|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير – القديس كيرلس السكندري 1- الحق يجعل نفسه واضحاً لأولئك الذين يحبونه، ولكنى أظن أنه يحجب نفسه من أمام الماكرين، لأنهم يظهرون أنفسهم بأنهم غير مستحقين لرؤية الحق بنظرة واضحة. ومحبو الإيمان غير الملوم يطلبون الرب “بقلب بسيط” (حك1: 1) كما هو مكتوب . بينما الذين يسيرون فى طرق ملتوية ولهم ” قلب معوج”(مز101 : 4) كما قيل فى المزامير، فإنهم يجمعون، لأجل أغراضهم الخاصة المنحرفة حججاً ماكرة لخطط، لكى يعوجوا طرق الرب المستقيمة، ويضلوا نفوس البسطاء بجعلهم يظنون أنهم يتمسكون بأفكار خاطئة. وأنا أقول هذا بعد أن قرأت المذكرات المرسلة من قداستكم، فوجدت بعض أمور مقترحة غير صحيحة، من أولئك الذين أحبوا انحراف العلم الكاذب الاسم. 2- وكانت اقتراحاتهم هكذا: إن كان عمانوئيل مركباً من طبيعتين، ولكن بعد الاتحاد تعرف طبيعة واحدة متجسدة للكلمة، فيتبع هذا أننا لابد أن نقول أنه اختبر الألم فى طبيعته الخاصة ! (*) آباؤنا المغبوطون الذين وضعوا قانون الإيمان المستقيم أكدوا أن الكلمة الذى من الله الآب، والذى هو من جوهره، والوحيد الجنس، والذى به صارت كل الأشياء، بشخصه تجسد وتأنس (صار إنساناً). ومن الواضح بلا شك أننا لا نقصد أن أولئك الرجال القديسين لم يدركوا حقيقة أن الجسد المتحد بالكلمة كان محيياً بنفس عاقلة، ولذلك، فإن قال أحد إن الكلمة تجسد، فإنه لا يتفق مع الرأى القائل إن الجسد الذى إتحد به (الكلمة) كانت تنقصه النفس العاقلة. وهذا كما أظن، أو بالحرى كما نعلن صراحة، هو ما كان يعنيه الانجيلى يوحنا الحكيم حينما قال إن “الكلمة صار جسداً” (يو1 : 14)، ليس أنه إتحد بجسد بلا حياة، حاشا، ولا أنه تعرض للتغير أو التحول. لقد ظل كما هو، أى إلهاً بالطبيعة، وبعد أن اتخذ وجوداً إنسانياً بأن صار جسداً مثلنا من امرأة، فقد ظل هو الابن الواحد، ليس بدون جسد كما كان سابقاً قبل زمان تأنسه لكنه لبس طبيعتنا. ورغم أن الجسد المتحد بالكلمة المولود من الله الآب، هو جسد محياً بنفس عاقلة، وليس مساوياً لجوهر الكلمة، لكن حيث أن العقل بديهياً يدرك الاختلاف من حيث النوع بين العناصر المتحدة، لذلك نعترف بابن واحد، ومسيح واحد، ورب واحد، لأن الكلمة صار جسداً. وحينما نقول “جسداً”، نقصد “إنساناً”. إذن ما الضرورة لأن يذوق الألم فى طبيعته الخاصة، إذا افترضنا أن هناك تأكيد على طبيعة واحدة متجسدة للابن بعد الاتحاد؟ إن لم تتضمن شروط خطة الله ما هو قابل للألم لصار تأكيدهم صحيحاً أنه فى غياب ما هو قابل للألم فإن طبيعة الكلمة لابد تتعرض للألم، لكن إن كانت عبارة “صار جسداً” تحضر بكل معنى الكلمة خطة تدبير التجسد، (لأن التجسد ليس إلا بأن يمسك نسل إبراهيم، ويشبه أخوته فى كل شئ (فى2 : 7) آخذا صورة عبد)، إذن فمن الجهالة أن يتكلم أحد عن أنه يجتاز الآلام فى طبيعته الخاصة، كعاقبة حتمية، حينما يتحتم أن يكون الجسد مرئياً كأساس لحدوث الألم بينما الكلمة هو غير قابل للألم. ومع ذلك فإننا لا نستبعد أن ننسب إليه الألم. فكما أن الجسد صار ملكاً خاصاً له، هكذا أيضاً ينسب إليه كل ما هو للجسد (ما عدا الخطية وحدها)، وفقاً لخطة الله فى تخصيصه لهذا الغرض. 3- إن كانت هناك طبيعة واحدة متجسدة للكلمة، فلابد أن يحدث نوع من الامتزاج والاختلاط، مع الطبيعة البشرية مما يجعلها تتضاءل بأن تنزع ! هنا أيضاً هم ” يعوجون المستقيم” (مى3 : 9)، ويفشلون فى إدراك أن الحقيقة هى طبيعة واحدة متجسدة للكلمة. لأنه إن كان الكلمة المولود بطريقة سرية من الله الاب ولد كإنسان من امرأة باتخاذه جسداً، ليس جسد بلا حياة بل جسد فيه حياة وعقل، هو بالحقيقة وبالفعل ابن واحد، فلا يمكن أن ينقسم إلى شخصين أو ابنين بل ظل واحداً، لكن ليس بدون جسد أو بطريقة غير مادية، بل له جسده الخاص فى وحدة غير منفصلة. وهذا القول لا يعنى أو يتضمن إمتزاجاً أو اختلاطاً أو أى شئ من هذا القبيل، فكيف يكون هكذا؟ إذا دعونا ابن الله الوحيد الجنس المتجسد والمتأنس، واحداً، فهذا لا يعنى أنه امتزج كما يظنون؛ فطبيعة الكلمة لم تتحول إلى طبيعة الجسد. ولا طبيعة الجسد تحولت إلى طبيعة الكلمة، لا، بل بينما ظل كل عنصر منهما مستمراً فى صفته الطبيعية الخاصة، للسبب الذى ذكرناه، متحداً بطريقة سرية وفائقة لأى شرح، ظهر لنا فى طبيعة واحدة (لكن كما قلت طبيعة متجسدة) للإبن. وعبارة “واحدة” لا تطبق بالضبط على عناصر مفردة أساساً لكن لكيان مركب مثل الإنسان المركب من نفس وجسد. فالنفس والجسد، هما من نوعين مختلفين ولا يتساويان أحدهما مع الآخر فى الجوهر، إلا أنهما فى اتحادهما يؤلفان طبيعة الإنسان الواحدة، على الرغم من أن الاختلاف فى عناصر الطبائع المتحدة موجود فى حالة التركيب. ولذلك فإنهم باطلاً يدَّعون أنه إن كانت هناك طبيعة واحدة متجسدة للكلمة، فانه سيتبع ذلك وجود اختلاط وامتزاج مع الطبيعة الانسانية مما يجعلها تتضائل بأن تنزع. فهى لم تتضاءل ولا نزعت (بحسب تعبيرهم) لأن القول بأنه قد تجسد هو تعبير كاف لحقيقة كونه صار إنساناً. فلو صمتنا على ذلك، لتركنا المجال لنقدهم المغرض. ولكن حيث أننا أضفنا حقيقة أنه تجسد، فكيف يكون هناك أى اقتراح بتضئيل أو إزالة محرومة؟ 4- إن كان هو نفسه يُرى كإله كامل وإنسان كامل، من نفس الجوهر مع الآب بحسب اللاهوت، ومن نفس الجوهر معنا بحسب الناسوت، فأين يكون الكمال إن كانت الطبيعة الإنسانية لم يعد لها وجود؟ وأين مساواته لنا فى الجوهر معنا ، إن لم يعد لجوهرنا أو لطبيعتنا أى وجود ؟ إن الحل أو الرد الذى ورد فى الفقرة السابقة يعتبر كافياً لتغطية هذه النقطة أيضاً. لأننا لو كنا قد تكلمنا عن طبيعة واحدة للكلمة بدون الإضافة الصريحة لعبارة “متجسدة”، فى استبعاد واضح للخطة الإلهية، لصار السؤال الذى يدّعونه عن الطبيعة البشرية الكاملة أو إمكانية استمرار جوهرنا فى الوجود مقبولاً ظاهرياً. ولكن فى تقديمنا عبارة “متجسدة” تعبير عن كماله فى الناسوت وفى طبيعتنا البشرية، فليكفوا إذن عن الاستناد على قضيب مرضوض. سوف يكون هناك سند قوى لإدانة كل من يجرد الابن من كمال ناسوته بطرح الخطة الإلهية جانباً وإنكار التجسد، لكن، إذا، كما قلت، كان حديثنا عن تجسده يحوى إدراك جلى وتام بأنه صار إنساناً، فلن تعد هناك مشكلة فى رؤية أن المسيح وهو الابن الواحد والوحيد، هو الله وإنسان، كاملاً فى لاهوته وكاملاً فى ناسوته. إن كمالك قد شرح بكل صواب وفطنة، الأساس المنطقى لآلام مخلصنا، حينما صممت أن ابن الله الوحيد الجنس لم يختبر شخصياً آلام الجسد فى طبيعته الخاصة كإله، لكنه تألم فى طبيعته الأرضية. ويجب الحفاظ على النقطتين فيما يخص الابن الواحد الحقيقى ألا وهما عدم وجود الألم إلهى ونسبة آلام ناسوته إليه لأن جسده هو تألم بالفعل. لكن هؤلاء الناس يظنون أننا بذلك نقدم ما يسمونه هم “تألم الله”، وهم لا يدركون الخطة الإلهية ويعملون محاولات عابثة لنقل الآلام إلى الإنسان على حدة فى مواصلة حمقاء لتقوى مصطنعة. إن هدفهم هو أن كلمة الله لن يعترف به أنه المخلص الذى أعطى دمه الخاص لأجلنا، بل بالحرى أن يسوع كشخص متمايز هو من ينسب إليه ذلك. هذه الفكرة تلقى بكل مبدأ خطة الله بالتجسد بعيداً، وبوضوح تسئ تفسير سرنا الإلهى بكونه عبادة إنسان. وهم لا يفهمون أن بولس المبارك حينما يدعوه أنه من اليهود“بحسب الجسد” (2كو 1 : 17) ، أى من نسل يسى وداود وأنه “المسيح” ” رب المجد” (1كو2 : 8) وأنه ” الكائن على الكل الها مباركا الى الابد “(رو9 : 5) ، يخصه بالصلب، كما نطق بأن الجسد المسمر على الخشبة هو جسد الكلمة نفسه. 5- لقد فهمت أن هناك مبحثاً آخر قد أثير: بالتأكيد من يقول إن الرب تألم فى الجسد على وجه التحديد إنما يفسر الألم بأنه غير معقول ولا إرادى. ولكن إن قال أحد إنه تألم بنفسه وعقله لكيما يجعل الألم إرادياً، فليس هناك ما يمنع القول إنه تألم فى طبيعته البشرية. ولكن إن كان هذا حقيقياً فكيف لا نكون مقرين بأن الطبيعتين قائمتان بدون انفصال بعد الاتحاد؟ والنتيجة أننا إن اقتبسنا القول التالى أن “تألم المسيح لأجلنا بالجسد” (1بط4 : 1)، فهذا لا يعنى سوى أن المسيح تألم لأجلنا فى طبيعتنا ! إن هذا الاعتراض ما هو إلا هجوم جديد ضد الذين يؤكدون طبيعة واحدة متجسدة للإبن، وهم يرغبون ظاهرياً فى أن يبرهنوا على التأكيد التافه الذى يناقشونه بعناد عن وجود طبيعتين قائمتين. لكنهم قد تناسوا حقيقة أن كل الأشياء التى يتم عادة التمييز بينها على المستوى الذهنى فقط، تنعزل تماماً فى الاختلاف المتبادل والفردية المنفصلة. فلنأخذ مرة أخرى مثال الإنسان العادى. إننا ندرك أن هناك طبيعتين فى هذا الإنسان، إحداهما هى النفس والأخرى هى الجسد. ولكننا نقسمهما فى الفكر فقط، قابلين الاختلاف ببساطة على أنه فى البصيرة الداخلية والإدراك الذهنى فقط، فنحن لا نفصل الطبيعتين، ولا ننسب إليهما قدرات على الانفصال الجذرى، لكننا ندرك أنهما ينتميان إلى كائن حى واحد حتى أن الاثنين لا يعودوا بعد اثنين، والكائن الحى الوحيد يكمل من طبيعتين. فعلى الرغم من أننا ننسب الطبيعة البشرية والطبيعة الإلهية إلى عمانوئيل، إلا أن الطبيعة البشرية صارت طبيعة الكلمة الخاصة، ومعها يثرى ويُدرك أنه الابن الواحد. إن الكتاب الإلهى الموحى به يقول أنه تألم بجسده، فمن الأفضل أن نستخدم نحن أيضاً هذه الألفاظ بدلاً من أن نقول “فى الطبيعة الإنسانية”، حتى لو كانت هذه العبارة لا تسئ بالمرة إلى حقيقة السر، إلا إذا فهمت كما فى الإدراك المنحرف للبعض. لأنه ما هى الطبيعة الإنسانية سوى جسد حى عاقل؟ وأننا نؤكد أن الرب تألم فى الجسد؟ فالحديث سوف يكون بلا جدوى إذا تكلموا عن أنه تألم فى طبيعته الإنسانية فاصلين وعازلين إياها عن الكلمة، حتى يفكروا فيه أنه اثنين وليس واحد، الكلمة الذى من الله الآب، بل والمتجسد والمتأنس. وعبارة “غير المفترق” التى أضافوها يبدو كما لو كان لها مفهومنا المستقيم، لكن ليس هذا ما يقصدونه. أن عبارة “غير المفترق” فى حديث نسطور الفارغ تستخدم بمعانى مختلفة. فهم يقولون أن الإنسان الذى سكن فيه الكلمة هو غير مفترق عنه فى مساواة الكرامة والرغبة والسلطة. والنتيجة هى أنهم لا يستخدمون الألفاظ فى معناها المباشر لكن بخداع وبطريقة مؤذية. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|