|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مريم العذراء والروح القدس بمناسبة بدء الشهر المريمي غداً وبعد ايام عيد العنصرة (حلول الروح القدس)، سوف اتناول موضوع مريم العذراء والروح القدس. النصّ الكتابي الرئيسي في هذا الموضوع هو جوابُ الملاكِ على تساؤل مريم حول إمكانيّة حبلها: فَقالَت مَريَمُ لِلمَلاك: “كَيفَ يَكونُ هذا وَانا لا أَعرِفُ رَجُلاً ؟” فأَجابَها الـمَلاك: “إِنَّ الرُّوحَ القُدُسَ سَينزِلُ عَليكِ وقُدرَةَ العَلِيِّ تُظَلِّلَكِ، لِذلِكَ يَكونُ الـمَولودُ قُدُّوساً وَابنَ اللهِ يُدعى” (لوقا 1: 34-35) قليلٌ من التأمّل بهذه الآية يجعلنا نفهم سرّ مريَم وعظمةَ ما صنعُه الله (بواسطتِها ولأجلِها) وإلى أيّ كرامةٍ رفَعُها … مَريَم كانت جديرةً بِنِعَمِ اللهِ، فصانها بالكمال والنقاوة والقداسة، لذلك رسخت فيها نِعَمُ الله، بل صارت نعمُ الله جزءاً لا يتجزّأُ من مريم. شرح النص: إِنَّ الرُّوحَ القدُسَ سَينزِلُ عَليكِ: ينزلُ الروحُ القُدُس على مريم زارعاً في أحشائها كلمةَ الله. وهذا الروح لن يغادِرَ مَريَم بعدَ إتمامِ مهمّته، فهو يتّحدُ بها إلى الأبد لكونَها حفظت الأمانة. وقُدرَةَ العَلِيِّ تُظَلِّلك: ما قُلناه عن الروح القدُس ينطبِقُ على الآب. فظلُّ الآبِ لن يغيبَ عن مَريَم إلى الأبد، لأنّه بمشيئته اختارَها أن تكونَ أمًّا لابنه. لِذلِكَ يَكونُ الـمَولودُ قُدُّوساً وَابنَ اللهِ يُدعى: ابن مريَمَ هو قدّوسٌ أيّ هو الإلهُ المتجسّد. لا يمكن أن نفكّرَ أنّ ابن الله قد استعمل مَريَم كأداةٍ لتَجَسّدِه، ثمّ تخلّى عنها عندَما حقّق مُبتغاهُ؟ بل بقيت أمَّهُ المقربة، هو الّذي “تَرَعَرعَ تحت ذيلِ عنايَتِها مُمْتَلِئاً حِكمَة، وكانت نِعمةُ اللهِ علَيه” (لوقا 2: 40). مريم العذراء هي مسكن الله، ففيها سكن كلمة الله. لذلك يستخدم لوقا للتعبير عن تلك السكنى الألفاظ عينها التي استخدمها العهد القديم لحضور الله في تابوت العهد وخيمة الاجتماع التي كان يوضع فيها. لنقارن بين النصّين التاليين: خروج 40: 34- 35 34 ثمّ غطّى الغمام خيمة الاجتماع، وملأ مجد الربّ المسكن، 35 فلم يستطع موسى أن يدخل خيمة الاجتماع، لأنّ الغمام كان حالاًّ عليه، ومجد الربّ قد ملأ المسكن. لوقا 1: 35 الروح القدس يحلّ عليك، وقدرة العليّ تظلّلك، ومن أجل ذلك فالذي يولد منك يدعى قدوسا وابن الله. بين هذين النصين هناك صلة واضحة، يستخدمها لوقا لإظهار تتابع العهد القديم والجديد والتأكيد أنّ مريم العذراء هي مسكن الله، وأنّ الله يتجلّى فيها كما كان يتجلّى في خيمة الاجتماع وتابوت العهد. يتضمّن هذا التجلّي عنصرين: الغمام المنير الذي يظلّل خيمة الاجتماع ويبقى على نحو ما فوقها وخارجها … ومجد الربّ الذي يملأ المسكن … فالغمام بالعهد القديم هو رمز لحضور الله. وهنا يصبح شخصيّاً ويدعى “الروح القدس” أو “قدرة العليّ”. فالروح القدس، يحلّ على مريم ليظلّلها كما كان الغمام يظلّل خيمة الاجتماع. ونتيجة حضور الله على مريم العذراء تجسّد كلمة الله في أحشائها: “ومن أجل ذلك فالمولودُ منها سيُدعى قدّوساً وابنَ الله”. فكما كان مجد الله يملأ المسكن الذي كان يظلّله الغمام، هكذا سيسكن القدّوس ابن الله في أحشاء مريم. مريم العذراء هي “أمَة الرب” بالهام من الروح القدس فقالت مريم: “ها أنا أمة الربّ، فليكن لي بحسب قولك”. إنّ لفظة “أمة الربّ”، على غرار لفظة “عبد الربّ” (راجع أشعيا 52 – 53)، تعني في الكتاب المقدّس اختياراً من قِبل الله لرسالة خاصّة، وفي الوقت عينه استسلاماً من قِبل الإنسان وخضوعاً لتحقيق تلك الرسالة. لذلك تضيف مريم: “فليكن لي بحسب قولك”، مشيرة بذلك إلى رغبتها في إسهامها الفعلي في تحقيق القصد الإلهي، الخضوع لإرادة الروح القدس. النصّ الثاني الذي يبيّن العلاقة بين مريم العذراء والروح القدس نجده في إنجيل (متّى1 : 18-25)“وأمّا مولد يسوع المسيح فكان هكذا: لمّا خُطبت مريم أمّه ليوسف، وُجِدت من قبل أن يسكنا معاً، حبلى من الروح القدس. وإذ كان يوسف رجلها صدّيقاً، ولم يُرد أن يشهرها، عزم على تخليتها سرّاً. وفيما هو يفكّر في ذلك، تراءى له ملاك الربّ في الحلم وقال: “يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ امرأتك مريم، فإنّ الذي حبل به فيها إنّما هو من الروح القدس” (متّى 1: 18- 25). ولهذا نقول في قانون الايمان: وتَجسَّد من الروح القدس وولد من مريم العذراء ! كلمة (تجسَّد) تعني أنه أخذ جسدا؟ من أي مصدر؟ من الروح القدس ثم ولد من مريم العذراء: العذراء وحدها ما كان ممكناً لها أن تلد طفلا “وهي لا تعرف رجلاً” (لوقا 1: 34). لذلك قال لها الملاك “الروح القدس يَحلُّ عليك”. إنها حالة استثنائية. فقد حلَّ الروح عليها لسببين: أولاً: لكي يكون في بطنها جسد المسيح بدون زرع بشر . وثانيا: لكي يقدسها. بحيث أن المولود منها لا يرث الخطية الأصلية. وهكذا كانت محبول بها بلا دنس. اذاً هو بلا خطية… بل يموت عن خطايا الغير، عبارة (تجسّد) لا تعني فقط أنه أخذ جسدًا بشريًا، بل طبيعة بشرية كاملة، من جسد وروح.. لذلك لم يكتف قانون الإيمان بكلمة تجسّد، إنما أضاف عليها (وتأنس) أي صار إنساناً. في عونيثا لعشية الاربعاء من الطقس الكلداني، تقول: من بيت داود وابراهيم اختار الله العذراء اماً لابنه يسوع، بقدرة الروح القدس حبلت وولدت مخلص العالمين. عمل الروح القدس في مريم العذراء في المجمع الفاتيكاني الثاني، لم يشأ الآباء تكريس وثيقة خاصّة بمريم العذراء، فأوردوا ذكرها في الفصل الثامن والأخير من الدستور العقائدي في الكنيسة، بعنوان: “الطوباوية مريم والدة الإله في سرّ المسيح والكنيسة” (رقم 52- 69). وبذلك يظهر بجلاءٍ أكثر دورُ مريم ضمن تاريخ الشعب المؤمن. فالكنيسة في مجملها جسد المسيح والمؤمنون متّحدون كلّهم معاً في عمل الروح القدس فيهم، إذ لا أحد يمكنه أن يصير عضواً في الكنيسة ما لم تنسكب عليه قدرة الروح القدس. على هذا الصعيد مريم العذراء هي عضو في الكنيسة ملأها الروح القدس وتجاوبت مع عمله، فكانت لجميع المسيحيين قدوة ومثالاً في الإيمان والمحبّة، كما يوضح المجمع في مختلف النقاط التي يتوسّع فيها عن دور مريم العذراء في تدبير الخلاص. وبقول المجمع: “تحتلّ مريم المحلّ الأوّل، قدوةً ومثال فريد للعذراء وللأمّ: بإيمانها وطاعتها ولدت على الأرض ابن الله ولم تفقد بتوليّتها، وغمرها الروح القدس بظلّه، فكانت حوّاء جديدة (رقم 63). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|