|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مفهومه للكتاب المقدس الكتاب المقدس... حياة معاشة ما أكثر الذين كتبوا عن الكتاب المقدس كإنجيل معاش ودخول عملي إلى مقدسات الله، في تلاق مباشر مع الله خلال كلمته. أما القديس يوحنا، فسر قوته لا يكمن في مجرد بلاغته أو فصاحته في الكشف عن مفهوم الكتاب المقدس أو تفسير نصوصه، لكنه قدم لنا حياته مثلًا حيًا لفهم الكتاب. كانت حياته إنجيلًا مفتوحًا! فمنذ صباه أعطى ظهره لفصاحته وشهرته، واضعًا في قلبه مع صديقه باسيليوس أن يكرس حياته بكاملها "الحياة المقدسة الإنجيلية". بعيدًا عن الأعين. وجاءت حياته الديرية تضمه إلى جماعة هي أقرب إلى "مدرسة تفسيرية" منها إلى "جماعة ديرية"، مع هذا لم يفكر قط أن يجعل من كتابه المقدس مادة للمعرفة البحتة أو التعليم أو الكتابة أو الجدال... بل احتضن "فكر الجماعة التفسيري" لكي يدخل به إلى "حياة الوحدة" يمارس "الفضيلة الإنجيلية". أخيرًا خرج للخدمة، واعتلى المنبر وبدأ يفسر، فأحس الشعب بعذوبة الكتاب لا من خلال منبره وبلاغته وفصاحته، بل بالأكثر في نسكياته وحبه ورعايته وأبوته الصادقة. لقد فسر الكتاب بقلبه وتصرفاته الخفية والظاهرة قبل ما يفسره بلسانه وشفتيه! لقد عرف الشعب في الكتاب مادة حياة وشركة، لا مادة معرفة نظرية أو بحث وحب استطلاع. هذا المنهج العملي الذي لمسه الشعب في أبيهم، أعلنه هو لهم في أكثر من موضع، فقد شبه الكتاب المقدس بالأنهار التي لا نعرف أعمقها، لكن يكفينا أن نميل ونشرب منها ونرتوي، ونبحر فيها، عوض أن نفسد أوقاتنا في قياس أعماقها ونحن نموت ظمأ(2)! مرة أخرى يحث شعبه قائلًا(3): "من يعرف الكتب المقدسة كما ينبغي لا يتعثر في شيء... علامة المعرفة الحقة إلا تكون محبًا للاستطلاع في كل شيء، ولا ترغب في (مجرد) التعرف على كل شيء!". الكتاب المقدس... لقاء عملي! إذ بدأ القديس يوحنا يفسر لشعب إنطاكية إنجيل معلمنا متى البشير في السنة الأولى من قسوسيته أخذ بكشف لهم ما هو الكتاب المقدس؟ أنه لقاء مع الله واهب الحياة! تعرف آدم على "الكتاب المقدس"، ليس ككتاب مسجل بحبر على ورق، لكن "كشركة مع الكلمة الإلهي" وتلاقى مباشر معه. حتى بعد السقوط، إذ لم يكن الآباء قد انحرفوا إلى شدة الضعف الذي بلغه جماعة اليهود، كانت تكفيهم الكلمة الشفهية. "فبالنسبة لنوح وإبراهيم ونسله وأيوب وموسى أيضًا، تحدث الله مع هؤلاء لا بالكتابة بل حديثًا شفهيًا، تحدث معهم بنفسه إذ وجدت عقولهم نقية. ولكن إذ صار الشعب اليهودي كله ساقطًا في هوة الضعف وجدت الكلمة المكتوبة والألواح وقدمت النصائح بهذه الكيفية(4)". فالكلمة الإلهية جاءت مكتوبة من أجل الضعف البشري، لهذا يليق بالمؤمن أن يترجم "الكتابة" إلى عمل... هذا ما انتهى إليه القديس، قائلًا(5): "يليق بنا حقًا لا أن نطلب معونة الكلمة المكتوبة فحسب، بل أن نظهر حياتنا نقية هكذا، فتكون نعمة الروح عوض الكتب بالنسبة لنفوسنا فكما كتبت بالحبر في الكتب تسجل بالروح في قلوبنا". قوة الكلمة جاءت عظته التالية تعلن قوة الكلمة في حياة الناس وفاعليتها في النفس قائلًا(6): "كلمة واحدة من الكتب الإلهية هي أكثر فاعلية من النار! إنها تلين قسوة النفس، وتهيئها لكل عمل صالح". يهمس إبليس قائلًا: "لا قيمة لسماع الوصايا الإلهية". وهو يفعل هذا خشية أن نسمع الوصايا ونطلب ممارستها. أقواله في قوة الكلمة "معرفة الكتب المقدسة تُقوي الروح، وتُنقي الضمير، وتنزع الشهوات الطاغية، وتعمق الفضيلة، وتتسامى بالعقل، وتعطي قدرة لمواجهة المفاجآت غير المنتظرة، وتحمي من ضربات الشيطان، وتنقلنا إلى السماء عينها، تحرر الإنسان من الجسد، وتهبه أجنحة للطيران(7)". "عظيم هو نفع الكتب الإلهية! عونها يحمل إلينا كل كفاية: هذا ما أعلنه بولس قائلًا(8): "لأن كل ما سبق فكُتب لأجل تعليمنا، نحن الذين انتهيت إلينا أواخر الدهور"... الأقوال الإلهية هي كنز، هي مصدر غنى بالأدوية، بها يستطيع الإنسان -إن أراد- أن يطفئ الكبرياء، وينعم بالهدوء في نومه، ويطأ محبه المال تحت قدميه، ويستهين بالألم، وينعم بالثقة، ويقتني الصبر(9)". "لا يمكن لمن أنعم عليه بفاعلية كلام الله أن يبقى هكذا في هذا الانحطاط الحاضر، بل بالأحرى يطلب له جناحين ينطلق بهما حالًا إلى الأرض العلوية، مكتشفًا نور الصالحات غير المحدودة(10)". "إن كان الشيطان يعجز عن الاقتراب من بيتنا مادام قد وضع فيه الكتاب المقدس، فكم بالأولى لا يقدر روح شرير أو قوة خاطئة على الدخول في نفس تحمل مشاعر إنجيلية، أو حتى الاقتراب منها! إذن فلتقدس نفسك وجسدك، ليكن لك هذا في قلبك وعلى لسانك(11)" "اهتموا بدراسة الكتب المقدسة، فإنكم إن فعلتم هذا، ينزع الكتاب عنكم قنوطكم ويولد فيكم السرور. يستأصل الرذيلة ويعمق الفضيلة، يخلصكم وسط ضوضاء الحياة من الأمواج الثائرة ضدكم، فالبحر يهيج أما أنتم فتبحرون كما في جو هادئ مطمئن، إذ تكون دراسة الكتاب المقدس أشبه بقبطان يقود حياتكم، ومرساة لا تقدر تجارب الحياة أن تكسرها(12)". "أوراق الشجر التي تحتمي القطعان تحتها وقت الظهيرة من أجل الظل وطلب النعاس، ليست في قيمة الكتب المقدسة وهي تهب النفوس الحزينة عذوبة وسط الألم(13)". "إن حل بك الحزن تعمَّق في الكتب المقدسة كما في خزانة الأدوية، فستجد راحة من أتعابك، سواء كانت بسبب خسارة أو موت أحد الأقرباء أو حرمتك منه... لتقتن الكتب وأودعها في ذاكرتك. عدم معرفة الكتب المقدسة هو علة كل الشرور، إذ ندخل المعركة عزلًا من السلاح، فكيف نقدر أن نغلب؟(14)" الكتاب المقدس في حياة الرهبان الكتاب المقدس هو سر "الحياة الرهبانية" أيضًا، كحياة إيمانية كنسية إنجيلية عملية فالراهب في ديره أو مغارته يلتقي بالله مخلصه خلال سلوكه الإنجيلي. لقد وصف الكاهن يوحنا لشعبه الحياة الديرية -أسعد أيام حياته- فقال عن الرهبان: "أنهم يغتذون بطعام كلي السمو، فلا يجلسون أمام بعضهم البعض يطهون لحوم حيوانات، بل يعدون أقوال الله قوتًا لهم. يضعون أمامهم عسلًا وشهدًا، عسلًا عجيبًا أسمى من الذي اغتذى به يوحنا في البرية، إن هذا العسل لا يجمعه نحل البرية من الأزهار، ولا يضعونه في خلايا، إنما هو عمل نعمة الروح تلقيه في أرواح القديسين... فيأكلون منه بغير انقطاع في أمان! يحوم هذا النحل (الرهبان) حول الكتب المقدسة، يجمعون لهم منه سعادة عظيمة!(15)" وحدة العهدين القديم والجديد إذ يتحدث عن فاعلية الكتاب المقدس في حياة المؤمنين يؤكد لنا أنه يقصد بذلك الكتاب المقدس كوحدة واحدة، فإن "العهدين مترابطان معًا ومتضافران كل منهما مع الآخر(16)". في بدء خدمته الكهنوتية عندما وقف يعاتب شعبه لعدم اكتراثهم بالكتاب المقدس لم يفصل بين عهديه، بل على العكس كان يبدأ بالمزامير قبل أن يذكر الكتاب المقدس ككل، إذ يقول لهم(17) "أخبروني، إن سألت أحد الحاضرين أن يتلوا مزمورًا واحدًا أو جزءًا من الكتب المقدسة عن ظهر قلبه هل أجد من يقدر؟ لا أجد...". "كل الكتاب المقدس يهب تعزية للذين يصغون إليه(18)". "تستطيع أن تنال تعزية وفيرة لا من العهد الجديد وحده، وإنما من العهد القديم أيضًا(19)". |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
القديس يوحنا ذهبي الفم الكتاب المقدس في حياة الرهبان |
القديس يوحنا ذهبى الفم |
القديس يوحنا ذهبي الفم |
القديس يوحنا ذهبي الفم |
كتب القديس يوحنا ذهبى الفم |