|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كيف فتح الرب قلب ليدية بياعة الارجوان؟ نستطيع أن نفهم كيف فتح الرب قلبها اذا تأملنا في أمرين: الممهدات لهذا الفتح طريق هذا الفتح. الممهدات لهذا الفتح وهذا يقتضينا رجعة قليلة إلى الوراء، هل كان حقًا وفاة زوجها أول نداء وجهه الله لهذا القلب، كما يريدنا أحد المفسرين ممن تناولوا شخصيتها أن نفهم؟ وهل كان الحزن ذلك الصوت القوي العميق الذي يرسله الله إلى نفوس الناس لينفض عنهم غبار المادة، وما يرين على قلوبهم من زهو وكبر واعتداد، هو أول رسول سماوي؟ أم أن نفسها كانت من تلك النفوس التي تستجيب لنداءات أعلى مما يبكي الناس ويدعوهم نداء السمو عن الاسفاف الذي هوى إليه الأمم، نداء الشبع والري الذي لا تجده في معبودات ثياتيرا وآلهتها وأصنامها.. الذي نعلمه أنها صدفت عن هذه الوثنية، ونزعت عن خرافاتها، وبحثت عن جناحين تحلق بهما إلى الإله العلي إله السماء: «قد جعلتنا لنفسك وقلوبنا لن تجد الراحة إلا بين يديك» هكذا صاح أوغسطينوس المتعطش إلى الله. ولقد وجدت - وعلى الأرجح جدًا في مدينة ثياتيرا - ما يرضي رغائبها وأشواقها في الديانة اليهودية فتهودت، وسارت في الحياة شديدة الورع متعبدة لإله إسرائيل، ولما ذهبت إلى مدينة فيلبي، وبحثت عن مجمع أو يهود يصلون فلم تجد - وقد كان التقليد اليهودي يجيز لعشرة من الرجال على الأقل أن ينشئوا مجمعًا، إذا جمعهم مكان ما، ويظهر أن فيلبي لم يكن بها هذا العدد - اجتهدت أن تجتمع كل سبت مع أترابها في مكان هاديء منعزل خارج المدينة على ضفة نهر حيث جرت العادة أن تكون صلاة، وحيث يسهل عليهن العبادة والاغتسال والتطهير، إلى هذا المكان جاء بولس، جاء ليغزو القلب الأول للمسيح في أوروبا، جاء ليضع قدم الفادي للمرة الأولى على الأرض الأوروبية العظيمة ومن استطاع أن يدرك عظمة هذه الساعة الخالدة في تاريخ أوروبا والغرب، من استطاع أن يستوعب ما فيها من بذرة الحق والنور والحرية والمدنية والخلود. هذا الرجل الصغير القزم المريض كما كان يحلو لرينان أن يدعوه أشعل في تلك اللحظة أوهج شعلة في تاريخ الحضارة والرقي الإنساني. على ضفاف هذا النهر حدثت معركة من أهم المعارك الحاسمة في التاريخ الروماني. المعركة التي وطدت أسس الإمبراطورية الرومانية العظيمة حين هزم اكتافيوس وانطونيوس بروتس وكاسيوس، لكن هذه الإمبراطورية رغم امتدادها وعظمتها، كان يطل عليها في الأفق البعيد وجه الريك القوطي الذي داس مجدها وهوى بعظمتها إلى التراب والحضيض.. أجل انتهت روما وتلاشى ذكرها بين الناس، وعفا الزمان على كاسيوس وبروتس واكتافيوس وانطونيوس وأباطرة الرومان أجمعين، وتبقى فقط على وجه التاريخ ذلك الرجل العظيم الهائل بولس، ورسالته التي غيرت معالم أوروبا، وشادت إمبراطورية أروع وأجل تتحدى البلى والفناء والانهيار. طريقة هذا الفتح ان لله طرقًا عجيبة في فتح القلب، ولعله لم يعامل أبدًا قلبين معاملة واحدة، فهناك قلوب صلدة صلبة، وأخرى هادئة وادعة ساكنة، هناك قلوب تهرع إلى الله مدفوعة بنداء الجمال، وأخرى تأتيه فزعة مروعة من مخاوف الموت، وهناك قلوب تأتي إليه لأنها تحن إلى السماء وموسيقى السماء ومجد السماء، بينما تقرب منه أخرى خوفًا من الجحيم وعذاب الجحيم ورهبة الجحيم.. تقترب منه بعض القلوب إذ ترى نورًا أبهر من الشمس يرهبها كبولس، وأخرى إذ تفزع من زلزال يروعها ويقض مضجعها كسجان فيلبي، وثالثة إذ يأتيها صوت عميق يناديها بتفاهة الدنيا وأوهامها وأباطيلها وغرورها... رأى الأخ لورنس شجرة يعمل فيها الذبول، تساقطت أوراقها وبدت جرداء، ففزع إذ رأى في هذه الشجرة صورة حياته تتجرد من كل جمال، فقدم نفسه لله ليضحى شجرة مغروسة عند مجاري المياه التي تعطي ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل، وكل ما يصنعه ينجح، أجل هناك ملايين الوسائل المختلفة التي يستعملها المولى في جذبنا إليه، فأي طريقة بلغ بها قلب ليدية؟ استعمل لوقا في الكلمة «فتح» لفظا فريدا انفرد به وحده في العهد الجديد، والكلمة تعني في الأصل «حل» أو «سرح» أو «فصل» ولعلك قد رأيت الصوف أو الشعر المتشابك يشط ويسرح ويرتب، هذا هو المعنى الدقيق للكلمة. كانت الحقائق أمام ليديه مختلطة يأخذ بعضها برقاب بعض، فجاءها بولس ليفصل بين الحق والباطل، بين النور والظلمة، بين القبح والجمال جاءها بولس ليرسم لها الطريق الفاصل بين الله والشيطان، وما أن وضح أمامها هذا الطريق حتى سارت وراء الله، وآمنت واعتمدت. لعل صديقنا القديم الذي هتف: «امتحني يا الله واعرف قلبي. اختبرني واعرف أفكاري، وانظر إن كان في طريق باطل واهدني طريقًا أبديا». كان رجلاً يحس صعوبة الفصل بين مسالك الموت وطرق الحياة، بين مواقع النور وأوضاع الظلال. نورًا أكثر!! تلك صرخة جوتة في ضجعة الموت. وهي أبدًا صرخة النفس البشرية الفزعة المروعة في دنيا الأشباح والظلام، الدنيا التي تلبس القبح ثوب الجمال، وتعلو بالرذيلة على هامة الفضيلة، وتضع للشر والأثم والفساد والطمع والحقد وما أشبه من الرذائل أسماء ذاهية ماجنة خليعة، وفي الوقت عينه تلقي بالمحبة والبر والطهارة والخير والوداعة واللطف واليثار والإحسان وكل فضيلة تحت أقدام الأشرار المستهزئين العابثين الدائسين.. ما رسالة المسيحية لدنيا كهذه؟ هي رسالة بولس التي أجملها السيد له وهو على أبواب دمشق: «لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور ومن سلطان الشيطان إلى الله حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيبا مع القديسين» ولقد كشفت هذه الرسالة الأوضاع الحقيقية للآلاف والملايين من الناس، فجعلتهم ينحون مع تشارلس كنجسلي لحكمة وعظمة الثالوث الأقدس، ويتمشون في سفوح الجبال مع وردثورت كمن يتمشى مع الله في معبد، ويصيحون مع صموئيل رزر فورد: إن العالم كله لا يقوم في ضوء النفس الخالدة بأكثر من مليمين. ويغنون مع يوناثان ادواردز لكل جميل في الطبيعة لأنه خلق بابن الله ولمجده، ويصرخون في حزن وألم مع نيوتن وهويتفيلد واسبرجن ومودي والجنرال بوث والوعاظ قديمًا وحديثًا لأجل خلاص الآخرين وفداء النفس البشرية. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أعلن الرب له عن خطية محددة |
مديحة قال الرب لموسى - الأنبا صليب |
الثمار الحلوة لليدية بياعة الارجوان |
ليدية بياعة الارجوان |
ليدية بياعة الارجوان |