هل الدفاع عن الإيمان هو خطية إدانة؟
سؤال: [/color]أجد أمامي أخطاء ضد الإيمان والعقيدة من خدام الكنيسة، فهل لو أظهرتها للناس، وشرحت لهم ما فيها من خطأ، أكون قد وقعت في خطية إدانة؟ أم أصمت لكي تمر الأمور في هدوء؟
الإجابة:
ينبغي أن نفرق بين الحكم على الخطايا الشخصية والحكم على الأخطاء العقيدية، أو الإيمانية.
وليس من حقنا أن نخوض في حياة الإنسان الشخصية، ونلوك سيرته بأفواهنا. مثل إدانة الفريسيين للمرأة الخاطئة التي بللت قدمي المسيح بدموعها (إنجيل يوحنا 7: 39)، أو طلب رجم المرأة المضبوطة في ذات الفعل (يوحنا 8: 4)، أو انتقاد الفريسيين لتلاميذ المسيح، لتناولهم الطعام بأيد غير مغسولة (أنجيل متى 15: 2).
خطية الإدانة تتناول التصرفات الشخصية والحياة الأدبية ..
وهي التي تتعلق بها وصية الرب "لا تدينوا لكي لا تدانوا .. لأنه بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم" (متى 7: 2) .. لأن كل إنسان له خطاياه الشخصية. وعن هذه الخطايا، قال السيد المسيح في قصة المرأة المضبوطة في ذات الفعل "من كان منكم بلا خطية، فليرمها بأول حجر" (يوحنا 8: 7).
وعن التصرفات الشخصية، قال القديس بولس الرسول "من أنت الذي تدين عبد غيرك؟ هو لمولاه، يثبت أو يسقط. ولكنه سيثبت، لأن الله قادر أن يثبته" (رسالة رومية 14: 4).
أما أمور الإيمان، فلا تدخل في خطية الإدانة. بل بالعكس الدفاع عن الإيمان واجب مقدس.
هوذا القديس يوحنا الحبيب، الذي هو من أكثر الناس حديثًا عن المحبة، يقول من جهة الأمور الإيمانية: "إن كان أحد يأتيكم ولا يجيء بهذا التعليم، فلا تقبلوه في البيت ولا تقولوا له سلام لأن من يسلم عليه، يشترك في أعماله الشريرة" (رسالة يوحنا الثانية 10)... (ستجد النص الكامل للكتاب المقدس هنا في موقع الأنبا تكلا) هل يقع من يرفض السلام على مثل هذا الإنسان في خطية الإدانة؟! حاشا. بل لو أنه قبل هذا المنحرف، يقع في خطية .. وهكذا يقول القديس بولس الرسول: "الرجل المبتدع ـ بعد الإنذار مرة ومرتين ـ اعرض عنه. عالمًا أن مثل هذا قد انحرف وهو يخطئ، محكوما عليه من نفسه" (تيطس 3: 10، 11). ويقول أيضًا "انذروا الذين بلا ترتيب" (رسالة تسالونيكي الأولى 5: 4). وأيضًا: "نوصيكم أيها الأخوة باسم ربنا يسوع المسيح: أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب، وليس حسب التعليم الذي أخذه منا" (رسالة تسالونيكي الثانية 3: 6).
هنا تعليم الرسل: لا يكفي بمجرد الإدانة، بل يتطور أكثر إلى إنذار الشخص المنحرف، والإعراض عنه، وعدم قبوله في البيت، وعدم السلام عليه ..
المبتدع، والمنحرف إيمانيًا أو عقيديًا يجب إدانته. وعدم إدانته خطية.
لأن عدم إدانة المنحرف، تجعل تعليمه المنحرف ينتشر، ويأخذ دائرة أوسع، ويؤثر على مجموعة أكبر من الناس. ونكون نحن مقصرين من جهة الإيمان الذي قال عنه الرسول "اكتب إليكم واعظًا أن تجتهدوا لأجل الإيمان المُسَلَّم مرة للقديسين" (يهوذا 3).
وهنا يبدو فرق جوهري بين الخطايا الشخصية والانحرافات العقيدية.
الخطايا الشخصية تنحصر كل منها في شخص معين بالذات، وخطرها واقع عليه، وربما يمتد إلى دائرة ضيقة جدًا. أما خطايا الفكر والعقيدة فإنها تنتشر بسرعة وسط مجموعات كثيرة، وربما تؤثر على الكنيسة كلها، إلى جوار أنها تمس الإيمان. فيجب مقاومتها ومحاربتها.
كل الكنيسة إكليروسًا وشعبًا أدانت أريوس ونسطور وأوطاخي وأمثالهم. ولم تكن خطية إدانة. إنما هي إدانة شرعية واجبة. هي أولًا وقبل كل شيء إدانة للفكر، وللعقيدة الخاطئة ... إدانة لكل تفسير منحرف للكتاب المقدس. والذين تزعموا إدانة المنحرفين في العقيدة، اعتبرتهم الكنيسة من أبطال الإيمان، أمثال القديس أثناسيوس، والقديس كيرلس الكبير، والقديس باسيليوس، والقديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات... وكذلك الشعب الصامد المتمسك بإيمانه، الذي رفض تلك البدع.
هل نقصر إذن في الدفاع عن الإيمان بحجة الإدانة؟! حاشا. هناك فرق بين الإدانة الواجبة، وخطية الإدانة.
أترانا لا ندافع عن الإيمان ضد بدع شهود يهوه و الأدفنتست السبتيين وأمثالهم، خوفًا من خطية الإدانة؟! وإذا وقع أحد داخل الكنيسة في خطأ إيماني أو عقيدي، هل نجامله على حساب الإيمان؟! وهل نتخوف من الوقوع في الإدانة؟ كلا، فإدانته فضيلة. وعدم إدانته تقصير في حق الإيمان.
إن الحديث عن الإدانة هنا حديث عن أمر في عكس موضعه.