|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بينما كان باترك البالغ من العمر ستة عشر عاماً يقرأ كتابه المقدس وهو راكع تحت إحدى الشجيرات الوارفة بتلك الغابة الكثيفة التي تحيط ببيته في إحدى الجُزر البريطانية وهو في تأمل عميق، إذا سهم يخترق قدميه فيطرحه أرضاً ويسقط على وجهه. وقبل أن ينتصب كانت عشرات السهام قد ملأت جسده حتى لم يقو على الحركة وغاب عن الوعي بالتمام من هول الآلام. أفاق باترك في السفينة التي كانت تحمله كعبد قد اصطادوه ثم عرّوه ودهنوه باللون الأحمر ووضعوا رقمه على بطنه وظهره بعد أن قيدوه بسلاسل نحاسية مع أمثاله من العبيد الجُدد على ظهر السفينة. بعد رحلة مريرة من الذُل والمهانة وصل إلى سوق العبيد بأيرلندا حيث بيع لزعيم وثني فظ رماه في حقوله ليرعى الخنازير بعد أن صنع علامة في جسده بأن قطع إبهام رجل باترك اليُسرى. كان باترك يقضي معظم وقته في الصلاة وهو يرعى الخنازير ، ولكنه في كثير من المرات كان يسترجع الذكريات الحلوة وفجأة تختنق الزفرات مع الآهات كلما تذّكر يوم الصيد حيث الآلام والإهانات. ولكنه لم يفقد أبداً ثقته في الرب يسوع، ودائماً كان يردد الآية «ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله» (رومية 28:8). لم يفهم كيف يمكن أن يؤول ما يمر به للخير ولكنه تعّلم أن يسلم للرب ويشكر. وفي عام 419م بينما كان باترك بالقرب من الشاطئ يرعى خنازير سيده، رست سفينة على الشاطئ، ولما تحدث معه ركابها الذين كانوا يقضون يومهم في الجزيرة عرفوا من لغته أنه بريطاني الأصل فأصروا على أن يأخذوه معهم إلى بريطانيا حيث عاد باترك إلى بيته بعد 14 سنة قضاها كعبد في أيرلندا. وهكذا مرة أخرى استنشق باترك، الذي كان بالأمس قريب من العبيد، عبير الحرية ودفء الأحضان الأسرية حيث قدم مع بيته للرب أجمل الترانيم التعبدية التي كان ينشدها في وقت الحرية في الجزر الإنجليزية. ولكن لم تنته القصة الحقيقية بعد. ففي عام 432م وبينما كان باترك يصلي كعادته تحت نفس الشُجيرة القديمة، إذا سهم يخترق قلبه هذه المرة .. إنه سهم الحالة المُرة التي يعيشها الشعب في الجُزر الأيرلندية في ظلام الوثنية. وإذ أكثر الصلاة لأجلهم سمع الصوت يدوي في قلبه ويتعالى صداه حتى يملأ كل أعماقه «اعبر إلينا وأعنا .. نحن ننعم بالحرية الجسدية، ولكننا عبيد في الوثنية والخطية». وتأكد باترك أن هذا هو صوت الرب يدعوه للذهاب ليبشر جزر أيرلندا .. ماذا؟ أأعود مرة أخرى إلى أرض العبودية ؟؟ كلا .. لا أستطيع. كان هذا هو أول رد فعل للدعوة في عقل باترك. ولكن يوماً بعد الآخر أخذ باترك يخضع للدعوة حتى أخذ قراره بالعودة إلى نفس الجزيرة رغم معارضة الأصدقاء وعدم فهم الأهل لما يعمله. في الطريق إلى أيرلندا تّعرض للموت 12 مرة ولكن ذلك لم يُثن عزمه. وأخيراً وصل للجزيرة لا كعبد ولكن كخادم للإنجيل هذه المرة. ولم يوجد إنسان في الجزيرة لم يسمع الإنجيل من خلال خدمة باترك الذي كان قد تعّلم لغتهم أثناء سنين عبوديته. وسريعاً ما بُنيت الكنائس في كل ركن من أركان الجزيرة، حتى خرج منها بعد ذلك آلاف المبشرين للعالم أجمع فدُعيت هذه الجزيرة وحتى الآن (جزيرة القديسين). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|