اتركوها! إنها ليوم تكفيني قد حفظته ( يو 12: 7 )
( هو 4: 13 )
اتركوها ! .. اتركوه !
يا له من اختلاف شاسع بين «اتركوها» التي قيلت إزاء ما فعلته مريم، وبين «اتركوه» تجاه أفرايم؛ بين «اتركوها» كمصادقة إلهية لها، وبين «اتركوه» مُعلنًا الله عدم رضاه؛ بين تُرس الحماية السماوية، وبين قرار حكمه المقدس.
«اتركوها»! .. لقد كان عمل تكريس مريم موجّه إلى الرب نفسه، وهذا يتفق مع طبيعة السجود الواعي، ولكنه أثار عداء التلاميذ. كان هذا بالنسبة لهم «إتلافًا»، ورأوا أن العبادة الراقية والشديدة الإخلاص هي من الأمور الزائدة والمُبالغ فيها.
لكن السيد المبارك رآها بزاوية أخرى. فالذي دعوه هم «إتلافًا»، اعتبره هو سجودًا قلبيًا. وما رأوه خسارة للفقراء، رآها هو إدراكًا من جانبها لموته القريب وتقديرًا لآلامه. وكانت كلماته «إنها ليوم تكفيني قد حفظته»، فأعطاها المُصادقة على عملها بأنه توقع وإعداد لدفنه. وكان هذا هو الفكر الذي يقودها، بينما كان التلاميذ مشغولين بملكوته ومجده. كانت فيما فعلت مُحِقة، أما هم فأخطأوا، ولذلك دافع الرب عنها بلطف، وأعطاها حمايته من قسوة لومهم وتوبيخهم. لقد بسط جناحيه عليها وقال بكل حزم: «اتركوها». فإذا لم يقدّر أحد تكريسها له، لكنه هو يقدّر، وهذا يكفي لمريم تمامًا. إنه يكفيها ابتسامته.
«أفرايم موثق بالأصنام»، هذا لا يعني مجرد العبادة الوثنية، وهي بلا شك أمر رديء، ولكن العبارة تعني الاندماج والوحدة المُخيفة والجريئة. ويبدو أن الشفاء من هذه الحالة بلا أمل. فالعبث بالشر على المدى الطويل لا يجعل الضمير متبلدًا فحسب، بل إنه يجعل الشر لذة، وكل إحساس تجاه الله يصبح باهتًا، حتى أن الأصنام تؤكد على سلطانها، وعندئذ يُنسى الله، وعندئذ أيضًا يلزم أن يُترك الإنسان لطرق الله القضائية، وخدمة الإنسان لا يجب أن تتدخل «اتركوه». لقد اختار طريقه وعيَّن مسلكه، وعليه أن يندم على حماقته. إن طريق الإنسان هو أجرته، فما يزرعه إياه يحصد.
ومن الأفضل للإنسان عشرة آلاف مرة أن يُفرّغ من إناء إلى إناء، مثل أيوب، عن انحداره في التيار مثل أفرايم. ومن الأفضل له أن يشعر بثقل يد الله بالتأديب، وهي يد الآب، عن وجوده تحت الإحساس بتحول نظر الله عنه.