إِنْسان الخطية
أو الأثيم أو الفاجر أو المستبيح:
1- وصف الرسول بولس لإنسان الخطية:
ورد ذكره في رسالة الرسول بولس الثانية إلي أهل تسالونيكي (2: 3-10) في حديثه عن استعلان قوة عالمية ضد المسيح قبل ظهور المسيح ثانية، الذي ظن بعض التسالونيكيين بأنه قد حضر (2: 2)، فيقول لهم الرسول إن "يوم الرب" لا يأتي -كما سبق أن علمهم (2: 5)- "إن لم يأت الارتداد أولًا ويستعلن إنسان الخطية" (الأثيم -الفاجر- 2: 8) ويسميه أيضًا "ابن الهلاك" (2: 3).هذا الأثيم يعظم نفسه ويرتفع "علي كل ما يدعي إلهًا أو معبودا .. و"ويجلس في هيكل الله كإله مظهرًا نفسه أنه إله" (2: 4). وهناك قوة في الوقت الحالي تحجز ظهوره، وعندما ترتفع هذه القوة، فحينئذ يستعلن الأثيم (2: 6و 8)، وعندئذ يبلغ "سر الإثم" -الذي يعمل الآن - أقصي مداه (2: 7و 8). ومجيء "إنسان الخطية" هذا بقوة الشيطان ستصاحبه آيات وعجائب كاذبة بكل خديعة الإثم، فينخدع بها كثيرون للهلاك (9, 10)، ولكن لن يستمر هذا طويلًا (عد 6) "فسيبيده الرب يسوع بنفخة فمه (انظر إش 11: 4) ويبطله بظهور مجيئه" (2 تس 2: 8).
2- التفسيرات المختلفة عن موضوع إنسان الخطية:
هناك نظريات وتفسيرات تفوق الحصر، عن هذا الجزء من أقوال بولس الرسول، إليك بعضها منها:
أ- هناك رأي يحبذه المحدثون من النقاد - بأن هذا الجزء لا يحتوي علي نبوة (فبولس حسب فكرهم لا يعرف المستقبل) ولكنه مجرد فكر من الرسول مبني علي دانيال (8: 23 وما بعده، 11: 36 وما بعده) وعلي الأفكار الشائعة عن ضد المسيح، وهو رأي لا يمكن أن يرضي أو يقنع من يؤمنون بحقيقة رسولية بولس وأنه قال ذلك بالوحي الإلهي.
ب- يربط البعض بين "إنسان الخطية" وكاليجولا أو نيرون أو غيره من أباطرة الرومان، وفي الواقع لقد أمر كاليجولا أن تُرْفَع إليه التضرعات باعتباره الإله الأعلى، وأراد أن يقام له تمثال في هيكل أورشليم، ولكن كان هذا قبل زيارة بولس لتسالونيكي. كما أن أعمال هذا المجنون لا يمكن أن تكون أساسًا لنبوة بهذه القوة وهذه الأهمية.
ج- التفسير المقبول لدي البروتستنت هو أنها إشارة إلي البابوية التي يرون فيها الكثير من الملامح التجديفية التي تحدث عنها بولس، فهيكل الله مقصود به الكنيسة، والقوة التي تحجز هي الإمبراطورية الرومانية، وأن "إنسان الخطية" لا يشير إلي فرد بل إلي نظام معين، ومن لعسير- علي أي حال -مقاومة الانطباع بأن الرسول بولس يعتبر أن "سر الإثم" سيبلغ الذروة في فرد بعينه، هو ضد المسيح، كما أن وصف الرسول، يستبعد معه الظن بأنه شخص مسيحي ولو بالاسم.
د- يبقي الرأي الذي اعتنقه الآباء والذي يلقي القبول من كثيرين الآن، وهو أن "إنسان الخطية"-في هذا النص- هو فرد فيه ستتجسد الخطية -قبيل مجيء المسيح ثانية - في أشد صورها فجورًا ونكرانًا لله، ويمكننا إهمال كل المحاولات لربط هذه الشخصية بأي من الشخصيات التاريخية، وليس معني ذلك أن الفكرة نفسها غير صحيحة، والصعوبة هي أن الرسول بولس يتحدث وكأن ظهور "إنسان الخطية" قريب- ولكن، قطعًا ليس فورًا، كما أنه ليس بعد زمن بعيد، أي بعد ألفي سنة مثلًا، ويربط بينه وبين مجيء المسيح ثانية ودينونة الأشرار (انظر 2 تس 1: 7-9)، بدون أي إشارة واضحة إلي مدة " الألف السنة" سواء قبل ذلك أو بعده.
3- الفكرة الجوهرية عن موضوع إنسان الخطية:
ويبدو أن الأسلم في ضوء صعوبة هذا النص، أن نتمسك بالفكرة العامة الموجودة به، وان نترك التفاصيل إلي أن تقع الأحداث فعلًا. وفي الكتاب المقدس، بل وفي أقوال المسيح نفسه (انظر مت 13: 30و 37- 43، 24: 11-14، لو 18: 8) ما يؤيد الاعتقاد بأنه قبل انتصار ملكوت المسيح نهائيًا ستأتي فترة من الضيق العظيم. وضعف الإيمان، وانتشار الارتداد، حيث يبلغ الشر والخير مداهمًا ("دعوهما ينميان كلاهما معًا إلي الحصاد" (مت 13: 30)، ومع الانتصار الظاهري للشر علي الخير سيكون ذلك وقتًا عصيبًا صارمًا رهيبًا، ينتهي بتدخل ابن الإنسان تدخلًا حاسمًا "بظهور مجيئه" دون توضيح كامل لكيفية هذا الظهور. وستكتسح قوة الشر الصاعدة القانون والحكومات- وهي التي تمنع انتشار الفوضى، وكان يمثلها في عهد الرسول بولس، الإمبراطورية الرومانية- فيستشري الإثم، ويتقمص الشر شخصية رئيسية معينة. والمرمي النهائي للنبوة لا يمنع من إتمامها جزئيًا في فترات من التاريخ إرهاصًا بإتمامها النهائي.