لا تصلح مناقشة اللاهوت للجميع، وأكرر لكم أنها ليست للجميع، إنها ليست بحثًا غير مكلف أو لا يحتاج إلى جهد. كما أنها لا تصلح في كل مناسبة، أو لكل السامعين، وليست جميع نواحيها مفتوحة للاستعلام والتساؤل، وإنما يجب أن تخصص لمناسبات معينة، وسامعين معينين، ويجب مراعاة عدم تجاوز حدود معينة. ليست دراسة اللاهوت لجميع الناس، بل فقط للذين اختبروا ورسخت أقدامهم في الدراسة، والأهم من ذلك للذين اختبروا تطهير الجسد والروح، أو على أقل تقدير للذين يختبرون تطهير الجسد والروح. ومن الخطورة بمكان لشخص غير طاهر أن يمس الأشياء الطاهرة، مثلما هو خطير للعيون الضعيفة أن تنظر إلى بريق الشمس.
ما هو الوقت المناسب لهذه المناقشة؟ إنه الوقت الذي نتحرر فيه من الوحل والضوضاء في الخارج، ولا تتشتت ملكاتنا الحاكمة (عقولنا) بصور وهمية وشاردة، وتؤدي بنا إلى عدم التمييز بين الكتابة الجميلة والقبيحة أو بين الرائحة الجميلة والعفنة. إننا نحتاج إلى أن نلزم السكون (مز 45: 10) لنعرف الله. وعندما تُتاح لنا الفرصة نحكم بالصلاح في اللاهوت كما يقول المزمور "أنا بالمستقيمات أقضي" (مز 75: 2).
من هم الذين يمكن أن يستمعوا للمناقشات اللاهوتية؟ إنهم الذين ينظرون لها بجدية، ولا يعتبرونها موضوعًا كأي موضوع آخر للثرثرة المسلية بعد السباقات والمسرح والغناء وتناول الطعام والجنس، لأن هناك من الناس من يعتبرون أن الثرثرة عن اللاهوت والمهارة في المناقشات الجدلية عنه هي من صور الترفيه بالنسبة لهم.
ما هي جوانب اللاهوت التي يجب بحثها، وما هي حدود هذا البحث؟ ما يمكن بحثه هو فقط الجوانب التي ندركها، وبما لا يتجاوز خبرة وقدرة من يستمعون إلينا. وكما أن الزيادة المفرطة في الصوت أو الطعام تؤذي السمع أو الصحة العامة، وكما أن الأحمال الثقيلة بشكل يزيد عن الحد تؤذي من يحملونها وكما يضر المطر الزائد عن الحد بالتربة، فكذلك يجب أن نحترس لئلا تسبب قسوة وصعوبة حديثنا ضغطًا وعبئًا على سامعينا بحيث تُضعف القوة التي كانت لديهم من قبل.
القديس إغريغوريوس النزينزى