|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التجربة على الجبل والصوم الأربعين لم يبدأ السيد المسيح خدمته مباشرة بعد أن تعمد فى نهر الأردن، بل أقتيد “بالروح فى البرية أربعين يوماً يجرب من إبليس” (لو4: 1، 2). بعد الإعلان السماوى العجيب حينما أتى صوت الآب من السماء المفتوحة “هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت” (مت3: 17)، والروح القدس الذى ظهر بهيئة جسمية مثل حمامة آتياً من السماء ومستقراً على رأسه؛ كان من المتصور أن يبدأ السيد المسيح خدمة مجيدة قوية مؤيَّدة بالإعلان السماوى وروحه القدوس ولكن ما حدث هو العكس.. خرج يسوع بقوة الروح القدس إلى البرية أربعين يوماً فى القفر، ولم يأكل أو يشرب طوال هذه المدة، بل كان مع الوحوش وحيداً.. بعيداً عن الناس.. بعيداً عن إعجابهم ومديحهم وإطرائهم.. بلا مؤنس بلا تعزية من البشر.. لا أحد يخدمه أو يقدم له شيئاً من الراحة. إن العقل يقف حائراً أمام هذا المشهد الغريب والعجيب: الابن الوحيد الأزلى للآب السماوى، كلمة الله الذى تخضع له كل الخليقة وهو الذى يحملها بقدرته الإلهية. حينما أخلى ذاته ووضع نفسه، وأقتيد بالروح فى البرية القفرة، إذ أنه تجسد فوجد فى الهيئة كإنسان وأطاع إلى المنتهى.. وسمح للشيطان أن يُجرِّبه. كان اتضاع السيد المسيح هو سبب تجاسر الشيطان فى أن يتقدم ليجربه، لأنه حينما صام فى البرية صار فى حالة من الإعياء والتعب الشديد، إذ جاع جوعاً شديداً -من حيث إنه شابهنا فى كل شئ ماخلا الخطية وحدها- فلم يمنع عن جسده التعب والجوع.. ولهذا اعتقد الشيطان إنه من الممكن أن يُجرّب السيد المسيح كإنسان. أمام هذا السر العجيب الذى لتجسد الكلمة، انحمق الشيطان وتقدم ليُجرِّب السيد المسيح فى جسارة عجيبة، انتهت بهزيمته فى البرية، تمهيداً للهزيمة الكبرى عند صليب الجلجثة. كان السيد المسيح يريد أن يرسم لنا طريق الانتصار بالاتضاع ولهذا لم يبدأ خدمته بعد مجد الظهور الإلهى عند نهر الأردن وهو الظهور الذى أعلن سر الثالوث القدوس، ولكن بدأ خدمته فى ساحة التجربة فى البرية فى القفر. حقاً “كل مجد ابنة الملك من داخل” (مز44: 13)، فالمجد الداخلى لازم وضرورى لإثبات أصالة النفس البارة المقدسة. أما من يسعى وراء الأمجاد الخارجية ومديح الناس فإنه يكون عرضة للسقوط فى الكبرياء والمعصية. البعض للأسف يبحثون فى خدمتهم عن مظاهر خلابة تجذب الناس وراءهم.. ويهتمون ويفرحون بالأمور الخارقة للطبيعة التى تبدو فى ظاهرها مؤيدة لإرساليتهم، ويسقطون فى خداعات الشياطين، لأن الشيطان يستطيع أن يغير شكله إلى شبه ملاك نور. المسلك المتضع الهارب من المجد والمظاهر الخارجية، هو برهان صدق الإعلان السماوى وصدق المعجزات الخارقة. ينبغى أن تُختبَر أصالة الخدمة فى ساحة الاتضاع وإنكار الذات أولاً، لأن الذهب النقى يختبر بالنار. المحبة الحقيقية تُختبر بالألم، والخدمة السماوية تُختبر بالاتضاع وإنكار الذات وبالطاعة والمسكنة والخضوع. هل هناك من هو أعظم مجداً من الابن الوحيد الذى هو “بهاء مجده ورسم أقنومه” (عب1: 3).. ومع ذلك فإنه حينما تجسد وصار إنساناً مثلنا، قدّم لنا مثالاً فى خدمته الخلاصية بأن بدأها بالاتضاع. فما الذى يمكن أن يفعله الرب أكثر من ذلك ليحذرنا من غواية الشياطين فى خدمتنا؟. إن الروح القدس هو الذى يستطيع أن يقود أفكارنا ونحن نفحص أصالة كل خدمة وبرهان تأييد السماء لها، لهذا يقول معلمنا يوحنا الرسول: “أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح هل هى من الله” (1يو4: 1). “وكما سمعتم أن ضد المسيح يأتى، قد صار الآن أضداد للمسيح كثيرون… منا خرجوا لكنهم لم يكونوا منا لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا، لكن ليظهروا أنهم ليسوا جميعهم منا. وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شئ” (1يو2: 18-20). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
التجربة علي الجبل |
التجربة على الجبل |
التجربة على الجبل والصوم الأربعين |
التجربة على الجبل |
التجربة على الجبل |