|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
رشم علامة الصليب _ بولس البوشي
رشم علامة الصليب بولس البوشي (أسقف مصر (القاهرة) القرن 13) عندما تبدأ الصلاة إرشم ذاتك بعلامة الصليب بكل ورع وتقوى؛ لأنك إنما تضع علامة الحياة على جسدك. تذكَّر أنك بهذه العلامة قد نلت الحياة الأبدية، وأنها فخر جهادك ضد الأرواح المعاندة ونورك الوحيد في ساعة الظلمة. لا ترشم ذاتك بعجلة وتسرُّع، بل ليكن قلبك مع الكلمات والحركة. تذكَّر الآب الذي أحبَّك، وبذل وحيده عنك، والروح الذي قدسك. اخشع بروحك نحو السيد؛ لأنه - برشم الصليب - تتذكَّر معموديتك التي هي أول الخلاص والموت عن العالم والحياة للبر. فعندما ترشم ذاتك تذكَّر أنَّ الذين اعتمدوا للمسيح قد لبسوا المسيح. ليسوا بعد تحت أهواء الخطية وسلطان الجسد؛ لأن الذين هم للمسيح يسوع قد صلبوا الأهواء مع الجسد. تأمرنا الكنيسة أن نرشم الصليب قبل السجود. ليست هذه عادة، ولكن لمعنى جميل ودقيق، فنحن نرشم الصليب قبل السجود؛ لأنَّ الوحيد تواضع وأخلى ذاته، وأخذ صورة العبد، وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك فعندما ننحني، فنحن نؤكِّد خضوعنا وتواضعنا وطاعتنا للرب في الصليب الذي حملناه معه عندما جحدنا الشيطان، وقبلنا الوصية المقدسة في سر الولادة الروحانية. يقول الشماس: أحنوا رؤوسكم للرب، وعندئذ يرشم الشعب كله ذاته بالصليب، ويسجد. ولأننا في المسيح نحيا وعليه نتوكل، وبه نرتجي حياة الأبد، فإننا عندما نرى الحَمَل على المذبح، وقد قُسِّمت أعضائه الناسوتية، وُذِبح؛ فإننا لكي نؤكد وحدتنا معه في سر محبته، فإننا نضع علامة الصليب على جباهنا؛ لأننا قد نلنا الخلاص والحياة الأبدية بالختم الإلهي الذي تنبأ عنه حزقيال. لنرشم الصليب باشتياق لا سيما في الُقداس الإلهي؛ لأنَّ الصليب يربطنا بالذبيحة التي ترفع من أجلنا على المذبح. كثير من المؤمنين يرشمون ذواتهم أمام المذبح، وبنوع تقوي يحنون رؤوسهم. هذا تقليد لا يهتم به البعض لأننا عندما نرشم ذواتنا أمام المذبح، فنحن نعترف بأننا لنا مذبح، وبأن الذبيحة المرفوعة عليه هي عن خلاصنا. هذا المذبح هو ركن أساسي في حياتنا؛ لأننا مِن عليه نأخذ دواء الحياة الأبدية. وعندما نرشم الصليب، فإننا نأخذ من على المذبح سر الخلاص ونضعه على جباهنا لا من قبيل المجاز، ولكن من قبيل الحق الذي هو قال أنا الحق. عندما يرشم الكاهن الذبيحَة يصرخ الشعب كله: آمين؛ لأنَّ العلامة المحيية قد وُضِعَت على الخبز الذي من قِبَل نعمة الروح القدس يتحول إلى جسد ربنا. وهذه العلامة تُوضع عليه مثل ختم؛ لأنها عندما تختم الخبز، فإنه يتَّحد - من قِبل النعمة - بالصليب، فلا يعود خبزًا بعد، بل ذبيحة نحرص عليها ولا نعطيها لغير المؤمنين؛ لأنه بالإيمان وحده نُقبل إلى هذه الشركة، وبدونه لا يكون لنا ذبيحٌة. يا أولادي، إنَّ رشم الصليب يرافق التقديس، بل هو جزءٌ منه وعلامة على أنَّ هذا الخبز الذي نقسمِّه قد جاز إلى أعماق السر غير المنظور وصار منه، أي سريًا. فلنتذكَّر هذا، عندما نرشم الصليب، فإننا به نتقدَّس ونعتز بقوته لنصير للرب. لنرشم ذواتنا بانسحاق طالبين من الرب أن يجعلنا ذبيحًة وقربانًا لأبيه السماوي. يتحدث الرسول عن المرتد أنه قد حَسِبَ دم العهد الجديد دنسًا. والذين يرتدَّون، إنما يصطدمون بالصليب قبل أي شيء. التجسُّد يا أحبائي هو فعل التواضع العجيب والمحبة الغير المتناهية، ولكن الصليب هو تدبير المغفرة؛ لأنه به وحده صار لنا القبول أمام الله بدم العهد الجديد، لذلك أخَذَت كنيستنا تقليدًا من الآباء أن يُرشم الصليب باليد اليُمنى؛ لأنها اليد التي تُوضَع على حَمَل المحرقة للإقرار بالذنب. فهذه اليد تحمل العلامة السمائية؛ لأنها رُفِعَت في المعمودية للإقرار بالإيمان والاعتراف بالمسيح؛ لأن مَن يعترف به وحيدًا وكلمةً، فهو يُقرُّ أيضًا بخطاياه؛ لأن إعلان وإظهار (الابن) الوحيد جاء من قِبَل خطايانا، وبالأولى من قِبَل رحمة الآب ومحبته، ولكنه ما صار بشرًا وصلب إلاَّ لكي يردنا نحن الضالين. فالويل كل الويل لمن يخجل من ختم العهد، أو يتردد في وشمه؛ لأنه إن كان قد سمع قول الرسول بولس السعيد بالصليب لمَّا قال: "أمَّا أنا فحاشا لي أن أفتخر بشيء آخر سوى صليب ربنا يسوع المسيح". إن مَن يخاف من ختم العهد يقع في فخ الارتداد، ويهيئ نفسه ليكون فريسةً للأسد الذي بلا رحمة، الذي حاول أن يفترس بطرس، ولما عَرِفَ قساوته صرخ في المؤمنين في الكاثوليكون: "إبليس عدونا كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه .. فقاوموه راسخين". ونحن نرشم الصليب باليد اليُمنى؛ لأننا عندما نرشم الصليب، فنحن نضع أيدينا على الذبيحة، ونقر بموت الوحيد عنا، وكأننا بالحق والنعمة قد أخذنا حياةً وخلاصاً. هذا الخلاص في يدك. إرشم ذاتك بعلامة الصليب فتحيا "لأن القلب يؤمن به للبر والفم يُعتَرف به للخلاص". عندما يقابل آباء البرية بعضهم بعضًا، فإنهم يرشمون الصليب. وآباء برية أنبا مقارة يقولون ليس لأجل خداع الشياطين فقط - لأنهم إن كانوا رهبان زور أو خيالات، فإنهم يهربون - ولكن لأجل إكمال المحبة. لهذا يرشم الشيوخ ذواتهم بعلامة الصليب قبل القبلة المقدسة في سر الختن السمائي (القداس الإلهي)؛ لكي يُظهروا محبتهم بعضهم لبعض لأن الصليب يتقدم المصالحة وبه تصير لنا أغابي (المحبة) الأخوية. وقد ذكر العالم القس اسحق إنَّ الشماس يرفع الصليب في تلاوة صلاة الصلح، فيخضع الكل. ويخرج ويقف في باب الأسكنة (المذبح) ويقول: قبلوا بعضكم بعضًا بالقبلة الرسولية، ويرفع الصليب علامًة على أن المصالحة صارت بين البشر وبين الله بموت الوحيد عنَّا. فلنُصالح إخوتنا ونحبهم ونغفر لهم؛ لأنه بهذا يكمل رشم الصليب. وإن كان لواحد بغضاً في قلبه على واحد آخر، فليغفر له. ويرشم ذاته بالصليب لكي يخزي شيطان الغضب، ولهذا تأمرنا الكنيسة برشم الصليب في أول الصلاة لنكون على يقين من أنه لا غضب ولا بغض في قلوبنا. رأيت أحد الإخوة مرًة وهو ملتهب بنار الحنق، وكأنه تحوَّل إلى سبع، ولكنه رشم ذاته بعلامة الصليب لأن الروح كان في حسرة عليه، فنزلت عليه ندى السماء، وسكن غضبه، وصار إلى التواضع. ولمَّا سألته قال لي: إن شيخًا من برية أنبا مقارة علَّمه أن يتذكر موت المسيح كلما اشتعل غضبه، وأن يرشم ذاته بالعلامة المحيية، لأنها تجلب المحبة والصفح إلى القلب، وإنه منذ أن أطاع معلِّمه وهو يتقدم باستمرار في قتال الغضب، غير أنه ذكر لي أن أوجاع القتال صعبٌة، ولكنها تبرد من قِبَل الصليب. لقد ذكر لنا أبونا لابس الصليب الصديق العظيم الأنبا أنطونيوس أن نرشم ذواتنا بالصليب كلما اقتربت منا الأرواح المعاندة. ولذلك، قبل الحديث مع الإخوة، لنهتم بأن نضع علامة المصالحة دائمًا حتى لا يحدث سجس ولا يتنجس الضمير. مَن يتدنَّس بالشر وتصير فيه وساطة الأبالسة، فهو يعرف الينبوع الحي الذي لا تجف مياه الحياة منه، الصليب المحيي، فليتقدم إليه ويغتسل. كثيرون يسافرون ربوة من الأيام في طلب طبيب حكيم، البعض يأتي من طابانا (الصعيد) إلى الإسكندرية لطلب مشورة العارفين بدواء الجسد، وها ينبوع الحياة في داخلنا، بل في أيدينا ومع هذا نتغافل عنه. مسكين من عنده الدواء ولا يستعمله لجهلٍ، ولكنه متهاون ومتجاسر ومقيد بأغلال العصيان، مَن يرى باب الحياة أمامه مفتوحًا على وسعه ولا يدخل منه. هل نتهاون بالصليب وعلامته؟ إن الصليب يرافقنا في كل طقس. ليس في المعمودية والأسرار فقط، بل لنتقدم إلى الأساس كله، لنرى ما هي حجارة الأساس؟ عندما يُقام الكهنة، فإنَّ الكاهن الكبير يرشمهم على جباههم بعلامة الصليب. وإن جاء مريض إلى الكنيسة، فإنه يُدهن من زيت الأسكنة (المسحة) بعلامة الصليب. والكاهن يعقد الزيجة الطاهرة بالصليب؛ لأن العريس قدَّم مهره للعروس على الجلجلة. ويرشم المعترف ذاته بالصليب، ويرشمه الأبُ بعد صلاة الغفران؛ لأن المعترف ما يقر بذنوبه إلاَّ على أساس أنَّ له مغفرًة، لأنه لو لم تكن مغفرٌة ما كانت توبة أو اعتراف، وعندما يرشم ذاته بالصليب، فإنه يُقرُّ بأنَّ كل الفضائل والأعمال المرضية ما تغفر ما عليه من ديون، وإنما الذي يسامح المديونين بالأكثر والقليل هو السيد الصالح. والأب الروحاني يرشم المعترف لكي يقول إنه بالصليب يخلِّص تلميذه، وإنه مشارك له. وقد ذكر أبونا القديس الأنبا إيساك في ميمره على مَن يقبل سماع الذنوب: إنَّ الأب الروحاني يجب أن يرشم المعترف بعلامة الصليب بوجع قلب مشاركًا للسيد في آلامه؛ لأنه عندما صار للعالم مغفرة، فإن هذا قد تحقق من قبل أوجاع الرب وعرقه ودمه. فليعرف المعترف إن من صار ذبيحة من أجله ما قدَّم ذاته برُخصٍ، بل بوجع كثير. وليعرف الأب الروحاني إن المغفرة ما تعطى بكلمات، ولكنها بدم (الابن) الوحيد وعمل الروح القدس، لأن الرب عندما قال: "أقبلوا الروح القدس"، رشم التلاميذ ونفخ في وجوههم. ولقد رشم التلاميذ لأنه عرَّفهم أنَّ أوجاع الموت ستأتي عليهم، لكن قوة القيامة هي بالروح القدس الذي وَجَدَ له موضعًا فيهم، وعرَّفهم كذلك أن يكرزوا به مصلوبًا، وأن ينطقوا بالصليب وسر الآلام السيدية بقوة الروح لا بذكاءٍ أو حيلةٍ أو غموضٍ. ولقد حملوا ذنوب المعتمدين وغيرهم وشاركوهم أوجاع التقوى حتى أنَّ الرسول بولس شبَّه نفسه بالمرأة التي جاء عليها المخاض والوجع. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
رشم علامة الصليب _ بولس البوشي (أسقف مصر (القاهرة) القرن 13) |
رشم علامة الصليب _ بولس البوشي |
الأنبا بولس البوشي |
الأنبا بولس البوشي الأسقف |
الأنبا بولس البوشي الأسقف |