|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
آلام يسوع
ف 26- 27 صرخ يسوع صرخة شديدة وأسلم الروح. قال يسوع لبطرس: "ألم تستطيعوا أن تسهروا" (مت 26: 40). غريبة صيغة المخاطب الجمع: "أنتم". يشدّد متّى على موقع كلّ التلاميذ في الآلام. كلّهم يعدّون الفصح وليس نقط موفدان كما يقول مرقس مثلاً (14: 13). وبعد هذا، أقسم جميع التلاميذ، مثل بطرس، أنّهم لا يخونونه ( مت 26: 35) حقاً، إنّهم يؤلّفون مع يسوع جسداً واحداً. وحين يتكلّم النص عن بطرس فهو يعني الجميع. وساعة هربَ التلاميذ كلّهم، شدّد متّى على وحدتهم في الساعات الحلوة كما في الساعات المرّة. 1- أكون معكم للتشتّت ردة فعل صحيّة: الانضمام إلى بعضنا وشدّ عرى الصداقة. التلاميذ هم مع يسوع ويسوع هو معهم. هذا هو موضوع البلاغ الأخير الذي ينتهي بهذه الكلمات: "ها أنا معكم" (مت 28: 20). هذا الإعلان الأخير هو صدى لإعلان مجيء عمانوئيل، الله معنا (مت 1: 23). كل كتاب متّى يدور حول هذا الإعلان المحوري. وسيشدّد النصّ بصورة خاصة في النهاية على هذا الرباط المميَّز (نكون مع يسوع). وهناك أيضاً موضوع التلميذ. نفكّر بيوسف الرامي الذي قد صار تلميذاً. ومهمة الأحد عشر هي أن يصنعوا تلاميذ، أن يتلمذوا الأمم لكي تحفظ كلام يسوع. إذن، يسوع مع تلاميذه. هو معهم كأفقر الفقراء (مت 26: 11: الفقراء هم عندكم دائماً أبداً. وأمّا أنا...). فيسوع هو فقير حقاً، لأنه لا يحقّ له بمدفن. فالمصلوب يكون طعاماً للنسور، كما كُتب (مت 24: 28). ولهذا، يشدّد متّى على دفن المسيح في خبر الآلام. فبواسطة القبر ظلّ الجسد مع جماعته. 2- مدفن القدّيسين وشدّد متّى أيضاً على ثمن المدفن (عملية بيع وشراء). منذ البداية يشير النص إلى ثمن العطر الذي صُبّ على يسوع كمقدّمة لدفنه (26: 12). ثم على ثمن تسليم يسوع، وقد استُعمل لشراء قبر للغرباء (27: 7). يتفرّد متّى بذكر هذا المقطع الذي يتحدّث عن الأموال التي دُفعت ثمناً ليسوع، كما بانفتاح قبور القديسين (27: 35) بعد الزلزال. وينتهي الخبر حين يضع يوسف الرامي مدفنه بتصرّف يسوع، وحين يضع عظماء الكهنة الحرس عند القبر. تنظّم كل شيء لئلاّ يبقى يسوع وحده. وجعلوا معه الفقراء والغرباء الذين لا يحق لهم بدفنة لائقة. وحراسة قبر يسوع تأخذ، في ظاهرها المضحك، طابع الإنتصار. هذا حرس الشرف يضرب التحيّة للقائم من الموت. وبانتظار ذلك، سيكون يسوع في مكان أمين مع حراسة مشدَّدة. فلا يكفي أن يكون للإنسان قبر. فيجب أن نمنع كل تعدّ على القبر. ولكن القيامة هي أيضاً تعدّ على القبر، وهي تعارض كل محاولة لنحتفظ بالجسد معنا. 3- كابوس مزعج من يتجاسر أن يخترع مثل هذا الخبر؟ هناك زلزلة واحدة استطاعت أن تبلبل نظام الأشياء. فللقيامة طابع جلياني (كما في سفر الرؤيا). إنّها تكشف لنا أن القبر لا يحمينا من دخول الله في تاريخنا. ومهما يكن من أمر، فالجسد يلعب دوراً مسيطراً في هذا الخبر. فهذا الجسد لم يعد جثة، بل جسداً حياً من جديد. تحدّث يسوع في بداية المتتالية عن جسد "يحنَّط" (وهذا عمل صالِح)، ثم عن جسد يقع تحت أعراض الخبز. ولكن الجسد يعود حراً في النهاية. هذه إشارة مسبّقة بأن الأمور ليست على ما يرام في إطار القبر. فأجساد القديسين التي ستدور في المدينة تجعلنا نتحسّب لأحداث جديدة. والحراسة المشدّدة تزعجنا بعض الشيء. تكلّم عظماء الكهنة عن القيامة. ماذا ننتظر بعد ذلك؟ وسلّم بيلاطس جسد يسوع لتبقى يده مسلَّطة على القبر. ولكن القبر هو المدخل إلى القيامة. فمنذ حلمت إمرأة بيلاطس حلمها، عاش الحاكم الروماني كابوساً مزعجاً كم تمنّى أن يتخلَّص منه. 4- ليلة السهر يبدو مت 26 بشكل خبر ليلة طويلة. ليلة يُمنع فيها النوم بسبب الأفكار السوداء. اختلف متّى عن لوقا فجعل المجلس يجتمع في الليل، وهذا أمر صعب حتى في حالة الطوارىء. ولكن متّى احتاج إلى هذه الليلة ليصوّر بشاعة ما يحدث وليُبرز ليل الإيمان بالنسبة إلى التلاميذ (والقرّاء) الضائعين. قال يسوع: "ستشكّون كلّكم في هذه الليلة" (26: 31). فيسوع هو حجر شكّ لتلاميذه. ويأتي صياح الديك فيدلّ على نهاية هذه الليلة المأساوية، ويوقظ كلّ هذا العالم المخدَّر. لا شكّ في أن الظلمة ستعود في وضح النهار (27: 45). ولكن هذه العودة ستكون عابرة في مسيرة لا يوقفها حاجز. نحن لسنا أمام يقظة قبل النزاع الأخير، بل أمام نهاية عالم قديم، أمام الهزيمة الأخيرة قبل النصر النهائي. فالغلبة أمر أكيد، وقد استشففناها منذ البداية. خضع يسوع للأحداث، ولكنه في خضوعه هذا خلق الحدث. يقدم متّى يسوع كرجل يرفض العنف. قال لتلاميذه: زماني قريب. وقال ليهوذا: ما أنت فاعله فافعله. في الظاهر يبدو خاضعاً لا يأتي بحركة. ولكن بعد أن قُطعت إذن عبد رئيس الكهنة، إتّخذ يسوع المبادرة وأعطاهم درساً عن اللاعنف، فدلّ على أنه سيد الموقف حقاً. 5- يسوع ويسوع بيّن متّى أن يسوع بعيد كلّ البعد عن هؤلاء اللصوص أو الغيورين الذين يحاريون الأمبراطورية الرومانية بشكل علني. يقف يسوع أمام بيلاطس كشخص بعيد عن كل اتّهام. لهذا السبب أعلن الحاكم براءته (27: 24). قيل هنا أن متّى أراد أن يبرّىء ساحة رومة من الحكم على يسوع ليحمّل اليهود كلّ المسؤولية. في الواقع، كشف بيلاطس عن تناقضاته الداخلية وعن ضعف أمام اليهود لا يشرّفه. وحدثُ برأبّا يبدو غريباً في إنجيل متّى. نجد وجهاً لوجه يسوعين: يسوع برأبّا، أي: إبن الأب، ويسوع الذي يقال له المسيح. وأخطر الإثنين هو يسوع إن استولى على السلطة كمسيح. إن متّى يجهل أعمال برأبّا الشهيرة. كل همّه أن يضع يسوع برأبّا أمام يسوع المسيح. وهكذا يُحكم على المسيح لينجو برأبّا. إن متّى قد جلب كل الفاعلين إلى هنا ليكونوا شاهدين ليسوع، من حيث لا يدرون. ليس فقط برأبّا، بل يهوذا وبيلاطس، ورؤساء الكهنة... ونحن معهم رغم خطايانا وخياناتنا. حين كان الشعب يهتف ليسوع ويدعوه المسيح وملك اسرائيل، ماذا كان يستطيع يسوع أن يفعل لينجو من الموت، كما أشار عليه أصدقاؤه؟ كان باستطاعته أن يهرب إلى الصحراء، أن يهرب إلى قرية من قرى الجليل البعيد. كان باستطاعته أن يسكت ولا يعود يتحدّث عن الإنجيل. ولكن مثل هذا التهرّب يجعله خائناً لرسالته التي هي إظهار حبّ الله لجميع البشر. قال: "ليس من حب أعظم من حب من يعطي حياته من أجل أحبائه". بدأ فأعطى حياته يوماً بعد يوم، فشفى المرضى وأعلن التطويبات وصلاة الأبانا، وبشّر برحمة الله تجاه الخطأة، وندّد بالخبث والرياء، والجشع والظلم حيث يراها. وتابع عمله حتى النهاية، وهو عالم أنه يخاطر بحياته. ولكنّه قال: "يا أبتِ، لا مشيئتي، بل مشيئتك" (لو 22: 42). وكانت حياته كلّها طاعة للحب الذي يحرق قلبه، وتقدمة بها يقدّم نفسه كلّها لكي يخلّص أخوته البشر. وهكذا صار الصليب ختم هذه الطاعة والذروة في هذه التقدمة وهذه المحبة. سرّ الصليب! لم يُدركِ الرسل اتّساعه إلاّ شيئاً فشيئاً. وحين تثبَّتوا في الإيمان بلقائهم بالقائم من الموت، واستناروا بالروح القدس، عرفوا أن موت ذاك الفلاح الجليلي المسكين كان موت إبن الله الذي يخلّص العالم. حينئذٍ شهدوا له، بنوا الكنيسة، وأعطوا حياتهم كشهداء أمانة للرسالة التي سلّمها المعلّم إليهم. قالت بولس الرسول: "أفرح في الآلام التي أتحمّلها من أجلكم وأتمّ في بدني (لحمي ودمي) ما ينقص من آلام المسيح" (كو 1: 24). لم ينقص آلام المسيح إلاّ شيء واحد هو: أن يتحدّ بها المسيحيون بالإيمان والمحبة. فهموا على خطى الرسل والشهداء أن القبول بحصتهم من الألم والفشل الموجودَين في كلّ حياة قبولاً شجاعاً، يتجلّى ويستنير بتقدمة ذواتهم وباتحادهم الحميم بصليب المسيح. لسنا قديسين. ولكنّنا نطلب من يسوع أن نحمل أثقالنا بمحبة ونساعد أخوتنا ليحملوا أثقالهم، كما ساعد سمعان القيريني يسوع ف 26- 27 صرخ يسوع صرخة شديدة وأسلم الروح. قال يسوع لبطرس: "ألم تستطيعوا أن تسهروا" (مت 26: 40). غريبة صيغة المخاطب الجمع: "أنتم". يشدّد متّى على موقع كلّ التلاميذ في الآلام. كلّهم يعدّون الفصح وليس نقط موفدان كما يقول مرقس مثلاً (14: 13). وبعد هذا، أقسم جميع التلاميذ، مثل بطرس، أنّهم لا يخونونه ( مت 26: 35) حقاً، إنّهم يؤلّفون مع يسوع جسداً واحداً. وحين يتكلّم النص عن بطرس فهو يعني الجميع. وساعة هربَ التلاميذ كلّهم، شدّد متّى على وحدتهم في الساعات الحلوة كما في الساعات المرّة. 1- أكون معكم للتشتّت ردة فعل صحيّة: الانضمام إلى بعضنا وشدّ عرى الصداقة. التلاميذ هم مع يسوع ويسوع هو معهم. هذا هو موضوع البلاغ الأخير الذي ينتهي بهذه الكلمات: "ها أنا معكم" (مت 28: 20). هذا الإعلان الأخير هو صدى لإعلان مجيء عمانوئيل، الله معنا (مت 1: 23). كل كتاب متّى يدور حول هذا الإعلان المحوري. وسيشدّد النصّ بصورة خاصة في النهاية على هذا الرباط المميَّز (نكون مع يسوع). وهناك أيضاً موضوع التلميذ. نفكّر بيوسف الرامي الذي قد صار تلميذاً. ومهمة الأحد عشر هي أن يصنعوا تلاميذ، أن يتلمذوا الأمم لكي تحفظ كلام يسوع. إذن، يسوع مع تلاميذه. هو معهم كأفقر الفقراء (مت 26: 11: الفقراء هم عندكم دائماً أبداً. وأمّا أنا...). فيسوع هو فقير حقاً، لأنه لا يحقّ له بمدفن. فالمصلوب يكون طعاماً للنسور، كما كُتب (مت 24: 28). ولهذا، يشدّد متّى على دفن المسيح في خبر الآلام. فبواسطة القبر ظلّ الجسد مع جماعته. 2- مدفن القدّيسين وشدّد متّى أيضاً على ثمن المدفن (عملية بيع وشراء). منذ البداية يشير النص إلى ثمن العطر الذي صُبّ على يسوع كمقدّمة لدفنه (26: 12). ثم على ثمن تسليم يسوع، وقد استُعمل لشراء قبر للغرباء (27: 7). يتفرّد متّى بذكر هذا المقطع الذي يتحدّث عن الأموال التي دُفعت ثمناً ليسوع، كما بانفتاح قبور القديسين (27: 35) بعد الزلزال. وينتهي الخبر حين يضع يوسف الرامي مدفنه بتصرّف يسوع، وحين يضع عظماء الكهنة الحرس عند القبر. تنظّم كل شيء لئلاّ يبقى يسوع وحده. وجعلوا معه الفقراء والغرباء الذين لا يحق لهم بدفنة لائقة. وحراسة قبر يسوع تأخذ، في ظاهرها المضحك، طابع الإنتصار. هذا حرس الشرف يضرب التحيّة للقائم من الموت. وبانتظار ذلك، سيكون يسوع في مكان أمين مع حراسة مشدَّدة. فلا يكفي أن يكون للإنسان قبر. فيجب أن نمنع كل تعدّ على القبر. ولكن القيامة هي أيضاً تعدّ على القبر، وهي تعارض كل محاولة لنحتفظ بالجسد معنا. 3- كابوس مزعج من يتجاسر أن يخترع مثل هذا الخبر؟ هناك زلزلة واحدة استطاعت أن تبلبل نظام الأشياء. فللقيامة طابع جلياني (كما في سفر الرؤيا). إنّها تكشف لنا أن القبر لا يحمينا من دخول الله في تاريخنا. ومهما يكن من أمر، فالجسد يلعب دوراً مسيطراً في هذا الخبر. فهذا الجسد لم يعد جثة، بل جسداً حياً من جديد. تحدّث يسوع في بداية المتتالية عن جسد "يحنَّط" (وهذا عمل صالِح)، ثم عن جسد يقع تحت أعراض الخبز. ولكن الجسد يعود حراً في النهاية. هذه إشارة مسبّقة بأن الأمور ليست على ما يرام في إطار القبر. فأجساد القديسين التي ستدور في المدينة تجعلنا نتحسّب لأحداث جديدة. والحراسة المشدّدة تزعجنا بعض الشيء. تكلّم عظماء الكهنة عن القيامة. ماذا ننتظر بعد ذلك؟ وسلّم بيلاطس جسد يسوع لتبقى يده مسلَّطة على القبر. ولكن القبر هو المدخل إلى القيامة. فمنذ حلمت إمرأة بيلاطس حلمها، عاش الحاكم الروماني كابوساً مزعجاً كم تمنّى أن يتخلَّص منه. 4- ليلة السهر يبدو مت 26 بشكل خبر ليلة طويلة. ليلة يُمنع فيها النوم بسبب الأفكار السوداء. اختلف متّى عن لوقا فجعل المجلس يجتمع في الليل، وهذا أمر صعب حتى في حالة الطوارىء. ولكن متّى احتاج إلى هذه الليلة ليصوّر بشاعة ما يحدث وليُبرز ليل الإيمان بالنسبة إلى التلاميذ (والقرّاء) الضائعين. قال يسوع: "ستشكّون كلّكم في هذه الليلة" (26: 31). فيسوع هو حجر شكّ لتلاميذه. ويأتي صياح الديك فيدلّ على نهاية هذه الليلة المأساوية، ويوقظ كلّ هذا العالم المخدَّر. لا شكّ في أن الظلمة ستعود في وضح النهار (27: 45). ولكن هذه العودة ستكون عابرة في مسيرة لا يوقفها حاجز. نحن لسنا أمام يقظة قبل النزاع الأخير، بل أمام نهاية عالم قديم، أمام الهزيمة الأخيرة قبل النصر النهائي. فالغلبة أمر أكيد، وقد استشففناها منذ البداية. خضع يسوع للأحداث، ولكنه في خضوعه هذا خلق الحدث. يقدم متّى يسوع كرجل يرفض العنف. قال لتلاميذه: زماني قريب. وقال ليهوذا: ما أنت فاعله فافعله. في الظاهر يبدو خاضعاً لا يأتي بحركة. ولكن بعد أن قُطعت إذن عبد رئيس الكهنة، إتّخذ يسوع المبادرة وأعطاهم درساً عن اللاعنف، فدلّ على أنه سيد الموقف حقاً. 5- يسوع ويسوع بيّن متّى أن يسوع بعيد كلّ البعد عن هؤلاء اللصوص أو الغيورين الذين يحاريون الأمبراطورية الرومانية بشكل علني. يقف يسوع أمام بيلاطس كشخص بعيد عن كل اتّهام. لهذا السبب أعلن الحاكم براءته (27: 24). قيل هنا أن متّى أراد أن يبرّىء ساحة رومة من الحكم على يسوع ليحمّل اليهود كلّ المسؤولية. في الواقع، كشف بيلاطس عن تناقضاته الداخلية وعن ضعف أمام اليهود لا يشرّفه. وحدثُ برأبّا يبدو غريباً في إنجيل متّى. نجد وجهاً لوجه يسوعين: يسوع برأبّا، أي: إبن الأب، ويسوع الذي يقال له المسيح. وأخطر الإثنين هو يسوع إن استولى على السلطة كمسيح. إن متّى يجهل أعمال برأبّا الشهيرة. كل همّه أن يضع يسوع برأبّا أمام يسوع المسيح. وهكذا يُحكم على المسيح لينجو برأبّا. إن متّى قد جلب كل الفاعلين إلى هنا ليكونوا شاهدين ليسوع، من حيث لا يدرون. ليس فقط برأبّا، بل يهوذا وبيلاطس، ورؤساء الكهنة... ونحن معهم رغم خطايانا وخياناتنا. حين كان الشعب يهتف ليسوع ويدعوه المسيح وملك اسرائيل، ماذا كان يستطيع يسوع أن يفعل لينجو من الموت، كما أشار عليه أصدقاؤه؟ كان باستطاعته أن يهرب إلى الصحراء، أن يهرب إلى قرية من قرى الجليل البعيد. كان باستطاعته أن يسكت ولا يعود يتحدّث عن الإنجيل. ولكن مثل هذا التهرّب يجعله خائناً لرسالته التي هي إظهار حبّ الله لجميع البشر. قال: "ليس من حب أعظم من حب من يعطي حياته من أجل أحبائه". بدأ فأعطى حياته يوماً بعد يوم، فشفى المرضى وأعلن التطويبات وصلاة الأبانا، وبشّر برحمة الله تجاه الخطأة، وندّد بالخبث والرياء، والجشع والظلم حيث يراها. وتابع عمله حتى النهاية، وهو عالم أنه يخاطر بحياته. ولكنّه قال: "يا أبتِ، لا مشيئتي، بل مشيئتك" (لو 22: 42). وكانت حياته كلّها طاعة للحب الذي يحرق قلبه، وتقدمة بها يقدّم نفسه كلّها لكي يخلّص أخوته البشر. وهكذا صار الصليب ختم هذه الطاعة والذروة في هذه التقدمة وهذه المحبة. سرّ الصليب! لم يُدركِ الرسل اتّساعه إلاّ شيئاً فشيئاً. وحين تثبَّتوا في الإيمان بلقائهم بالقائم من الموت، واستناروا بالروح القدس، عرفوا أن موت ذاك الفلاح الجليلي المسكين كان موت إبن الله الذي يخلّص العالم. حينئذٍ شهدوا له، بنوا الكنيسة، وأعطوا حياتهم كشهداء أمانة للرسالة التي سلّمها المعلّم إليهم. قالت بولس الرسول: "أفرح في الآلام التي أتحمّلها من أجلكم وأتمّ في بدني (لحمي ودمي) ما ينقص من آلام المسيح" (كو 1: 24). لم ينقص آلام المسيح إلاّ شيء واحد هو: أن يتحدّ بها المسيحيون بالإيمان والمحبة. فهموا على خطى الرسل والشهداء أن القبول بحصتهم من الألم والفشل الموجودَين في كلّ حياة قبولاً شجاعاً، يتجلّى ويستنير بتقدمة ذواتهم وباتحادهم الحميم بصليب المسيح. لسنا قديسين. ولكنّنا نطلب من يسوع أن نحمل أثقالنا بمحبة ونساعد أخوتنا ليحملوا أثقالهم، كما ساعد سمعان القيريني يسوع |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|