وقف المنادى فى أحد المزادات العلنية و هو يحمل آلة الكمان الموسيقية المخترق ، يتأمل فى نفسه إن كانت الآلة تستحق الوقوف و المناداة
عليها .
و لكنه عزز موقفه بإبتسامة رقيقة و نادى فى الجمهور قائلاً : خمسون سنتاً .. أجل خمسون سنتاً نفتتح بها هذا المزاد ، من يزيد ؟ من يزيد ؟
دولار ... دولار و نصف ... دولاران .... من يزيد ؟ دولاران ، من يزيد ؟ .. دولاران ، من يزيد ؟
سمع صوتاً يقول : ثلاثة دولارات ، فردد من بعده : ثلاثة دولارات ... ثلاثة دولارات ... واحد ، إثنان ... و قبل أن يعد ثلاثة ، و يعطى الكمان لمشتريه ، إذ بشيخ عتيق الأيام يشق طريقه من وسط الجمع ، و تصل يده للكمان المخترق ، فيمسح الغبار من عليه ، يشد أوتاره المرتخية ، ثم يعزف عليه لحناً جميلاً يحرك المشاعر و يسبى القلوب.
توقفت الموسيقى ، و عاد المنادى بصوت رقيق يسأل : و الآن من يزيد ؟ جاءه الرد ... مائة دولار .. مائتان ... مائتان ، من يزيد ؟ ... ثلاثة مائة
دولار واحد .. إثنان .. ثلاثة ، مبروك .
صفق الجميع و هتف ، لكن البعض تعجب و استغرب قائلا : ما الذى غيّر قيمة هذا الكمان ؟!
و جاء الجواب : لمسة الأستاذ العازف.
ما هى قيمة النفس الإنسانية ؟ و لاسيما عندما تتجرح و تتعب ، ماذا تساوى حياتنا فى نظرنا عندما نصاب باليأس ؟.. غالبا لا شئ!
لذلك يلجأ البعض إلى إنهاء حياتهم بأيديهم ، إذ فقدت قيمتها لديهم .
إن كنت – صديقى العزيز – تجتاز مرحلة يأس و تشعر نفسك مُجرح و مُتعب ، سلمها للعازف ، سلمها لخالقها .. اسمح له أن يمسح الغبار من عليها ، فتعود لك البهجة ، و كذا لغيرك ..
[ لذلك - نحن - لا نفشل ، بل و إن كان إنساننا الخارجى يفنى ، فالداخلى يتجدد يوماً فيوم ] ( كورنثوس الثانية ٤ : ١٦ )
عن كتاب تأملات من_حياتنا