا يعني أنّ الشكل الحقيقي لمحبّة الربّ وتكريمه هو محبّة الإخوة. حيث لا حب الله يصحُ بغير حب القريب، ولا حب القريب يصحُّ بغير حب الله. إنهما وصيتان متشابهتان، متلازمتان ومتكاملتان، لا تقوم الواحدة منهما بغير الأخرى حيث أنّ محبّة القريب ليست ممكنة، إن لم تتقدّمها محبّة الربّ. ويُعلق البابا بندكتس السّادس عشر: "يسوع جمع، بوصيّة واحدة، وصيّة حبّ الله وحبّ القريب، الموجودة في كتاب الأحبار: أحبب قريبك حبّك لنفسك (أحبار 19، 18) فالحبّ ليس فقط وصيّة، إنّما جواب لعطاء الحبّ الذي من خلاله يأتي الله للقائنا" (منشور البابا بندكتس “الله محبّة" الفقرة 1). أمَّا عبارة "أَحبِبْ قريبَكَ" فتشير إلى وجواب يسوع مستشهدا بما ورد في الأحبار "أَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفسِكَ: أَنا الرَّبّ" (الأحبار 19: 18). وجواب يسوع هام لأنه وحَّد بين آيتين منفصلتين: محبة الله (تثنية الاشتراع 6: 4-5) ومحبة القريب (الأحبار 19: 18). وتنبع وصية محبة القريب من محبة الله، وتدل على صدق محبتنا لله (1يوحنا 4: 20). في العهد القديم اكتملت وصية محبة الله بالوصية الثانية، ولكن لم تعطَ لهذه الوصية الأهمية التي أعطيت للوصية الأولى (الأحبار 19: 1-37). أمَّا يسوع بقوله "مثلها" في والثَّانِيَةُ مِثلُها: أَحبِبْ قريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ" (متى 22: 38) ليس دلالة على نوعية المحبة بل على التساوي في الأهمية بين هاتين الوصيتين، إذ ربط الوصية الثانية بالوصية الأولى. وجاء قول المسيح واضحا: "الحَقَّ أَقولُ لَكم: كُلَّما صَنعتُم شَيئاً مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه". (متى 25: 40). وهاتان الوصيتان تُلخِّصان بكلمات بسيطة كل الوصايا الأخرى كما جاء في تعليم بولس الرسول "لا يَكوَننَّ علَيكم لأَحَدٍ دَيْنٌ إلاَّ حُبُّ بَعضِكُم لِبَعْض، فمَن أَحَبَّ غَيرَه أَتَمَّ الشَّريعة (رومة 13: 8). ولذلك لا تقوم أصالة موجز الشريعة الإنجيلي هذه على فكرة محبة الله والقريب، -وهي معروفة في العهد القديم (احبار19: 18) وتثنية الاشتراع (6: 5) -بل على أهمية وربط بين محبة الله ومحبة القريب. يسوع جعل محبة القريب هامة مثل محبة الله. ويصف محبة القريب كامتداد لمحبة الله وعلامة عن صدق محبتنا لله (1 يوحنا 4: 20-21). ومحبة القريب هو مقياس إيماننا " إِذا قالَ أَحَد: إِنِّي أُحِبُّ الله، وهو يُبغِضُ أَخاه كانَ كاذِبًا لأَنَّ الَّذي لا يُحِبُّ أَخاه وهو يَراه لا يَستَطيعُ أَن يُحِبَّ اللهَ وهو لا يَراه." (1 يوحنا 4: 20). فالربط بين محبة الله ومحبة القريب تضع الإنسان ليس أمام مجموعة من الأوامر والنواهي الصادرة عن الشريعة، إنما أمام موقف الإنسان بكامله أمام الله نفسه. أمَّا عبارة "قريبَكَ" فتشير في نظر اليهودي في ذلك الزمان إلى من ينتمي إلى الشعب العبراني، أو على الأقلّ المرتدّ إليه (خروج 20: 16-17 و21: 14) والآخرون هم غرباء وربما أعداء، وأمَّا في نظر المسيح فالقريب هو كل إنسان حتى العدو في الدين والقومية والعِرق موضِّحا ذلك في مثل "السامري الصالح" (لوقا 10: 25 -37). إنَّ الناس جميعا أبناء أبٍ واحد، هو الله، وأنهم جميعا مُفتدون بدم المسيح، أمَّا عبارة "حُبَّكَ لِنَفْسِكَ" فتشير إلى واجب محبتنا للقريب كحبنا لنفوسنا، وهي محبة لا حدود لها وغير مشروطة تُلزم الإنسان كله. وأعتبر الرابي اكيفا بن يوسف في أواخر القرن الأول وبداية القرن الثاني وصية "أَحبِبْ قريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ" مبدأ أساسياً في التعليم اليهودي. وهنا نتذكر القاعدة الذهبية "فكُلُّ ما أَرَدْتُم أَن يَفْعَلَ النَّاسُ لكُم، اِفعَلوهُ أَنتُم لَهم" (متى7: 12). ويوكِّد بولس الرسول ذلك بقوله "لأَنَّ تمامَ الشَّريعةِ كُلِّها في هذهِ الكَلِمةِ الواحِدة: أَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ" (غلاطية 5: 14) كما جعل بولس الرسول حبَّ القريب الموهبة العظمى في المواهب كلها "أَعظَمَها المَحبَّة" (1 قورنتس 13: 13). لا توصي هذه الوصية بحب النفس أولا للوصول إلى حب القريب بعدئذٍ أو بالقدر نفسه بل تعني أنه يجب حب القريب حبا تاماً بكل القلب. فكيف يجب أن نحب أنفسنا؟ المطلوب أن تُحبْ نفسَكَ، كما خلقَكَ ذاك الذي أحبّكَ. تحِبْ نفسَكَ بالطريقة ذاتها التي أحبّها بكَ ذاك الذي سلَّمَ نفسَه من أجلِكَ. ومن هذا المنطلق فإن موقف اللامبالاة أو العداء نحو الغير يُعد إهانة موجّهة لله (تكوين3: 12، 4: 9). ولا يستطيع المرء أن يرضي الله بدون احترام سائر البشر وخاصة المنبوذين والمُهمَّشين والفقراء والمساكين، وبدون إحقاق الحق ولزوم العدل كما توصي الشريعة (خروج 20: 12-17) وكلام الأنبياء (ارميا22: 15-16). وأمَّا الشريعة الإنجيلية كلها فموجودة في وصية يسوع الجديدة (يوحنا 13: 34) وهي أن نحب بعضنا كما احبنا الله كما أوصانا يسوع "وصِيَّتي هي: أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضاً كما أَحبَبتُكم" (يوحنا 15: 12). أمَّا عبارة "ولا وَصِيَّةَ أُخرى أَكبرُ مِن هاتَيْن" إلى تلخيص يسوع الوصيتينفي وصية واحدة هي وصية المحبة، الأولى نحو الله (التثنية 6: 4-5) وثانيا نحو الإنسان (الأحبار 19: 18)، ويقوم يسوع بتقريبهما من بعضهما البعض، وعلم الناس أن غاية الناموس إنما هي المحبة لله والقريب "بِهاتَينِ الوَصِيَّتَينِ تَرتَبِطُ الشَّريعَةُ كُلُّها والأَنِبيا " (متى 22: 40)، والوصيتان متماسكتان متكاملتان لا تقوم الواحدة بدون الأخرى. وأكد ذلك بولس الرسول " فإِنَّ الوَصايا الَّتي تَقول: لا تَزْنِ، لا تَقتُلْ، لا تَسْرِقْ، لا تَشتَهِ وسِواها مِنَ الوَصايا، مُجتَمِعةٌ في هذِه الكَلِمَة: أَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ" (رومة 13: 9). وقد جاء السيد المسيح ليؤكد الحاجة إلى تغيير شامل في النفس والقلب والفكر مع تجاوب كل طاقات الإنسان وإمكانياته مع هذا التغير الداخلي. وقد جاءت إجابة المسيح متفقة مع الوصايا العشر المنقسمة للوحين: الأول يختص بمحبة الله (الوصايا الثّلاث الأُولى)، واللوح الآخر يختص في محبة القريب (الوصايا السّبع الأخيرة)، وهكذا لخص السيد الوصايا أن تحب الله وتحب قريبك. والجدير بالإشارة أن الناس في أيامنا يُشدّدون على المحبة للناس أو الإحسان إليهم ولكنهم ينسون واجب المحبة لله. الرب يربط الاثنين. فعمل الخير (محبة القريب) لا يعتبر بديلا للديانة (محبة الله) بل يجب إن يصدر عنها. 32فقالَ له الكاتب: ((أَحسَنتَ يا مُعَلِّم، لقد أَصَبْتَ إِذ قُلتَ: إِنَّه الأَحَد ولَيسَ مِن دونِه آخَر، تشير هذه الآية إلى جواب ذلك الكاتب الذي فاق سائر الكتبة والفريسيين في إدراك المعنى الروحي للشريعة. وان عبادتنا لله يجب إن تكون خالصة ومُفضَّلة على كل شيء، وان محبتنا للناس جزء من تلك العبادة، وأن المحبة لله وللقريب أسمى من كل ذبائح الشريعة الموسوية. ليس للشعائر قيمة إن لم تكن متّحدة بشكل وثيق مع محبّة القريب. ولم يذكر متى الإنجيلي جواب الكاتب الذي ذكره إنجيل مرقس هنا. 33 وأَن يُحِبَّه الإِنسانُ يِكُلِّ قلبِهِ وكُلِّ عَقلِه وكُلِّ قُوَّتِه، وأَن يُحِبَّ قَريبَه حُبَّه لِنَفْسِه، أَفضَلُ مِن كُلِّ مُحرَقَةٍ وذبيحَة)) تشير عبارة "أفضَلُ مِن كُلِّ مُحرَقَةٍ وذبيحَة" إلى قول صَموئيل: "أترى الرَّبَّ يَهْوى المُحرَقاتِ والذَّبائِحَ، كما يَهْوى الطَّاعةَ لِكَلام الرَّبّ. إِنَّ الطَّاعةَ خَيرٌ مِنَ الذَّبيحة، والانقِياَدَ أَفضَلُ من شَحمِ الكِباش" (1صموئيل 15: 22). لا يستنكر صموئيل عبادة الذبائح بوجه عام. ولكن الطاعة الباطنية هي التي تُرضي الله، لا الرتبة الخارجية. وإن أقام الإنسان هذه الرتبة خلافا لما يُرضي الله، كان إكرامه لغير الله ووقع في عبادة الأوثان كالعرافة والترافيم (التكوين 31: 19-30، 1 صموئيل 19: 13). وفي الواقع، قاوم الأنبياء التمسك بالشكليات في العبادة، مثل من يظن أنه أتمَّ ما عليه لله لأنه مارس بعض الرتب الطقسية (ذبائح وصوم)، وأهمل أبسط وصايا العدالة والاجتماعية ومحبة القريب (أشعيا 1: 10-16)؛ وشدَّد أيضا صاحب المزامير على المشاعر الباطنية التي يجب أن تستوحي منها الذبائح (الطاعة والحمد والندامة) "ذَبيحةً وتَقدِمَةً لم تَشأ لَكِنَّكَ فَتَحتَ أُذُنَيَّ ولم تَطلبْ مُحرَقةً وذَبيحَةَ خَطيئة. حينَئِذٍ قُلتُ: هاءَنَذا آتٍ فقَد كُتِبَ علَيَّ في طَيِّ الكِتاب هَوايَ أَن أعمَلَ بِمَشيئَتِكَ يا أَلله شَريعَتُكَ في صَميمِ أحْشائي" (مزمور 40: 7–9). وبكلمة أخرى، أدرك الكاتب أن المحبة من القلب والطاعة أفضل من كُلِّ مُحرَقَةٍ وذبيحَة (1صموئيل 15: 22). 34 فلمَّا رأَى يسوعُ أَنَّه أَجابَ بِفَطَنة قالَ له: ((لَستَ بَعيداً مِن مَلَكوتِ الله)). ولَم يَجرُؤْ أَحَدٌ بعدَئذٍ أَن يَسأَلَه عن شَيء. عبارة " بِفَطَنة " في الأصلاليوناني νουνεχῶς (معناها بعقل) تشير إلى الحكمة حيث كانت إجابة السيد المسيح مملوءة حكمة. فحبُّ إخوتنا يعتبر مُكملاً لحبنا لله، ولا يمكننا أن نحب الله غير المنظور ولا نحب إخوتنا المنظورين كما أكّد ذلك يوحنا الرسول " إذا قالَ أَحَد: ((إِنِّي أُحِبُّ الله)) وهو يُبغِضُ أَخاه كانَ كاذِبًا لأَنَّ الَّذي لا يُحِبُّ أَخاه وهو يَراه لا يَستَطيعُ أَن يُحِبَّ اللهَ وهو لا يَراه " (1 يوحنا 4: 20)؛ أمَّا عبارة "لَستَ بَعيداً مِن مَلَكوتِ الله" فتشير إلى معرفة الكاتب ملامح طريق الملكوت، وأنه مستعد لدخول الملكوت لكن لم يكن قد دخله بعد ولا تمتع به. فمعرفة الحق واستحسانه يجعلان الإنسان قريبا من الملكوت السماوي. فالمسيح لم يكتفِ بتثبيت إجابته وإعلان صوابها، بل دعاه إلى الدخول في ملكوت السماوات الّذي ليس بعيدًا عنه. إن هذا النص الوحيد في الأناجيل الذي يثني فيه يسوع على أحد "الكتبة" لكي يرفع من قدره ويُشجِّعه إلى اتخاذ الخطوة الأخرى، وهي الإيمان بيسوع نفسه، غاية الشريعة. ويرى فيه إنجيل مرقس كاتبا حسن النية ومخلصا وذكيا وباحثًا عن الحقيقة بصدق ومُستمع جيّد ومندفع جاء من اجل الحوار مع يسوع خلافا لما ورد في أنجيل متى حيث الكتبة جاؤوا إلى يسوع ليُحرجوه (متى 22: 35). ولم ينضم أحدٌ من الكتبة إلى يسوع؛ كذلك في إنجيل لوقا جاء الكتبة إلى يسوع لإحراجه فسأله أحدهم " يا مُعَلِّم، ماذا أَعملُ لِأَرِثَ الحيَاةَ الأَبَدِيَّة؟" (لوقا 10: 25) لكن بعضهم كانوا يوافقون يسوع. أمَّا عبارة "ولَم يَجرُؤْ أَحَدٌ بعدَئذٍ أَن يَسأَلَه عن شَيء" فتشير إلى عدم جُراءة أحد من الفريسيين والصدوقيين لطرح سؤال ليسوع خوفا من الوقوع في الفخ لسمو حكمة يسوع في دفع اعتراضات المعترضين كما يوكّد ذلك متى الإنجيلي فلَم يَستَطِعْ أَحدٌ أَن يُجيبَهُ بِكَلِمَة، ولا جَرُؤَ أَحدٌ مُنذُ ذلكَ اليَومِ أَن يَسأَلَه عن شَيء" (متى 22: 46). هل هاتان الوصيّتان اللتين هما خلاصة كلّ شرائع الربّ تُهيمنان على كلّ أفكارنا وقراراتنا وتصرّفاتنا؟ ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (مرقس 10: 46-52) بعد دراسة وقائع النص الإنجيلي (مرقس 10: 46-52) نستنتج انه يتمحور حول وصية المحبة لله ولنفوسنا وللقريب. 1) وصية المحبة لله تعالى: "أَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قلبِكَ وكُلِّ نَفْسِكَ وكُلِّ ذِهِنكَ وكُلِّ قُوَّتِكَ"( مرقس 12: 30) كشف الله عن نفسه لبني إسرائيل على انه الوحيد:" اِسمَعْ يا إِسْرائيل: إِنَّ الرَّبَّ إِلهَنا هو رَبٌّ واحِد فأَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بكُلِّ قَلبكَ كلِّ نَفسِكَ كلِّ قُوَّتكَ" (تثنية الاشتراع 6 :4-5). وعن طريق الأنبياء دعا الله جميع الأمم إلى التوجه نحوه، هو الوحيد. " تَوجَّهوا إِلَيَّ فتَخلُصوا يا جَميعَ أَقاصي الأَرض فإِنِّي أَنا اللهُ ولَيسَ مِن إِلهٍ آخر" (أشعيا 45: 22-24). الله احبنا أولا بكشف ذاته كما علمنا يسوع "فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة" (يوحنا 3: 16). فيتوجب علينا إن نحب الله "فأَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قلبِكَ وكُلِّ نَفْسِكَ وكُلِّ ذِهِنكَ وكُلِّ قُوَّتِكَ (مرقس 12: 30). ولان الله يُحبُّنا فهو يعتني بنا "أُنظُرُوا إلى طُيورِ السَّماءِ كَيفَ لا تَزرَعُ ولا تَحصُدُ ولا تَخزُنُ في الأَهراء، وأَبوكُمُ السَّماويُّ يَرزُقُها. أَفَلَسْتُم أَنتُم أَثْمَنَ مِنها كثيراً؟"(متى 6: 26) ويريد الله أن يعرف كل واحد مقدار منا محبة الله له كما جاء في صلاة يسوع "أَنا فيهِم وأَنتَ فِيَّ لِيَبلُغوا كَمالَ الوَحدَة ويَعرِفَ العالَمُ أَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني وأَنَّكَ أَحبَبتَهم كَما أَحبَبتَني" (يوحنا 17: 23). تشرح الوصايا "الكلمات العشر" جواب المحبة المطلوب من الإنسان تأديته له تعالى. ومن هنا جاء التفسير التطبيقي في التعليم المسيحي الكاثوليكي" إن نحب الله لأجل الله ونحبه فوق كل شيء وبسببه نحب من يحبه الله"(بند 201). ومن هذا المنطلق، ينبغي إن تملأ محبة الله كل كياننا بكل طاقاتنا؛ ولا يجوز أن نحبَّ الله جزئيا بمعنى أن نعطيه فقط جزءاً من حياتنا ووقتنا، وهذا ما تعنيه الوصية "فأَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قلبِكَ وكُلِّ نَفْسِكَ وكُلِّ ذِهِنكَ وكُلِّ قُوَّتِكَ" (مرقس 12: 30). وإن كان الحب هو جوهر الوصية، فإن هذا الحب ليس تصرفًا خارجيًا نبرزه فحسب، إنما يمثل حياة تمس كل إمكانياتنا: تمس عواطفنا وأحاسيسنا الداخلية "نحب بِكُلِّ قلبِنا"، وتمس كياننا "نحب بكل نفسنا"، وتمس فكرنا " نحب بكُلِّ ذِهِننا" وتمس تصرفاتنا الظاهرة "نحب بكل قدرتنا". يسوع يريد منا أن يكون الله حبنا الأول "ما مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن، لأَنَّه إِمَّا أَن يُبغِضَ أَحَدَهُما ويُحِبَّ الآخَر، وإِمَّا أَن يَلزَمَ أَحَدَهُما ويَزدَرِيَ الآخَر. لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِلّهِ ولِلمال " (متى 6: 24). طبعا نحن نحب الله". ولكن من أي نوع هي محبتنا لله؟ هل نحب الله لأجل هباته، لأجل صفاته، لأجل ذاته؟ أن أسمى أنواع المحبة للرب هو إن نحبه لا لأجل هباته ولا لأجل صفاته بل لأجل ذاته. يجب أن نحب الله لأنه هو الله. نحبه لأنه هو أحبنا أولا. نحبه كما هو أحبنا. فهو لم يحبنا لأجل أي شيء فينا – إذ أننا خطأة وأعداء – بل أحبنا لأجل ذواتنا. ونحن نحب الله لأجل ذاته عندما نطيعه "مَن تَلَقَّى وَصايايَ وحَفِظَها فذاكَ الَّذي يُحِبُّني والَّذي يُحِبُّني يُحِبُّه أَبي وأَنا أَيضاً أُحِبُّه فأُظهِرُ لَهُ نَفْسي" (يوحنا 14: 21). يسوع يريد منا أن نحب الله بالاستماع له تعالى "اِسمَعْ يا إِسرائيل: إِنَّ الرَّبَّ إِلهَنا هو الرَّبُّ الأَحَد" (مرقس 12: 29).فالاستماع هوأساس لأيّ علاقة صادقة مع الربّ. ولا يمكن للإنسان الدخول في علاقة مع الله والتعرف على وصاياه بدون الاستماع له تعالى من خلال كلماته. فالاستماع هو التفكير بكلمة الله والانفتاح عليها. إنّه أساس محبة الله وحفظ وصاياه. فالإنسان يفكر ويعيش بما يرى ويسمع. وفي هذا الصدد يقول بولس الرسول "فالإِيمانُ إِذًا مِنَ السَّماع، والسَّماعُ يَكونُ سَماعَ كَلاَمٍ على المسيح" (رومة 10: 17). فالاستماع هو موقف إيمان تجاه الله الواحد الذي هو محبة كما عرّفه يوحنا الرسول "اللّهَ مَحبَّة"(1يوحنا 4: 7). المهم أن نخدمه ونطيعه ونحفظ وصاياه بمحبة. وأخيرا يريد يسوع منا أن نحب الله في أوقات اليُسر والعسر كما صرّح ذلك إلى بطرس "فقالَ له يسوع: ((الحَقَّ أَقولُ لَك: في هذِه اللَّيلة، قَبلَ أَن يَصيحَ الدِّيك، تُنكِرُني ثَلاثَ مَرَّات" (متى 26: 34)، كما يريدنا أن تكون محبتنا صادقة كما كانت محبة بطرس " قالَ يسوعُ لِسمْعانَ بُطرُس: ((يا سِمْعانُ بنَ يونا، أَتُحِبُّني أَكثَرَ مِمَّا يُحِبُّني هؤلاء؟)) قالَ لَه: ((نَعم يا رَبّ، أَنتَ تَعلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ حُباًّ شَديد"(يوحنا 21: 15-17). وعلى قدر فهمنا حبّ الله لنا نقدر على حبنا لله ولقريبنا والا قد نتشدّق بعبادتنا للإله الواحد ومحبته وفي نفس الوقت يُمكن أن نحتقر الآخرين ونهمّشهم ونضَّهدهم. ورب قائل يعترض قائلا: "إنَّ وصية "أحبِبْ الربّ إلهك من كلّ قلبك وكلّ روحك وكلّ نفسك" هي مستحيلة! فتجيب الأم تريزا دي كالكوتا "تلك كانت وصيّة الله العظيم، وهو لا يمكن أن يوصي بالمستحيل. ويستطيع الجميع بلوغ هذه المحبّة من خلال التأمّل وروح الصلاة والتضحية وعمق الحياة الداخليّة". 2) وصية المحبة للقريب: 31 والثَّانِيَةُ هي: "أَحبِبْ قريبَكَ" (مرقس 12: 13 أ) حب الله وحب القريب وصيتان متكاملتان ولا انفصال بين علاقتنا بالله وعلاقتنا بالآخرين. إنّ محبّة القريب ليست ممكنة، إن لم تتقدّمها محبّة الربّ بكلّ كياننا. لكن الجديد الذي أضفاه السيد المسيح، يتمثل في أنه جعلَ من التطبيق العملي لمحبة القريب خلاصة تعليمه والمبدأ والروح لكل الوصايا، حيث أنه قبل أن تكون محبة القريب عقيدة بالنسبة ليسوع، هي قوة جديدة، هي الحياة الإلهية نفسها النازلة إلى الأرض معه لتحول العالم، ومن هذا المنطلق نستطيعُ أن نحب القريب كما احبه يسوع ونبذل نفسنا في سبيله كما بذل نفسه في سبيله. والوصية هي حياة داخلية يعيشها الإنسان في أعماقه وتُعلن خلال إيمانه وشوقه نحو الله ومعاملاته مع القريب. ويعلق القديس ايرونيموس "لقد أشار يسوع إلى أول الوصايا العظمى التي يجب على كل واحد منا أن يعطيها المكان الأول في قلبه، كأساس للتقوى، وهي معرفة وحدة اللاهوت والاعتراف بها مع ممارسة العمل الصالح الذي يكمل بحب الله والقريب". القريب في ضوء الكتاب المقدس هو مخلوق على صورة الله ومفتدى بدم المسيح وابن الله ومدعو للتبني الإلهي (1 يوحنا 4: 20). فتظهر محبة القريب متجسدة في محبة المسيح على الصليب، فهي محبة مجانية شاملة لكل طبقة أو جنس أو لون أو عرق أو مذهب بدون تمييز اجتماعي أو عنصري كما صرّح بولس الرسول "لَيسَ هُناكَ يَهودِيٌّ ولا يونانِيّ، ولَيسَ هُناكَ عَبْدٌ أَو حُرّ، ولَيسَ هُناكَ ذَكَرٌ وأُنْثى" (غلاطية3: 28). وهذه المحبة لا تزدري أحد "إِذا أَقَمتَ مَأَدُبَة فادعُ الفُقَراءَ والكُسْحانَ والعُرْجانَ والعُمْيان" (لوقا 14: 13) بل أكثر من ذلك فهي تطالب بمحبة الأعداء "أَحِبُّوا أَعداءَكم وصَلُّوا مِن أَجلِ مُضطَهِديكُم" (متى5: 43-47). والله ينهانا عن بغضهم والانتقام منهم والحكم عليهم. فنحن لا نحب الشر فيهم بل الإنسان. ومن هذا المنطلق، علينا أن نحب بعضنا بعضا كما أوصانا يسوع "أعْطيكم وَصِيَّةً جَديدَة: أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضاً. كما أَحبَبتُكم أَحِبُّوا أَنتُم أَيضاً بَعَضُكم بَعْضاً (يوحنا 13: 34-35). وشرح الكاتب يشيرك. س. لويز في محبة القريب بقوله: "أن المسيحية هي تعاليم الكتاب المقدس لمحبة الجيران والرغبة في نفعهم ونبذ التفكير بان الإنسان أفضل من جاره". وسألت تريزا الطفل يسوع "أيّ جديد أتى به يسوع، لانَّ وصيّة المحبّة موجودة منذ البدء وفي العهد القديم أيضًا كان المؤمنون الصادقون يعلمون أنّ عبادة الله ليست بالممارسات بل بالإيمان والرحمة. وتجيب بذكائها المعتاد: وصيّة يسوع هي أن نحبّ القريب "كما هو أحبّنا"، وهذا ما لا يعرفه العهد القديم". والمحبة المتبادلة بين الله الآب ويسوع هي المثال الكامل لما يجب أن تكون عليه محبتنا للآخرين "فَلْيكونوا بِأَجمَعِهم واحِداً: كَما أَنَّكَ فِيَّ، يا أَبَتِ، وأَنا فيك فَلْيكونوا هُم أَيضاً فينا لِيُؤمِنَ العالَمُ بِأَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني" (يوحنا 17: 21). ويصف بولس الرسول هذه المحبة بقوله "المَحبَّةُ تَصبِر، المَحبَّةُ تَخدُم، ولا تَحسُدُ ولا تَتَباهى ولا تَنتَفِخُ مِنَ الكِبْرِياء، ولا تَفعَلُ ما لَيسَ بِشَريف ولا تَسْعى إلى مَنفَعَتِها، ولا تَحنَقُ ولا تُبالي بِالسُّوء، ولا تَفرَحُ بِالظُّلْم، بل تَفرَحُ بِالحَقّ. وهي تَعذِرُ كُلَّ شيَء وتُصَدِّقُ كُلَّ شَيء وتَرْجو كُلَّ شيَء وتَتَحمَّلُ كُلَّ شيَء" (1 قورنتس 13: 4 -7). وبصورة أخرى، قال الرابي اليهودي هلليل، جد جملائيل الذي كان بولس الرسول تلميذا له: "ما تكره لا تصنعه لقريبك". ويريد يسوع منا أن نحب القريب كما هو احبه. إن يسوع وهب يسوع ذاته كاملة للجميع، أُعطي كل غنى عقله وقلبه وقدرته على صنع العجائب للأشخاص الذين قابلهم، انه يحب القريب كنفسه. أنه بتعليمه ومثله أشعل في محيطه ثورة حقيقية، وقبل كل شيء أحب الجميع دون تمييز، أحب الفقراء والمرضى والصغار والبُسطاء والخطأة، أحبهم إلى درجة انه هدم كل الحدود الفاصلة بين الطبقات الاجتماعية. وهكذا حمل يسوع تغييراً جذرياً في العقلية حيث كان جوهر الحياة الدينية كلها في الأول يتركز على الهيكل والطقوس الدينية، أما الآن فهو يتركز على القريب وعلى الخدمة المقدمة له، ونحن متأكدون أننا نحب الله إذا أحببنا قريبنا الذي حل فيه المسيح ذاتياً، حيث قال: كُلَّما صَنعتُم شَيئاً مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه" (متى 25: 40). فهل نستطيع أن نسير بوحي الحب الذي عمله يسوع؟ ويريد يسوع منا أن نحب القريب بدون يأس، لان المحبة تتميّز بالصفح والغفران بدون حدود كما قال يسوع لبطرس "لا أَقولُ لكَ: سَبعَ مرَّات، بل سَبعينَ مَرَّةً سَبعَ مَرَّات عليك أن تغفر لأخيك" (متى 18: 21-22) كما تتميز بالمبادرة الطيبة نحو الخصم كما يأمر الرب: "سارعْ إلى إِرضاءِ خَصمِكَ ما دُمْتَ معَه في الطَّريق" (متى5: 25)؛ وتتميز أيضا بالصبر وبمقابلة الشر بالخير كما يوصي القديس بولس الرسول "بارِكوا مُضطَهِديكم، بارِكوا ولا تَلعَنوا ... لا تُبادِلوا أَحَدًا شَرًّا بِشَرّ ... إِذا جاعَ عَدُوُّكَ فأَطعِمْهُ، وإِذا عَطِشَ فاسقِه" (رومة 12: 14-21) . أمَّا في العائلة تتخذ المحبة شكل الهبة الكاملة على مثال ذبيحة المسيح "أَيَّها الرِّجال، أَحِبُّوا نِساءَكم كما أَحَبَّ المسيحُ الكَنيسة وجادَ بِنَفسِه مِن أَجْلِها" (أفسس 5: 25-32). ويريد يسوع منا أن نُحبّ القريب بحبّ خدمة. والخدمة مزدوجة، في العدل وفي الإحسان. بالعدل نُعطي القريب كلّ ما يخصّه. ولا يمكن انتزاع كلّ ما يخصّه منه. وبالمحبّة نعطيه كلّ ما هو لنا. نعطيه إيّاه لأنّه بحاجة إليه. يلزمه من أجل أن يعيش كإنسان. يجب إعطائه كلّ ما يسمو بإنسانيّته. فإذا توقّفنا عند ما هو أساسي، لحياة البؤس، ولحياة الشدّة، فمن المؤكّد أنّنا لا نحبّه بموجب وصيّة الربّ. كما نريد رفعة أنفسنا، هكذا ينبغي أن نرغب للآخرين ونحبهم. وتعلق الأم تريزا "لا يتعلّق الأمر بما نخدم، بل بالحبّ الذي يدفعنا إلى القيام بذلك. لذا، فإنّ الأشخاص الذين لا يعرفون كيفيّة إعطاء المحبّة وكيفيّة تلقّيها، هم أفقر الفقراء، مهما كانت ثرواتهم طائلة". وأخيرا يريد يسوع منا أن تكون محبتنا خدمة متبادلة للجميع كما جاء في رسالة بولس "بِفَضلِ المَحَبَّةِ اخدِموا بَعضُكم بَعضًا، لأَنَّ تمامَ الشَّريعةِ كُلِّها في هذهِ الكَلِمةِ الواحِدة: ((أَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ)). (غلاطية 5: 13-14)، وهذه المحبة تتطلب إنكار المرء ذاته مع المسيح المصلوب كما عاش بولس الرسول" مِن أَجْلِ المسيح خَسِرتُ كُلَّ شَيء وعدَدتُ كُلَّ شَيءٍ نُفايَة لأَربَحَ المسيحَ " (فيلبي3: 1 -11). هي محبة غير مشروطة، لا تطلب مقابل، تعطي دون انتظار مجازاة وترجو الخير للجميع. وتبدأ هذه المحبة مع الوالدين، ثم تنمو مع الأشقاء والأصدقاء. ثم تنضج مع شريك الحياة وتنتهي بمحبة الجميع. فهي خاضعة لقانون التضحية والموت وذلك بان نضحي في سبيل مساعدة القريب على خلاص نفسه وتحسين حالته "وإِنَّما عَرَفْنا المَحبَّة بِأَنَّ ذاكَ قد بَذَلَ نفْسَه في سَبيلنِا. فعلَينا نَحنُ أَيضًا أَن نَبذُلَ نُفوسَنا في سَبيلِ إِخوَتِنا (1 يوحنا3: 16). أما إذا بقينا نعتبر القريب غريباً يُزعجُ راحتنا ويعيق مشاريعنا، لا نستطيع القول إننا نحب الله بكل قلوبنا. وفي الواقع، لا تضامن وعدالة بدون محبة. ولا محبة بدون تضامن وعدالة. بدون محبة لا وجود للعدالة وتضامن لحل المشاكل الاجتماعية والاقتصاد والسياسية التي يتخبط بها مجتمعنا. إن جعلنا المحبة شفقة على الناس وتنازلا شوهنا المحبة التي تشمل على العدالة والتضامن. إن الحياة لا تتغيّر إلاّ بالمحبة. فما هو المطلوب من إنسان اليوم؟ أن يحب الرحمة ويُحيي العدل ويسلك متواضعاً أمام الله، وبكلمة المحبة تلخص كل فلسفة الحياة المسيحية كما جاء في قول مأثور للعلامة أوغسطينوس "أحب وافعل ما تشاء". المحبة هي صلب العقيدة المسيحية. ويعلق القديس أفرام السرياني "إنّ محبة الربِّ تنقذنا من الموت، ومحبّة الإنسان تبعدُ عنّا الخطيئة لأنّ ما من أحدٍ يُخطئُ بحقّ من يُحبّه". 3) وصية المحبة لنفوسنا: "أَحبِبْ قريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ " (مرقس 12: 13 ب) العدل يقضي أن يبدأ الإنسان بمحبة نفسه. ولم يكن هناك حاجة لوصية صريحة بذلك، لانَّ الإنسان مطبوع على محبته لذاته، لكن السيد المسيح رفع هذه المحبة إلى المستوى الروحي. فالنفس تكرَّست لله بإقامته فيها كما قال يسوع "إذا أَحَبَّني أَحَد حَفِظَ كلامي فأحَبَّه أَبي ونأتي إِلَيه فنَجعَلُ لَنا عِندَه مُقاماً "(يوحنا 14: 23)، والجسد أصبح هيكلا للروح القدس كما يقول بولس الرسول "أَما تَعلَمونَ أَنَّكُم هَيكَلُ الله، وأَنَّ رُوحَ اللهِ حالٌّ فيكم؟" (1 قورنتس 3: 16). يتوجب على الإنسان أن يحب الله أكثر من نفسه، إذ انه مصدرها ولا قيمة للنفس إزاء قيمة الله. ولكن عليه أن يحب نفسه أكثر مما يحب قريبة، فيهتم بتقديسها لان محبته لنفسه هي الأساس الذي تبنى عليه محبة القريب. ولان الله يطلب منه أن يخلص نفسه "ماذا يَنفَعُ الإِنسانَ لو رَبِحَ العالَمَ كُلَّه وخَسِرَ نَفسَه؟" (متى16: 26). وتقوم محبة الإنسان لذاته على طلب الخير الحقيقي المفيد لنفسه وجسده واجتناب ما يضرهما. أن الإنسان هو هيكل الله وروح الله يسكن فيه كما يقول القديس بولس "أَما تَعلَمونَ أَنَّكُم هَيكَلُ الله، وأَنَّ رُوحَ اللهِ حالٌّ فيكم؟ مَن هَدَمَ هَيكَلَ اللهِ هَدَمَه الله، لأَنَّ هَيكَلَ اللهِ مُقدَّس، وهذا الهَيكَلُ هو أَنتُم" (1 قورنتس3: 17)؛ فلنحافظ على أجسادنا لأجل خير نفوسنا، ولنحافظ على نفوسنا لأجل خير حياتنا الأبدية، ولنحافظ على الحياة الأبدية لأجل مجد لله، غايتنا وسعادتنا. وهذا يتطلب أن تكون محبة الإنسان لنفسه من غير مبالغة ولا مغالاة ولا أنانية ولا كبرياء ولا غرور. ومن ناحية أخرى، أن محبتنا لنفوسنا تتطلب منا ألا نحب المديح من الناس كما فعل بعض رؤساء اليهود الذين آمنوا بيسوع لكنهم "فضَّلوا المَجدَ الآتيَ مِنَ النَّاسِ على المَجدِ الآتي مِنَ الله" (يوحنا 12: 43)، ومحبتنا لنفوسنا تتطلب منا أيضا ألا نطلب تقدير الذات كما يفعل الفريسيون "يُحِبُّونَ المَقعَدَ الأَوَّلَ في المآدِب، وصُدورَ المَجالِسِ في المَجامع" (متى 23: 6)، ومحبتنا لنفوسنا تتطلب منا أيضا أن لا نتمسك بالممتلكات الأرضية كما فعل الرجل الغني مع لعازر الفقير لكي لا نهلك: "فقالَ إِبراهيم له: يا بُنَيَّ، تَذَكَّرْ أَنَّكَ نِلتَ خَيراتِكَ في حَياتِكَ ونالَ لَعاَزرُ البَلايا. أَمَّا اليَومَ فهو ههُنا يُعزَّى وأَنت تُعَذَّب" (لوقا 16: 19-31). ومما سبق نستنتج أن يسوع لخَّص مجموع الوصايا في وصيتين: محبة الله (تثنية الاشتراع 6: 5) ومحبة الآخرين (الأحبار 19: 18). وعندما نحب الله ونهتم بالآخرين اهتمامنا بنفوسنا، فإننا نِّتتم الغرض من الوصايا العشر وسائر شرائع العهد القديم، لانهما خلاصة الشريعة والأنبياء. إذا كنا حقيقة نحب الله وقريبنا، فإننا بذلك نحفظ الوصايا. وبدلا من القلق عمَّا لا يجب أن نفعله، ينبغي أن نركز على ما نستطيع أن نفعله لإظهار محبتنا لله وللآخرين. الخلاصة بعدما دخل يسوع إلى الهيكل (مرقس 11: 1-11) التقى مجموعات مختلفة من الكتبة والفرّيسيّين والصدّوقيين والهيرودسيين، فساله أحد الكتبة في أولى وصية ليتبعها، فذكر يسوع وصيتين: واحدة محبة الله (تثنية الاشتراع 6: 5) والأخرى محبة القريب (الأحبار (19: 18). لكن الجديد هو انه جمع كل الوصايا في هاتين الوصيتين، وركز الشريعة كلها في إطار المحبة، فجعل محبة القريب مهمة مثل محبة الله. لماذا تعتبر هذه الوصية من أعظم الوصايا؟ لأنها ترتكز على محبة الإنسان لله، ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان. إذ كل من يحب الله، يجب أن يحبّ إخوانه في الإنسانية أيضًا. لأن محبة الإنسان لله تُترجم بمحبته لإخوانه بني البشر، وبدون محبتنا بعضنا لبعض كما أوصانا الله، تكون محبتنا ناقصة وإيماننا غير كامل كما صرّح يوحنا الرسول “أَيُّها الأحِبَّاء، فلْيُحِبَّ بَعضُنا بَعضًا لأَنَّ المَحَبَّةَ مِنَ الله وكُلَّ مُحِبٍّ مَولودٌ لله وعارفٌ بِالله. مَن لا يُحِبّ لم يَعرِفِ الله لأَنَّ اللّهَ مَحبَّة" (1يوحنا 4: 7-8). الكتاب المقدس يقدم محبة القريب كامتداد لمحبة الله، وعلامة صدق محبتنا لله (1يوحنا 4: 20-21)، نحب القريب كنفسنا لا يعني ذلك أن المحبة تبدأ بي لتصل فيما بعد إلى القريب من الأهل والمعارف والأصدقاء بل تتجاوزهم إلى الجميع حتى الأعداء محبة بلاد حدود. فالوصايا أعطيت لمساعدتنا أن نحب الله ونحب الآخرين كما ينبغي. الروح الذي يريد يسوع هو روح المحبة لا روح المتاجرة الذي لا يرى في الدين سوى مجموعة من الممارسات الطقسية التي يجب حفظها بدقة. فالدين علاقة حب، إذا كنا حقيقة نحب الله ونفوسنا وقريبنا، فإننا نحفظ الوصايا. حفظ الوصايا علامة لمحبة للمسيح "إذا كُنتُم تُحِبُّوني، حَفِظتُم وَصاياي" (يوحنا 14: 15). فالوصايا العشر تعلن مطالب محبة الله والقريب. الوصايا الثلاث الأولى هي أكثر تعلقا بمحبة الله، والسبع الأخرى بمحبة القريب وكلها يجب أن تشرح بنظرة إيجابية أي في ضوء الوصية المزدوجة الواحدة، وصية المحبة. ومن هذا المنطلق، يتوجب علينا أن نركز على كل ما نستطيع أن نفعله لإظهار محبتنا لله وللآخرين. هذه الوصية واحدة تتخذ وجهتين: الله والقريب. لا حب من دون الآخر. إذ كل من يحب الله، يجب أن يحبّ إخوانه في الإنسانية أيضاً. لأن محبة الإنسان لله تُترجم بمحبته لإخوانه بني البشر، وبدون محبتنا بعضنا لبعض كما أوصانا الله، تكون محبتنا ناقصة وإيماننا غير كامل. ويؤكد الكتاب المقدس ذلك بقوله "أَيُّها الأحِبَّاء، فلْيُحِبَّ بَعضُنا بَعضًا لأَنَّ المَحَبَّةَ مِنَ الله وكُلَّ مُحِبٍّ مَولودٌ لله وعارفٌ بِالله، مَن لا يُحِبّ لم يَعرِفِ الله لأَنَّ اللّهَ مَحبَّة" (1يوحنا 4: 7). تقوم محبتنا بالمحافظة التامة على الوصايا (يوحنا 14: 15 و21 و23). وإِلهُ المَحبَّةِ والسَّلامِ يَكونُ معَكُم. الدعاء أيها الآب السماوي، نسألك باسم يسوع، الذي كشف لنا عن حب الله وحب القريب كوصيتين متكاملتين اجعلنا أن نحبك في القريب فنبذل نفوسنا في سبيله حبا لله مُردِّدين مع القديس أنسلموس "نحن نُحبّك، يا إلهنا؛ ونرغب أن نحبّك أكثر وأكثر. هبنا أن نتمكّن من محبّتك بقدر ما نرغب في أن نحبّك، وبقدر ما ينبغي أنّ نحبّك. يا أيّها الصديق الأحبّ، الّذي أحبّنا كثيراً جدّاً وخلّصنا، تعال واسكن في قلوبنا، كي تراقب شفاهنا وخطواتنا وأعمالنا، بحيث لن نحتاج أن نقلق لا على نفوسنا ولا على أجسادنا. امنحنا المحبّة، أولى المواهب، الّتي لا تعرف أيّ عدوّ. امنحنا في قلوبنا حبّاً نقيّاً مولوداً من محبّتك لنا، كي نتمكّن من محبّة الآخرين كما تحبّنا أنت. ساعدنا وباركنا في ابنك يسوع المسيح". قصة وعبرة نقرأ في مسرحية "الملك لير" لشكسبير أن الملك، عندما تقدم به السن، أراد أن يُقسِّم مملكته بين بناته الثلاث. ولكنه أراد قبل تنفيذ فكرته أن يعرف مقدار محبة كل منهن له ونوع تلك المحبة. وكان أن دعا كل واحدة وسألها إن كانت تحبه وعلى أي أساس تحبه. طبعا نحن نحب الله". ولكن من أي نوع هي محبتنا لله؟ هل نحب الله لأجل هباته، لأجل صفاته، لأجل ذاته. أن أسمى أنواع المحبة للرب هو إن نحبه لا لأجل هباته ولا لأجل صفاته بل لأجل ذاته. يجب أن نحب الله لأنه هو الله. نحبه لأنه هو أحبنا أولا. نحبه كما هو أحبنا. فهو لم يحبنا لأجل أي شيء فينا –إذ أننا خطأة وأعداء– بل أحبنا لأجل نفوسنا. الأب لويس حزبون - فلسطين |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
جميع الوصايا تتركز في واحدة. وهى المحبة |
هذه أسمى طرق المحبة وأكثرها بهاء وسحرًا |
كل الوصايا تتجمع في المحبة |
لأن المحبة هي تكميل الوصايا |
المحبة هى أعظم الوصايا كلها |