|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عاشت فيرونيكا المشاركة بالمحبّة المتألّمة لِيسوع بطريقة عميقة، وهي على يقين من أنّ “التألّم الفَرح” هو “مفتاح المحبّة” وهي توضِح أنّ يسوع تألّم من أجل خطايا البشر، ولكن أيضًا للمعاناة التي سيضطرّ المؤمنون إلى تحمّلها على مرّ القرون، في زمن الكنيسة، بسبب إيمانهم القويّ والمُلتزم تحديدًا. وتكتب: “لقد أراه أبوه السرمديّ وأسمعه في تلك اللحظة كلَّ معاناةٍ كان عليهم أن يعانوها مُختاروه، أعزّ النفوس عليه، أي تلك التي من شأنها الاستفادة من دمه وكلّ آلامه” كما يقول الرسول بولس عن نفسه: “إنّي أفرح الآن بالآلام التي أُعانيها من أجلكم، وأُتِمُّ في جسدي ما نقص من الم المسيح، من أجل جسده الذي هو الكنيسة” (الرسالة إلى أهل كولوسّي 1، 24). وتوصّلت فيرونيكا لأن تطلب من يسوع أن تُصلَب معه: فتكتب “وفي لحظة، رأيت أنّ شُعاعات ساطعة خرجت من جراحه الخمس؛ وأتت كلُّها صوبي. ورأيت هذه الشعاعات تصير كشعلات صغيرة. كانت هناك في أربع منها المسامير؛ وفي واحدة الحربة، كالذهب مشتعلة بكاملها: واخترقت قلبي، من جهة لأخرى… ومرّت المسامير يديَّ ورجليّ. شعرت بألمٍ كبير؛ ولكن في الألم نفسه، كنت أرى وأشعر بنفسي متحوّلةً كليًّا إلى الله اقتنعت القدّيسة بالمشاركة منذ الآن في ملكوت الله، ولكنّها تبتهل في الوقت نفسه إلى جميع قدّيسي الوطن المُبارك كي يساعدوها في بذل ذاتها على الدرب الأرضيّ، بانتظار السعادة الأبديّة؛ هذا هو الطموح الثابت في حياتها وبالمقارنة مع وعظ تلك الأزمنة، الذي غالبًا ما كان يركِّز على “خلاص النفس” بِعبارات فرديّة، تُظهِر فيرونيكا حِسًّا “تضامنيًّا” قويًّا، في الشركة مع جميع الإخوة والأخوات في طريقهم نحو السماء، وتعيش وتصلّي وتتألّم من أجل الجميع. أمّا الأشياء الأخرى، الأرضيّة، وإن كانت محطّ تقدير بالمعنى الفرنسيسكانيّ كَهبة من الخالق، فهي دائمًا نسبيّة، وخاضعة بالكامل لـ “ذوق” الله وتحت سِمة الفقر الجذريّ. توضِّح في الشركة المقدّسة بذلَها الكنسيّ، والعلاقة بين الكنيسة الحاجّة والكنيسة السماويّة. فتكتب: “جميع القدّيسين هم هنالك في السماء بفضل استحقاقات يسوع وآلامه؛ لكنّهم تعاونوا مع ربّنا في كلّ ما قام به، بحيث أنّ حياتهم كانت كلّها مُرتّبة، تنظِّمها أعماله نفسها” – نجد في كتابات فيرونيكا العديد من الاستشهادات المأخوذة من الكتاب المقدّس، بشكلٍ غير مباشر أحيانًا، ولكن دائمًا في الوقت الملائم: فهي تكشف عن ألفتها بالكتابات المقدّسة، التي تقتات منها خبرتها الروحيّة. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنّ الأوقات القويّة لتجربة فيرونيكا الصوفيّة لا تنفصل أبدًا عن الأحداث الخلاصيّة التي تحتفل بها الليتورجيا، حيث لإعلان كلمة الله والاستماع مكانٌ خاصّ. فالكتاب المقدّس يُنير خبرة فيرونيكا وينقّيها ويُثبِّتها، فيجعلها خبرة كنسيّة. لكنّ خبرتها الخاصّة تحديدًا، المرتكزة إلى الكتاب المقدّس بِقوّة غير اعتياديّة، تقود من ناحية أُخرى إلى قراءة أعمق و“روحانيّة” أكثر للنصّ نفسه، فتدخل عمقه الخفيّ. إنّها لا تعبِّر بكلمات الكتاب المقدّس فحسب، بل تعيش أيضًا من هذه الكلمات، فتصبح حياة فيها تستشهد قديستنا كثيرًا، على سبيل المثال، بِقول بولس الرسول: “إذا كان الله معنا، فمَن علينا؟” (الرسالة إلى أهل روما 8، 31 ؛ وفيها يصبح استيعاب هذا النصّ البولسيّ، وثقتها الكبيرة هذه وفرحها العميق، أمرًا واقعًا في شخصها: تكتب “ارتبطت نفسي مع الإرادة الإلهيّة وأنا ترسَّختُ وثبتُّ حقًّا في إرادة الله، كان يبدو لي أنّني لن أبتعد عن إرادة الله هذه وَعدتُّ إلى نفسي بهذه الكلمات بالضبط: لا شيء يمكنه أن يفصلني عن إرادة الله، لا ضيق، ولا ألم، ولا شقاء، ولا ازدراء، ولا تجارب، ولا مخلوقات، ولا شياطين، ولا ظُلُمات، ولا حتّى الموت نفسه لأنّني، في الحياة وفي الموت، أريد كلّ شيء، وفي كلّ شيء، إرادة الله” وهكذا نحن في اليقين أيضًا بأنّ الموت ليس صاحب الكلمة الأخيرة، فنثبت في مشيئة الله و في الواقع، في الحياة إلى الأبد |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|