لمَّا وجد يوحنا أن الذين أُرسِلوا إليه مُلزَمون ومُكلَّفون بأن يأخذوا منه جوابًا عن السؤال: «مَن أنت؟»، أعطاهم الرَّد الكافي؛ وقد أجبروه أن يتكلَّم عن نفسه، فتكلَّم. ولكن ماذا أجاب؟ وبأي كلمات تكلَّم عن نفسه؟ مَن هو؟ وما هو؟ لا شيء، بل مجرَّد صوت. وما أعجب هذا التواضع الأدبي المحبوب! وما أجمل وأكمل إنكار الذات وإخلاء النفس، التي كانت عند ذلك الخادم الأمين. ومما يجعل القلب في صورة حسنة وحالة مناسبة اتصافه بمثل هذه الصفات؛ صفات النعمة. فهنا رجل القوة والعظمة الحقيقية؛ واحد من أعظم خدام المسيح الظاهرين والمشهود لهم والشاغل لأعظم المراكز، والمُبَشِر الذي حرَّك قلوب الألوف بأقواله، والذي أُعلِنت ولادته بواسطة الملائكة، والذي تنبأت الأنبياء عنه وعن خدمته، المُنادي لجميع المملكة، وصديق الملك، ومع ذلك يقول هذا العظيم عندما أُجبِر على الكلام عن نفسه: «أنا صوتُ». ولست حتى إنسانًا، بل مجرَّد صَوْت.