لقد فتح الروح عين ذهني لأرى مشهد عظيم، وهو لقاء رب المجد مع العشارين والخطاة، وفتح آذاني لأسمع صراخ المرضى والمعوزين ينادون على ابن داود من أجل أن يرحمهم ويشفيهم، وبسبب نداء إيمانهم تحنن عليهم وأعطاهم قوة شفاء وظل يجول وسطهم يصنع خيراً و يشفي جميع المتسلط عليهم ابليس وكل من هو في حاجة للشفاء بكونه آمن بأن فيه قوة شفاء لكل محتاج.
وفي مقابل هذه المشاهد العظيمة المفرحة للمتواضعين، وجدت معلمي اليهود العظماء دارسي الناموس الذين يملكون العلم والمعرفة بكل اتساعها وعمقها التي تفوق أكبر عارف ومُعلم اليوم، يتجادلون مع الرب ويتناقشون ولكنهم لم ينالوا منه شيئاً بل أظلمت عيون أذهانهم بسبب معرفتهم التي صارت لهم حاجزاً قوياً بل حصناً منيعاً وحائط صد يمنعهم من رؤية نوره ومعرفته كمسيا منتظرين مجيئه حسب الوعد، لذلك لو عدنا لنيقوديموس معلم اليهود الذي أتى للمسيح الرب ليلاً خوفاً من أن يُطرد من المجمع، ففي حديث الرب معه لم يفهم منه شيئاً، بل تهكم على كلماته لأنها صارت حجر صدمه لفكره، وانصرف وهو متعجب مندهش من هذا الحديث الغريب للغاية.
لذلك علينا أن نُحدد الفريق الذي ننتمي إليه، فيا إما ننتمي لفريق المرأة النازفة والمرأة التي أُمسكت في ذات الفعل وأيضاً الخاطئة التي جلست عند أقدام يسوع تغسلهما بدموعها وتجففهما بشعر رأسها، ومع الخطاة والعشارين ومساكين الأرض والجياع والعطاش إلى البرّ، فننال منه قوة، أو نتبع فريق العلماء الأغنياء والمتفلسفين المحبين للكلام والذين يتصارعون على الألفاظ والمعاني وصار قلبهم خواء ويحيوا في حالة هجران النعمة وقوة الله المُخلِّصة، وقد باغتهم روح رديء يعزز كبرياء قلبهم، ويجعلهم يظنوا أنهم مُعلمين عِظام مع أنهم خارج التدبير الخلاصي والإنجيل منغلق أمامهم كقوة الله للخلاص، لأن الإنجيل ينفتح فقط أمام من يُريد أن يدخل في سرّ التدبير الإلهي ليتذوق قوة النعمة المُخلِّصة، وينغلق أمام من يبحث عن المعرفة لأن عقله جوعان للفلسفة، لأن هؤلاء يخرجون محملين من أفكار كثيرة كلها كلام إنسانية مقنع، أما الذين يدخلون للإنجيل لأن نفوسهم تشتهي أن تجد يسوع ينالوا برهان الروح والقوة ويحيوا ببر الإيمان الصالح.
ويلزمني الآن أن أختم بأروع نشيد عرفناه لأنه فيه ملخص الكلام كله ولا يحتاج لتعليق: