حروب من الشيطان
حروب الشيطان إما أن تكون بطيئة طويلة المدى، أو أن تكون فجائية وعنيفة...
الحروب البطيئة، قد لا نشعر بها يجذب بها الشيطان ضحاياه بتدريج طويل، لا يكادون يشعرون فيه بما يحدث لهم.
يحذرهم قليلًا قليلًا، وينقص من حرارتهم الروحية شيئًا فشيئًا على مدي واسع حتى تتغير حياتهم وهم لا يدركون ذلك إلا بعد فوات الفرصة، حتى يضربهم بعد ذلك ضربته الشديدة وهم غير مستعدين لها.
ولعله بهذه الطريقة حارب سليمان الحكيم، بالترف والمتعة وكثرة النساء ومجاملتهن، إلى أن سقط (1مل11: 1 – 8). وكان سقوطه في زمان شيخوخته!!
أما الحروب العنيفة الفجائية، فقد تشبه الظهورات المفزعة، أو الرؤى الكاذبة وأمثال هذه من الضلالات الشيطانية.
وقد جرب القديس أنطونيوس الكبير بحروب مثل هذه، وانتصر عليها بالاتضاع والإفراز والصلاة. وهزم الشياطين حتى هربت منه في خزي.
على أن الله لا يسمح بأن تحدث هذه الحروب لكل أحد، لأنه" أمين لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون" (1كو10: 13).
ولعل من أمثلة الحروب العنيفة الشيطانية التي حدثت فجأة، التجربة التي أصابت أيوب الصديق (أي1: 2). ونلاحظ أنها كانت بسماح من الله، في حدود معينة، وفي طاقة احتمال أيوب، وانتهت بخير وبركة (أي42).
على أن حروب الشيطان ليست كلها فزعًا ومناظر كما حدث للقديس أنطونيوس وليست كلها أمراضًا وخرابًا، كما حدث لأيوب الصديق.
فهناك حروب أخري من الشيطان بأفكار يلقيها في الذِّهن، أو شهوات يلقيها في القلب.
وهذه الحروب تكون ضعيفة إلى أن يفتح لها الإنسان بابًا لتدخل منه إلى قلبه وإلى مشاعره وهنا يكون قد أخطأ.
وتعتبر خيانة روحية أن تفتح أبوابك لعدو الخير الذي يريد تحطيم ملكوت الله داخلك.
إنها خيانة للرب الذي رضي أن يدخل بيتك وبيت فيه، وأنت بإرادتك تدخل عدوه إليه في داخل قلبك، ليحل فيه بدلًا من الله!
إنها خيانة للرب الذي اشتراك لنفسه وأحبك حتى المنتهي، واستأمنك على سرائره المقدسة، وجعل قلبك هيكلًا لروحه القدوس (1كو6: 19، 20) وهوذا أنت تستجيب للشيطان وتفتح له قلبك، وتقبل أفكاره المضادة!!
وفي خيانتك، إذ ترفض عمل النعمة فيك، يقوي عليك الشيطان.
لا تحتج بأن الحروب الخارجية قوية؟
إنك تجعلها قوية حينما تستسلم. أما إن قاومت فسيضعف الشيطان أمامك كقول الرسول: "قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع4: 7).
إن القلب القوي الثابت في الله، الأمين في محبته، يستطيع أن يطفئ جميع سهام الشرير الملتهبة (أف6: 16).
عندما تقوَّى قلب داود بالإيمان، تضاءلت أمامه كل قوة جليات الجبار (1صم17: 26). . وعندما قوي قلب موسى النبي، تضاءلت أمامه قوة فرعون وكل جيشه ولم تخفه أمواج البحر الأحمر. وأنت كلما كان قلبك من الداخل قويًا، لا تضعف مطلقًا أمام حروب الشياطين بل تعزيك كلمة الروح القدس الناطق في الأنبياء:
"مَن أنت أيها الجبل العظيم؟! أمام زربابل تصير سهلًا" (زك4: 7).
إننا إن ضعفنا نحن للشيطان كرامة ليست له، ونجعله يتجرأ علينا بينما يكون هو خائفًا منا في بادئ الأمر!
يُخَيَّل إليَّ أن رئيس الشياطين، حينما يرسل شيطانًا من أعوانه لمحاربة أحد المؤمنين، يرتعب هذا الشيطان ويقول: كيف أحارب هذا الإنسان الذي هو صورة الله وهيكل لروحه القدوس؟! كيف أحارب هذا الجبار الذي تحيط به ملائكة الله لتنجيه؟! كيف أقترب من ابن لله يلبس درع الإيمان وخذوه الخلاص (أف6)؟!
ماذا أفعل إذا رشمني بعلامة الصليب؟! وإلى أين أهرب إن رفع يديه يصلي؟! وكيف أخزي أن طردني قائلًا: اذهب يا شيطان...
ولعجب هذا الشيطان الضعيف، يري الإنسان خائفًا منه هاربًا أمامه، فيتجرأ عليه ويحتقره..؟
فيقص له شعره -كما صنع بشمشون- ويفقأ عينيه، ويجعله يجر الطاحون وهو هزأه للأطفال (قض16: 19 –21).
لذلك لا تخافوا من الشياطين، لئلا تقوي عليكم. وأنت أيها الإنسان يا صورة الله، احترم نفسك.. مع الشياطين.
من أمثلة حروب الشياطين المعروفة حروب الشك في الله، تتعبها حرب أخري هي اليأس. فلا تخف هذه الأفكار ليست منك. إنها حرب خارجية لا دخل لك فيها!
الشيطان يلقي إلى ذهنك أفكارًا تشك في وجود الله، وفي محبته وعنايته، وأفكارًا ضد فاعليه الصلاة وضد شفاعة القديسين. ثم بعد ذلك يقول لك: كيف تخلص وفي داخلك هذه الأفكار؟! بينما تكون أنت رافضًا الشك، ومقاومًا لها، غير راض عنها، بل تصلي أن يرفعها الرب عنك! كل هذا يدل على أن هذه الأفكار ليست منك.
إنها حرب بالفكر، وليست سقوطًا بالفكر. حتى إن سقطت إلى لحظات يكون ذلك عن ضعف وليس خيانة للرب والرب يغفر لك...
ونصيحتي لك: امتنع عن القراءات التي تجلب لك الأفكار، وكذلك المعاشرات الرديئة التي توصل إليك هذه الأفكار وأمثالها، فغالبًا ما تكون هذه الأفكار وهذه السماعات، هي أسلحة من الشيطان استخدمها لمقاتلتك كن حكيمًا إذن.
وهذا الأمر يقودنا إلى النقطة التالية: وهي الصداقات الضارة.