|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديسون الأبرار الكهفيون الروس مرقص الحفار مع يوحنا وثيوقيلوس 29 كانون الأول غربي (11 كانون الثاني شرقي) قضى مرقص سحابة عمره في الكهف في كييف يحفر مدافن الإخوة الرهبان بيديه وينقل التراب على كتفيه. كان يتمم عمل الرب بنشاط في الليل والنهار. لم يعتد أخذ أجر من أحد، لكن من شاء إعطاءه مالاً كان يأخذه منه ويوزعه على الفقراء. فيما كان يعمل، ذات يوم، كعادته، شعر بوهن مفاجئ فخرج ليرتاح قليلاً تاركاً المكان الذي كان يحفر فيه أضيق مما كان يفترض به أن يكون. وحدث أن أحد الإخوة مرض ورقد في ذلك اليوم عينه. وإذ لم يكن هناك قبر فارغ غير هذا الذي باشر مرقص بحفره ولم ينجزه. فقد حمل الإخوة الميت إلى المدفن، لكنهم لم يُتح لهم إعداد جسد الميت للدفن كما يجب ولا دهنه بالزيت لضيق المكان. فما كان من مرقص سوى أن سجد أمامهم واستسمحهم وإذ اتهموه بالإهمال وقرعوه، كلم الميت قائلاً: بما أن الموضع ضيق، يا أخي، فرش نفسك بالماء المقدس بنفسك، ثم خذ الزيت واسكبه عليك". فما كان من الميت سوى أن بسيط يده للحال ورفع نفسه قليلاً ثم أخذ الزيت ورسم به الصليب على صدره وجبهته. ثم أعاد وعاء الزيت إلى مكانه. ولما استكمل إعداد نفسه للدفن استلقى ورقد. فانذهل الحاضرون واستبد الخوف بهم وأصابتهم الرعدة. وحدث أيضاً أن أخاً آخر رقد في الرب بعد مرض طويل. فمسحه أحد أصحابه بالماء ثم ذهب إلى الكهف ليعاين الموضع الذي سوف يُدفن صديقه العزيز فيه. ولما سأل مرقص المغبوط عن مدفن صاحبه أجابه: "اذهب، يا أخي، وقل للميت: انتظر إلى الصباح فأحفر لك مكاناً، ثم نرحل بسلام إلى الحياة الأبدية". فأجاب الأخ قائلاً: "ولكني، يا أبانا مرقص، غسلته. لقد مات! من تراك تريدني أن أكلم؟" فعاد مرقص وقال له: "أنت ترى المكان غير جاهز بعد، لذلك أسألك أن تذهب وتقول للميت: أن مرقص الخاطئ يقول لك أبق في الحياة يوماً إضافياً إلى أن أعد لك مدفناً ثم أرسل فأخبرك. وهكذا يكون بإمكانك، في الصباح، أن ترحل إلى الرب الإله الذي نشتهي جميعاً أن نذهب إليه". فأطاع الأخ وعاد إلى الدير فوجد الإخوة يجنزون الأخ الميت. فوقف بجانبه وقال له بصوت مسموع: "يقول لك مرقص أن مكانك ليس جاهزاً بعد، يا أخي، فانتظر إلى الصباح". فتعجب الحاضرون من كلامه. كيف يكلم الأخ وقد مات؟! للحال فتح الميت عينيه وعادت روحه إليه فحيي طيلة ذلك النهار والليل وعيناه مفتوحتان وإن لم يتفوه بكلمة واحدة. في صباح اليوم التالي ذهب الأخ الذي جاء إلى مرقص أولاً ليستطلع الأمر منه فقال له المغبوط: "اذهب وقل للميت، أن مرقص يقول لك لقد بات بإمكانك الآن أن تغادر هذه الحياة الفانية إلى الحياة الأبدية فإن المكان المعد لجسدك أصبح جاهزاً. سلم حياتك لله، وسوف يدفن جسدك هنا في الكهف بجوار الآباء القديسين". فعاد الأخ إلى الذي كان ميتاً فعاش ونقل له ما قاله مرقص. فأغمض الراهب عينيه للحال وأسلم الروح أمام جميع الذين جاؤوا لزيارته. ثم جرى دفنه بإكرام. كذلك أخبروا عن أخوين في دير الكهوف، يوحنا وثيوفيلوس، أحبا أحدهما الآخر لدرجة أنه كان لهما فكر واحد ومشيئة واحدة من نحو الله. وقد رجيا مرقص المغبوط أن يحفر لهما قبراً واحداً يدفنا فيه متى حانت الساعة حتى كما كانا واحداً في الحياة يكونان في الممات. وحدث أن ثيوفيلوس، وهو المتقدم في الاثنين، سافر لحاجة، فمرض يوحنا أثناء غيابه ومات فدفن في المكان المعد له ولأخيه. وعاد ثيوفيلوس بعد أيام قلائل وعرف بموت أخيه فحزن عليه حزناً عميقاً. وإذ أخذ بعض الإخوة ذهب وإياهم إلى الكهف راغباً في رؤية الميت والمكان الذي دفن فيه. فلما رأى أنه موضوع في الحجرة العليا من المدفن استنكر وتذمر قائلاً: لم وضعته هنا؟ أنا أتقدم عليه وأنت جعلته في موضعي". فضرب له مرقص مطانية قائلاً: "سامحني يا أخي! لقد أخطأت إليك". فلما قال هذا طلب من الميت أن يترك مكانه للأخ الذي لم يمت بعد ويأخذ الموضع الأدنى. فجأة، على كلمة المغبوط، نهض الميت وأخذ الموضع الأدنى أمام الجميع. فانذهلوا وخرّ ثيوفيلوس على ركبتيه أمام مرقص قائلاً: "لقد أخطأت، يا أبانا، إذ طلبت نقل أخي من موضعه. لذا أتوسل إليك أن تطلب منه العودة إلى مكانه". فأجابه المغبوط: "لقد أزال الرب العداوة فيما بيننا. وهو فعل ذلك بسبب تذمرك لكي لا تحقد علي إلى الأبد وتكون لك أفكار شريرة في شأني. حتى جسد بلا روح أظهر لك حباً هذا مقداره مقدماً إياك على نفسه بعد الممات كما في الحياة. وأنا لم أكن أريد لك أن تغادر هذا المكان بل أن ترث الموضع المتقدم وتدفن ههنا في هذه الساعة بالذات. ولكنك لست مستعداً أن تغادر هذه الحياة بعد. فأذهب واهتم لنفسك لأنك، بعد أيام، سوف يعيدونك إلى هنا. أما بالنسبة لقيامة الموتى فهذا عمل الله وأنا لست سوى رجل خاطئ. لكن هذا الميت الذي خشي إهاناتك كما خشي خصوعي لك فإنه لم يحتمل ما أتى عليه وترك لك نصف الموضع المعد لكما معاً. الله وحده قادر على تحريكه من مكانه، أما أنا فلا أستطيع أن أقول لميت: "انهض واستلق من جديد في الحجرة العليا. أنت أرفعه من مكانه إن استطعت وسترى إن كان يطيعك كما فعل الآن". فلما سمع ثيوفيلوس ذلك انتابه حزن وخوف شديدان وخُيل إليه أنه على وشك السقوط ميتاً، ولم يدر إذا كان سيتمكن من الوصول إلى الدير سالماً. وإذ عاد إلى قلايته حلّ به بكاء لا عزاء له. فقام ووزع كل مقتنياته حتى قميصه. غير تارك لنفسه سوى غمباز واحد وجبة واحدة... وانتظر ساعة موته! لم يتوقف عن البكاء ولا نجح أحد في جعله يأخذ بعض الطعام الطيب. فإذا كان الفجر على وشك الإطلال كان يقول: "لا أعرف إذا كنت سأحيا إلى المساء!" وإذا دلف الليل كان يقول: "ماذا أعمل إذا لم أحيا إلى الصباح؟ لقد قال لي المغبوط أن نهايتي باتت وشيكة!". فكان يصلي إلى الله بدموع أن يهبه مزيداً من الوقت ليتوب. على هذا المنوال كان ثيوفيلوس يقضي أيامه صائماً مصلياً، باكياً كل ساعة. منتظراً ساعة موته وانفصاله عن جسده. فذاب لحمه، نتيجة ذلك. ويبست أطرافه. وحاول كثيرون تعزيته عبثاً. كان يزداد نحيباً على نفسه. ومن كثرة البكاء فقد بصر عينيه. هكذا قضى ثيوفيلوس أيامه ملازماً البكاء والإمساك، مرضياً الله بحياة صالحة. وانقضت سنوات استدعى بعدها مرقص ثيوفيلوس وقال له: "سامحني، يا أخي ثيوفيلوس، لأني أحزنتك كل هذه السنين! ها أنا الآن أترك هذا العالم، فصلّ من أجلي! وإذا ما حصلت لي دالة عند الله، بعد موتي، فإني لن أنساك. ليعطنا الرب الإله أن نعاين أحدنا الآخر قريباً. فأجابه ثيوفيلوس بدموع: "لماذا تركتني يا أبانا مرقص؟ خذني معك أو هبني بصري من جديد". فردّ عليه مرقص: "لا تحزن، يا أخي، فإنك من أجل الرب فقدت بصر عينيك الماديتين. لكنك بالمعاينة الروحية اقتنيت القدرة على معاينة الله. أنا سبب عماك، يا أخي! لكني قلت لك إنك ستموت لأني أردت لك المنفعة وأن يكون لك اتضاع بعدما استبان استكبار قلبك. والقلب الخاشع المتواضع لا يرذله الله". فقال له ثيوفيلوس: "أسألك يا أبتي أن تأخذني معك على الرب الإله أو أن ترد إلي بصري". فأجابه مرقص: "لا حاجة لك لأن ترى هذا العالم الزائل. اطلب من الله، بالحري، أن تعاين مجده هناك. ولا تسأل الموت لنفسك لأنه سوف يأتيك في كل حال حتى إن لم تكن لك رغبة فيه. ولتكن لك هذه علامة رحيلك: "قبل انتقالك بثلاثة أيام ستستعيد بصرك. بعد ذلك تغادر إلى ربك وتعاين النور الأزلي والمجد الذي لا يوصف". ولما قال مرقص هذا رقد في الرب ودُفن في الكهف. في الموضع الذي أعده لنفسه. بعد ذلك ضاعف ثيوفيلوس بكاءه حزيناً جداً على فقده البصر. وكان له وعاء اعتاد أن يجعله تحت عينيه كلما صلى وبكى. وقد ملأ الوعاء من دموعه منتظراً النبوءة أن تتحقق. ولما أيقن أن نهايته باتت قريبة، على الأبواب، صلى بحرارة أن تكون دموعه مقبولة لدى الله. للحال وقف به شاب وسيم الطلعة فرآه. فقال له الشاب: :جيدة هي صلاتك يا ثيوفيلوس ولكن لماذا تفاخر بدموعك؟" ثم تناول وعاء أكبر من الوعاء الذي جمع فيه ثيوفيلوس دموعه وكان ملأناً من الطيب. وقال له: "انظر، هذه محصلة الدموع التي ذرفتها من قلبك في الصلاة إلى الله. وقد مسحتها بيدك أو بمنشفة أو بثيابك أو سقطت على الأرض. وأنا جمعتها بأمر الله وجعلتها في هذا الوعاء. والآن قد أرسلت إليك لأبشرك بأنك سوف تغادر إلى الرب إلهك بفرح لأنه قال: "طوبى للباكين فإنهم يتعزون". ولما قال هذا توارى الملاك عنه تاركاً الوعاء الملآن طيباً عنده. بعد ثلاثة أيام رقد ثيوفيلوس في الرب فمسحوه بالطيب المأخوذ من الوعاء وسكبوا فوقه وعاء الدمع فامتلأ المكان رائحة سماوية. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|