"فسَوفَ يَأتي ابنُ الإِنسانِ في مَجدِ أَبيهِ ومعَه مَلائكتُه، فيُجازي يَومَئِذٍ كُلَّ امرِئٍ على قَدْرِ أَعمالِه" (متى 16: 27).
ربط يسوع بين مصير التلاميذ ومصيره حيث انهم إن لم يزهدوا من أجله في أنفسهم ويحملوا صليبهم، فهم ليس تلاميذه ولا هم محبُّوه. وحيث ان كل موت من اجل المسيح تعقبه قيامة وحياة يلزم أولًا هدم الإنسان القديم ليقوم الإنسان الجديد، خلال صليب ربّنا يسوع المسيح وقيامته. فما نعيشه الآن في المسيح يسوع خلال الإيمان ننعم به في كمال المجد خلال القيامة. ويعلق القدّيس كيرلُّس الأورشليمي "نحن نعترف بالصليب لأنّنا اختبرنا القيامة. لو بقي المصلوب ميتًا، لما كنّا اعترفنا بالصليب، بل كنّا أخفيناه وأخفينا سيّدنا يسوع المسيح. لكنّ القيامة جاءت بعد الصليب، ولا نخجل من الحديث عنه"(التعليم المسيحي العمادي الثالث عشر).
إن كان الإيمان هو أساس الملكوت يلزم أن يكون "عمليًا" أي من خلال الزهد في النفس وحمل الصليب واتباع يسوع حتى يقدّم لنا السيّد الأكاليل الأبديّة مجازيًا " الإِنسانَ بِحَسَبِ عَمَلِه"(مزمور 62: 13). فالملكوت السماوي ليس غريبًا عن الملكوت الداخلي بل اِمتداد له. إن كان السيّد المسيح قد دفع تكلفة الملكوت على الصليب، فإنّنا لا ننعم بهذا الملكوت ولا ننمو فيه ما لم نشترك إيجابيًا فيه بحمل الصليب مع عريس الملكوت المصلوب.
نستنتج مما سبق ان يسوع يتنبأ هنا عن صليبه وها هو يتحدث مباشرة عن صليب تلاميذه، لان الصليب هو طريق المجد الوحيد، أليس هو من قال "أَما كانَ يَجِبُ على المَسيحِ أَن يُعانِيَ تِلكَ الآلام فيَدخُلَ في مَجدِه؟" (لوقا 24: 26)، وهو أيضا صليب تلاميذه، كما هو طريقه أيضا. وسيتحمل التلاميذ نفس الآلام كمعلمهم وسيكافئون مثله في النهاية. فالألم والموت سيتحوَّل الى مجد القيامة. الموت والقيامة هما قلب الانجيل ونواة الايمان في الجماعة المسيحية الاولى. ان حدث الصليب والقيامة يدوم ويجتذب الى الحياة كل شيء كما جاء في تعليم المسيحي الكاثوليكي (بند 1085).