أخبريني عن ابنك، يا أم القدوس

[بشرى النهيسى]

أخبريني عن ابنك، يا أم القدوس!
من وحي عيد القديسة مريم
- القمص تادرس يعقوب ملطي



1- حوار مفتوح



* أمي العجيبة، أم القدوس، وأم البشرية.

كلما حلَّ الصوم واقترب يوم الاحتفال بعيدك،

أشتاق أن أجلس معك، لتروي لي عن حياتك هنا على الأرض، وفي الفردوس.

أنتِ في الفردوس، وأنا على الأرض.

لكنك لستِ بعيدة عني، فإن ابنك القدوس ساكن فيَّ.


كم أشتاق أن أصمت قليلًا لكي أسمع صوتك.

2- تجسد مني، وأقامكَ يا ابني عضوًا في جسده


* ابني الحبيب، سأروي لك عن مشاعري يوم بشَّرني رئيس الملائكة غبريال.

فتح الرب عينيَّ قلبي، ورأيت النبوات والرموز الواردة عن المسيا كأنها من نورٍ.

كأني لأول مرةٍ أفهمها.

أدركت أن كل الأمم من نسل آدم وحواء، خاصة شعبي، كانوا يشتهون هذا اليوم.

مجيء هذا الطفل العجيب الذي يَرُد البشرية إلى حضن الله الآب.

وكانت كل سيدة تترقَّب إن كان يُمكِن أن يأتي هذا الطفل منها.

مرَّت أربعمائة سنة تقريبًا بعد آخر نبي في العهد القديم، وهو ملاخي،

لم يُرسل الله فيها أنبياء، وكأن صمتًا رهيبًا حلَّ حتى يُراجِع الناس النبوات،

ويترقَّبوا مجيء الطفل المُنْتَظَر.

تهلل قلبي فقلت: هذا هو اليوم الذي أبهج الأنبياء والملوك والكهنة،

فيه تحقَّقت كلماتهم وكملت نبواتهم،

دُهِشت إذ تجسد ابن الله مني،

اتَّسع قلبي جدًا، فامتلأ حبًا لكل البشر، صرت أيقونة لمُحِبِّ البشر.

أحسب كل البشرية إخوتي وأبنائي!

الكل يُطَوِّبني عبر الأجيال، إذ أخذ ابن الله مني جسدًا له.

السمائيون والبشريون يدهشون لعمله فيَّ.


* اذكر يا ابني أن السمائيين يطوبونك أنت أيضًا.

ذاك الذي أخذ مني جسدًا، أقامك عضوًا في جسده المقدس.

لقد صعد ابني بجسده القائم من الأموات إلى السماء.

وها أنت قد صرتَ عضوًا في جسده.

← ابحث في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمزيد من المقالات والكتب والصلوات..


* عيناك صارت عينيه على الأرض، تتطلعان إلى كل إنسانٍ، فتشتهي أن تخدمه.

لم تَعُد بَعدْ عيناك تشتهيان أمور العالم الجميلة.

ولا يستطيع جمال الجسد أن يُحَوِّل عينيك عن السماء.

ولا تتوجَّه عيناك نحو أخطاء إخوتك لتدينهما!

أذناك صارتا أذني المسيح،

ترن تسابيح السماء في أذنيك،

ولا تشتهيان أن تسمعا نميمةٍ أو افتراءٍ أو سخرية.

صارت قدماك قدمي المسيح، تنطلقان مع كل صباحٍ كما إلى السماء لعمل الصلاح.


* ابني الحبيب، هل تُرَدِّد مع الرسول بولس، قائلًا: "لنا فكر المسيح" (1 كو 2: 16)؟

لن يقدر إبليس بكل جنوده وخداعه وقدراته،

أن يتسلَّل إلى فكرك، فإنه فكر المسيح.

لا تقدر الظلمة أن تُغَطِّي عقلك، لأنه يحمل في داخله المسيح نور العالم!

* ماذا أقول لك؟!

طوباك، هوذا السمائيون يشتهون اللقاء معك، ويتعجَّلون خروجك إليهم!

إنك عضو في جسد المسيح القدوس.

يترقَّبون مجيئك إليهم، ليُرَحِّبوا بك في السماء بيتك الحقيقي.

أمك التي تنتظرك في الفردوس

[بشرى النهيسى]

3- تطويبكِ يا أمي العجيبة، تمجيد للحُبِّ الإلهي


* طوباكِ يا أمي العجيبة والفريدة.

تُرى مَنْ مِنَ السمائيين والأرضيين لا يُطوِّبكِ؟

تُرَى ماذا كان حال الطغمات السماوية،

حين نزل رئيس الملائكة غبريال إليكِ، وقال لكِ:

الروح القدس يحلُّ عليكِ، وقوة العلي تظللكِ،

فلذلك أيضًا القدوس المولود منكِ يُدعَى ابن الله (لو ١: ٣٥).


* لعلهم وقفوا في صمتٍ رهيبٍ مع فرحٍ عجيبٍ، وتهليلٍ جديدٍ.

لعلهم سجدوا أمام الله، وهم يقولون:

اقبل يا رب تسبحتنا الجديدة لحُبِّك الإلهي نحو كل البشر.


نعترف لك أنك يوم أعلنت لنبيك إشعياء بروحك الناري:

"يعطيكم السيد نفسه آية:

ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل" (إش ٧: ١٤).

طوَّبنا البشرية،

إذ ينعمون بابن العذراء القادم عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا (مت ١: ٢٣).

نحن نعلم حُبَّك العجيب للبشر،

أما ما سمعناه عنكِ، فكان فوق كل مداركنا!

نُسَبِّحك يا رب، لأننا الآن عرفنا هذه العذراء.

الآن، انكشفت لنا أعماق جديدة لحُبِّكَ.

الآن، صارت لنا تسبحة جديدة. ..

* أمي الفريدة في صمتٍ وسكونٍ سمعوا النبوات من قبل عن الذي حُبِلَ به فيكِ.

سمعت البشرية تُسَبِح: "يُولَد لنا ولد، ونُعطَى ابنًا، وتكون الرياسة على كتفه،

ويُدعَى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا، أبًا أبديًا، رئيس السلام" (إش ٩: ٦).

الآن أُعلِنَت لهم حكمة الله الأزلية التي كانت مكتومة (رو ١٦: ٢٥؛ ١ كو ٢: ٧).

الآن، صارت لهم الترنيمة الجديدة التي سيُسَبِّحون بها معنا في أورشليم العليا (رؤ ٣: ١٢).

إنها ترنيمة الحَمَل الإلهي الذي حبلتِ به،

وقَدَّم نفسه ذبيحة حُبّ عن العالم كله!

* أمي الحنونة، كلما أُطوِّبك، أذكر ذبيحة الصليب.

يتجلَّى أمامي الحُبّ الإلهي الفائق.

ويلتهب قلبي شوقًا.

* متى أنطلق وأكون مع السمائيين،

فأُسَبِّح معهم ترنيمة الحمل الجديدة،

ترنيمة الحب الإلهي التي سَجَّلها ابنك عمليًا بالدم على الصليب.

تطويبك يا أمي يفتح لساني لتسبيح ابنك،

فأُمَجِّده مع أبيه الصالح وروحه القدوس.

لك المجد أيها الثالوث القدوس الكلي الحبّ لي شخصيًا، ولكل بني البشر!


* أمي، الآن علمت لماذا قلتِ: منذ الآن جميع الأجيال تطوبني" (لو ١: ٤٨).

بالحق تطويبك يحملني كما إلى السماء،

أشارك خورُس السمائيين التسبيح بترنيمة الحمل الإلهي العجيب، الترنيمة الجديدة!

طفلك المشتاق إليكِ

[بشرى النهيسى]

4- أنتِ هو الجبل المقدس، أنتِ هو المعمل الإلهي!

[url=https://upload.chjoy.com/][/url



* اعرفْ يا ابني كرامتك في الرب،

واذكرْ على الدوام عمل الله فيك!

دُهِشَ شعب إسرائيل حين صعد موسى على جبل سيناء.

حدثت رعود وبروق، ثم سمعوا صوت أبواق ترتفع تدريجيًّا.

إذ أعلن الرب حضوره، يبدو أن الجبل كُلَّه قد أضاء وارتجف جدًّا.

ارتعد الشعب المُعسكِر في المحلَّة، وخرجوا لمُلاقاة الله وهُم أسفل الجبل.

ارتجف الجبل جدًّا وكان يُدخِّن، إذ نزل عليه الرب بالنار، وصعد دخان كثيف.

بينما كان الجبل يدخن، نزل كلمة الله وأعطى موسى الشريعة والوصايا! (خر 19: 16-18)
* دُهِش السمائيون حين نزل إليَّ غبريال رئيس الملائكة.

بَشَّرني بنزول الكلمة الإلهي نفسه، وتجسُّده فيَّ.

لم يُسَلِّمني وصايا منقوشة على حجر كما فعل مع موسى،

بل أقام بنفسه داخلي، وصار إنسانًا.

لم تتزلزل أعماقي، ولا حدث دخان كثيف.

بل صرتُ له أُمًا، أنا غير المستحقة أن أكون له أَمَة.
* يا ابني، هوذا ابني يريد أن يُقِيم منك جبلًا مقدسًا.

لقد وعدك: إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي،

وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلًا (يو ١٤: ٢٣).

إنه يريد أن ينزل مع أبيه، ويقيما فيك منزلًا.

إنك كجبل سيناء، بل أنت هيكل الله وروح الله يسكن فيك (١ كو ٣: ١٦)

* في ثيؤطوكية الثلاثاء تدعوني أنت وإخوتك أنني أعظم من جبل سيناء،
وأنا أيضًا أدعوكم أن تدركوا كرامتكم في الرب الساكن فيكم.

* في ثيؤطوكية الأربعاء تدعوني أنتَ وإخوتك "المَعْمَل الإلهي"،

إذ نزل كلمة الله بلاهوته واتحد بناسوتنا بغير اختلاط ولا امتزاج ولا انقسام.

خلالي نزل الله إلى أرضنا، وصار واحدًا منّا، من بني جنسنا،

وأقامنا أصدقاء له، ومُرافِقين ملتصقين به[1].

ها أنتَ أيضًا مَعْمَل الله، يُقِيم منك يا أيها الترابي، شِبْه ملاك.

يُحَوِّل قلبك الترابي إلى سماءٍ جديدةٍ.

فيك مصنع إلهي فائق، فلا تستخفّ بنعمة الله.

تعمل نعمة الله بك وفيك ومعك.

لتتغنَّى مع الرسول بولس، قائلًا:

"نحن عاملان مع الله، وأنتم فلاحة الله، بناء الله (١ كو ٣: ٩).


* اذكر يا ابني على الدوام نعمة الله لك.

لقد أقامك جبلًا مقدسًا، يتجلَّى فيك كما على جبل تابور،

وينقش على قلبك وصاياه بالروح القدس.

أقامك معملًا إلهيًا؛ مع كل صباح يرفعك بروحه القدوس من مجدٍ إلى مجدٍ!

طوباك يا ابني، طوباك، فقد أقامك ابني سفيرًا له على الأرض.

أمك التي تعتز بك في الفردوس

[بشرى النهيسى]

5- يا لكِ من أيقونة المسيح الجميلة!




* أخبريني يا أمي، ما هو سرُّ ج

مالكِ؟ هوذا السمائيون والبشريون يُعجَبون بكِ!

لقد حملتِ شمس البرِّ فيك، فأشرق بنوره عليكِ، وسكب بهاءه على قلبكِ وعقلكِ!

في تواضعٍ وحبٍ سُررتِ بتجسد الكلي القداسة فيكِ.

صرتِ أيقونة جميلة، من ينظر إليكِ يرى بهاء ابنكِ الحبيب على وجهكِ.


* تطلَّع إليكِ القدِّيس باسيليوس الكبير، وإذ بُهِرَ بجمالك، قال:

أيَّتها العذراء الفائقة القداسة، كل الألقاب والتماجيد التي أُضفيها عليكِ لا تكفي،

ولا تُعَبِّر عن شيء يليق بكِ[


* تطلع إليكِ القديس مار يعقوب السروجي، وإذ بُهِرَ بجمالك، قال:

كيف يمكنني أن أُصَوِّرَ صورة هذه الفائقة الجمال بألوان بسيطة، إذ لا يمكن مزجها لتصويرها؟ فهي أيضًا غير لائقة بها. صورة جمالها أكثر مجدًا وسموًا عن كل تصوُّري،

فلستُ أجرؤ أن أَدَع عقلي يرسم صورةً لمحياها.

إنها السماء الثانية، التي حلَّ في حضنها رب الأعالي، وأشرق منها ليطرد الظلمة من الأرض.

المباركة في النساء، ولدت ذاك الذي أزال لعنة الأرض (تك 3: 17-18)،


ومنذ عهدها انتهى القصاص.

العفيفة والمملوءة بجمال القداسة، يعجز لساني عن أن ينطق بكلمة واحدة بخصوصها.

ابنة الفقراء أصبحت أُمًا لربِّ الملوك، وأعطت الغِنَى للعالم المُحتاج ليحيا به.

السفينة الحاملة للكنوز والبركات من بيت الآب التي جاءت وسكبت غناها على عالمنا المُقفِر.

الحقل الجيد الذي بغير بذار أنبت حزمة، وبغير حرث أثمر ثمرًا عظيمًا.

حواء الثانية التي ولدت الحياة للمائتين، ودفعت الديون ومزقَّت صك حواء أمها بصليب ابنها.

الصبية التي ساعدت السيدة العجوز الساقطة (حواء)، وأقامتها من سقطتها حيث ألقتها الحية.

العذراء التي بغير زواج، بأعجوبة صارت أمًا، والأم التي بقيت بغير تغيير في بتوليتها.

الابنة التي حاكت ثياب المجد[3]، وأعطتها لأبيها، ليتغَطّى بها إذ كان عريانًا بين الأشجار.

الفتاة التي صارت مثل مركبة السمائيين (حز 1)، وبقداسة حملت الإله الوحيد القدير حامل الخليقة (كو 1: 17؛ عب 1: 3).

العروس التي حبلت مع أنها لم ترَ العريس نهائيًا، وولدت طفلًا دون أن تذهب إلى مكان أبيه[4].


* أنتِ البتول الطاهرة! اتَّسَمت نفسكِ وروحكِ مع جسدك بالبتولية الدائمة!

عشتِ مع رجلكِ، وتعهدتما حياة البتولية، في علاقة ودٍّ أُسري مثالي في أروع صورة!

وُلِدَ مُخَلِّص العالم منكِ أيتها البتول لتأكيد لاهوته، وفي نفس الوقت في أسرة مثالية.

بهذا تُكرَّم البتولية، ولا يستخف أحد بالحياة الأسرية والزوجية.

ارتَبَك الشرير (إبليس) الذي كان على الدوام يريد أن يفترس العذارى،

حتى بعد سماعه إعلان النبي: "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا" (إش 7: 14).

خُدِعَ مُجَرِّب البتول، إذ عرف أن مجيء الرب في الجسد يتبعه تحطيم مملكته[5].

إنه لم يعرف هل أنتِ بتول أم زوجة!

* اسألي الرب معي كي يُعلِن سكناه في قلبي.

لا يجسر عدو الخير أن يتسلَّل إلى قلبي وفكري. ولا يطيق أن يرى المُخَلِّص يمسك بدفة حياتي.

من يُنَقِّي قلبي وفكري وأحاسيسي وعواطفي سوى ابنكِ الحبيب؟!

ليملك ابنكِ على أعماقي، وليُقِم ملكوته في داخلي.

ابنكِ الطالب صلواتك

[بشرى النهيسى]

6- لتقتنِ يا ابني التواضع، فلا يقدر الكبرياء أن يتسلَّل إليك!



* أود يا ابني أن أُقَدِّم لك خبرة حياتي كلها!

تَجَسَّد مني ابن الله المتواضع، أقامني ملكة، وبُهِر السمائيون بما نلته.

والعجيب لم أشعر يومًا ما إني أفضل من أحدٍ! هذا ليس فضلًا مني،

طبيعتي كطبيعة كل إخوتي في البشرية.

لكن سُكنَى ابن الله وتجسده مني صار لي حصنًا عجيبًا!

لم يستطع فكر كبرياء أن يتسلَّل إليَّ. لأنه هل من شركة بين النور والظلمة؟

هل من اتحادٍ بين المسيح وإبليس؟

* يا ابني رَكِّز عينيك على ابني الحبيب.

ادخل دومًا في حوارٍ معه، فتتهلَّل نفسك.

التصق به على الدوام، فتسحق الشرّ تحت قدميك.

مسيحك المتواضع يسكب من تواضعه فيك!

أمك المُحِبّة لك

[بشرى النهيسى]

7- يتهلَّل بكِ الأطفال، ويقتدي بكِ الحكماء!





* عجيبة ومُدهِشة أنتِ يا أمي.

مَرَّ أكثر من ألفين عامًا على تجسُّد الكلمة الإلهي منكِ،

ولا زال الأطفال البسطاء حتى اليوم يلتصقون بكِ.

يرون فيك البساطة مع الحنو والحب والأمومة الصادقة.

يمتلئون بالبشاشة مع تهليل القلب حين يشاهدون أيقونة لك،

أما عند ظهورك، فيحتشد أحيانًا عشرات الآلاف، ترقص قلوب الكل عند ظهورك.

ظهورك ولو إلى لحظات يحسبونه تمتُّعًا بعربون السماء.

* في حيرة يود علماء اللاهوت والدارسون أن يفحصوا دوركِ في التجسد الإلهي.

باطلًا حاول كثيرون عبر العصور تجاهل دوركِ. .

* حتى غير المؤمنين يوجد من بينهم من يشتهي أن يقتدي بكِ.

بالمسيح المتجسد منك، العامل فيكِ وبكِ، يتطلعون إليكِ بكل تقديرٍ في حيرة!

كلما فكر إنسان فيكِ، أيًا كان سنه، أو ثقافته، أو إمكانياته،

تلتصق صورة ابنكِ الحبيب في ذهنه وقلبه.

يوم نراكِ في المجد الأبدي عن يمين ملك الملوك، تمتلئ قلوبنا فرحًا، ولساننا تهليلًا،

حاسبين ما نلتيه مصدر اعتزازٍ لنا.

لن يحسدك أحد، ولا يغير منكِ أحد،

فأنتِ العضو الأول والأمثل في جسد المسيح، العروس السماوية.

طفلك السائل شفاعتكِ

[بشرى النهيسى]

8- بتوليتك الدائمة هي عُرْس لا ينقطع!




* يا لسمو بتوليتك؟!

لم تهربي من الزواج خوفًا من ممارسة الحياة الأسرية.

وأنتِ بتول خطبكِ يوسف، وبقيتما بتوليْن للرب.

في بتوليتكِ لم تكوني عاقرًا، فقد صرتِ أمًا.

هل من بتول تصير أمًا، وتبقى في بتولية دائمة؟!
* يا لسمو بتوليتك؟!

لم تهربي من الزواج خوفًا من ممارسة الحياة الأسرية.

وأنتِ بتول خطبكِ يوسف، وبقيتما بتوليْن للرب.

في بتوليتكِ لم تكوني عاقرًا، فقد صرتِ أمًا.

هل من بتول تصير أمًا، وتبقى في بتولية دائمة؟!
أي بتول أكثر منكِ طهارة وعفة؟

وأي أُم أنجبت ابنًا السماء والأرض لا تسعانه؟
* أي بتولٍ تصير عروسًا، وبعُرْسِها تُتَوَّج بتوليتها؟!

أي عروس تحمل عريسها في أحشائها كما في قلبها؟!

أي عروس لا يقدُمْ عرسها مع الزمن،

بل تمضي كل سنوات عمرها عروسًا، وتنطلق إلى الفردوس دون أن ينحلَّ عُرْسُها؟!
* بتوليتكِ وعُرْسكِ بل وأمومتكِ، لا يمكن فصل أحدهم عن الآخرين.

أي عروس، عريسها هو ابنها وهي ابنته؟!

تحتار العقول في أمرك.

ويُطَوِّبك السمائيون لمَرْكَزِكِ العجيب!

ويرتعب إبليس وكل قواته من أجل ما أنتِ عليه من كرامةٍ!

طفلك الصغير

[بشرى النهيسى]

9- قلبكِ مَرْكَز لكنوزٍ فائقة



* يا لحكمتكِ العجيبة، فإن كنوزكِ الفائقة محفوظة في قلبكِ!

كنزكِ هو ابنكِ خالق السماء والأرض، متجسدًا في أحشائكِ، ومحفوظًا في قلبكِ.

من يستطيع أن ينزع ابنكِ من قلبكِ؟!

هو كنزك ِالثمين، وغناكِ، وثروتكِ!

إنه ينبوع الجمال يسكب على أعماقكِ أمجادًا لا يَقْدِر عدو الخير أن يُشَوِّهها!

كنزكِ هو قداستكِ التي أفاض بها ابنكِ القدوس عليكِ!

كنزكِ هو الحب، انطلق بكِ وأنتِ فتاة،

تُسرعين على جبال يهوذا لتخدمي أليصابات نسيبتكِ!

كنزكِ هو صمت الشفتين بينما يتحدَّث قلبكِ مع خالقكِ.

طفلكِ المسكين

[بشرى النهيسى]

10- صَمَتَ لسانُكِ المُقدس، أما قلبكِ فلم يكف عن الحوار مع مُخَلِّصكِ!


* عجيبة أنتِ يا أمي في صمتكِ المقدس، كما في كلامك الأثمن من اللآلئ!

تُرَى هل أَدعوكِ الكارزة بالسكون؟ أم مُعَلِّمة الأجيال؟

* نلتِ أعظم عطية عرفها التاريخ، وسمعت عنكِ السماء، وأنتِ بعد صبية.

لم تنطقي بكلمة مع رجلك البار والبتول، ولم تُبَرِّري الحَمْل الذي صار في أحشائك.

نلتِ الكنز الإلهي واحتفظتِ به في قلبكِ. أشبع قلبك وفكرك وحواسك وعواطفك،

فلم تجدي وقتًا للحديث مع إنسانٍ.

تحوَّلَت أعماقكِ إلى سماء ثانية، فلم ينقصكِ شيء.

* صمتت أمكِ حواء حين تكلمت الحية، لتسمع منها التجديف على الله.

وحين فتحت لسانها للحوار، شاركت إبليس تجديفه. أخطأت في صمتها، وأخطأت في حوارها!

أما أنت، حواء الجديدة، ففي صمتك كان قلبك في حوارٍ دائم مع إلهك.

وفي حديثك مع رئيس الملائكة صرتِ مُعَلِّمة العالم عن سرِّ الثالوث القدوس، وسرّ الخلاص.
* في زيارتك لنسيبتكِ انفتح فمك بكلمة "سلام!"، فسمع الجنين يوحنا صوت سلامك،

وقَدَّم تسبحة صامتة بارتكاضه مُبتهِجًا في أحشاء أمه.

صمتكِ يحملنا إلى عربون السماء، وكلماتكِ تكشف لنا الأسرار الإلهية.

صعد ابنك إلى السماء، وترككِ وسط الرسل والتلاميذ، ليذوقوا بِصَمْتِك عربون الأبدية.

* وهبني إلهي فمًا وحنجرة ولسانًا لأتكلم بما يليق بي كابنٍ له. ووهبني شفتين أغلقهما لحراسة الفم.

اذكريني كي أتعلم متى أتكلم ومتى أصمت!

أمي، كم تشتهي نفسي أن أقتدي بكِ، من يهبني الفرح، فأترنم معكِ: تبتهج نفسي بالله مخلصي.

عدو الخير يحاول أن يُحَطِّم نفسي باليأس مع القلق، اطلبي أن ألتصق بالرب،

يهبني الرجاء المحيي، فأرتمي في أحضانه. أَترقَّب بابتهاج إكليلي الذي يُعده لي.

طفلكِ المشتاق إلى اللقاء معكِ

[بشرى النهيسى]

11- افتقرتِ مع ابنكِ، فصار هو كنزكِ!


* نزل الغَنِي خالق السماء والأرض، وتَجَسَّد منك!

افتقر بإرادته، لكي نتجاسر ونلتقي به بدالةٍ. نقتنيه فينا، ويصير غِنَانا وكنزنا.

* أخبريني يا أمي، هل أنتِ فقيرة أم غنية؟

كيف أدعوكِ فقيرة، وفي أحشائك واهب الغِنَى والمجد والسلطة؟!

وكيف أدعوك غنية، يا من لم يكن لكِ موضع تلدين فيه طفلك العجيب، فالتجأتِ إلى مذودٍ؟!

* أَغلَقَتِ البشرية أبواب بيوتها أمامكِ، وانفتح أمامكِ مذود بقر لا يصلح لسُكنَى البشرية.

بشكرٍ وفرحٍ ولدتي كلمة الله المُتجسِّد في مذودٍ. فتحوَّل الموضع إلى سماءٍ متهللةٍ.

انفتحت أبواب السماء ونزلت ملائكة تُهَنِّيء البشرية.

وترك المجوس العظماء بلدهم وتَحَمَّلوا مَشَقَّة السفر،

وجاءوا إلى المذود يسجدون ويُقَدِّمون هدايا.

ترك الرعاة قطعانهم، وجاءوا إلى هذا المذود يسجدون لابنكِ، ويُطَوِّبونكِ كملكةٍ فريدةٍ.

* أخبريني يا أمي، حين انطلقتِ على جبال يهوذا،

تسرعين إلى بيت زكريا وأليصابات تخدمينهما وتشاركينهما فرحتهما.

تُرَى أية هدية حملتيها في الطريق؟ ماذا تُقَدِّمين أيتها الفتاة الفقيرة للكاهن البار وزوجته؟

لستِ مع أبٍ وأمٍ تسألينهما، ماذا أُقَدِّم للكاهن زكريا وأليصابات وجنينهما؟

وإن وُجِدَ في بيت يوسف هدية رمزية تحملينها في زيارتك،

فهل تستطيعين أن تحملي شيئًا وأنتِ تسرعين على الجبال،

ليس لكِ جحش تمتطيه في سفركِ؟ طوباكِ يا أيتها العظيمة في غناها،

لقد حملتي ربَّ المجد في أحشائكِ، تُقَدِّمينه في بيت الكاهن التقي، فيتبارك بيته بدخولك فيه!

هَبْ لي يا رب أن أكون معها غنيًا أَحْمِلك في قلبي إلى كل بيتٍ وإلي كل نفسٍ أفتقدها،

فيتبارك الكل بك!

في تهنئتي بعيد ميلاد شخصٍ أو نواله نجاحًا في دراسته أو عمله أو زواجه أُقَدِّمَك له،

فأنت أعظم هدية؛ الكل محتاج إليك!

* إذ دُعيتِ في الاحتفال بزواجٍ في قانا الجليل، ماذا قَدَّمتي للعروسين؟ (يو 2: 1-11)

انطلقتِ ومعكِ مُفَرِّح القلوب، عريس البشرية المقدسة.

هديتكِ لهما حضور ابنك ِالقدوس في العُرْسِ.

طلبتي منه أن يُفَرِّحَ قلوب كل الحاضرين. إنها أثمن من كل الهدايا التي قَدَّمها الحاضرون.

حَوَّل لهم الماء خمرًا، ليُسْكِرَهم بحُبِّه، ويَرُد عقولهم إلى الوعي عوض السُكْرِ بخمر العالم!

* أخبريني يا أمي: ما هو دوركِ عندما صُلِبَ ابنكِ من أجل خلاص العالم؟

تَسَلَّمتِ منه يوحنا ابنًا لكِ، وصرتِ أنتِ أمًا لكل من يلتصق بصليب ابنكِ! (يو 19: 26-27)

اجتاز في قلبك سيف، حين رأيتِ ابنك على الصليب، وتهلَّلت نفسكِ بخلاص العالم!

يا لكِ من فقيرة غنية! فقيرة لأن ابنك يحمل عارنا،

وغنية بأمومتك التي لا تَكُف عن السؤال من أجل خلاص كل إنسانٍ!

* كم كنتُ أشتهي أن أكون بين المؤمنين بعد صعود ابنكِ؟

لم يروكِ حزينة لانطلاق ابنكِ إلى سماواته، بل متهللة، لأن قلبكِ وقلوبهم ارتفعت معه.

يتطلَّع الكل إليكِ فيغرفون من كنوز السماء، ويستخفُّون بملذَّات العالم.

اشفعي فيَّ يا أمي لأصير معكِ فقيرًا، كأن لا شيء لي، وغنيًا أَمْلُك كل شيءٍ!

طفلكِ المُشتاق إلى الانطلاق إليكِ