المسيح حي هنا والآن
إنجيل يسوع المسيح هو لكل العالم وإلى كل الأيام حتى انقضاء الدهر. ليس هو مجرد خبر عن أمور ماضية وشخص غائب، كغيره من أخبار العظماء، بل هو إعلانٌ بمخلِّص حاضر وبأمور حالية تهمُّ كل إنسان. ففوق ضجيج أعظم أنواء الحياة، يسمع المؤمن صوت هذا العظيم قائلاً: "لا تخف. أنا هو الأول والآخر، الكائن والذي كان والذي يأتي، وها أنا حي إلى أبد الآبدين. ثق يا بنيَّ، أنا قد غلبتُ العالم. بحسب إيمانك ليكن لك". ويشعر بلمْسِ يديه القادرتين، ويعلم أن لمسهما يمنحه الشفاء والحياة، لأنه بمعرفته يجد الحياة الأبدية. والذي يدرس سيرة يسوع المسيح يجد أن كثيراً من القياسات البشرية لا تصِحُّ فيه، فيشعر بأن هذا الخروج عن تلك القياسات نتيجة لازمة عن طبيعته الأخرى الإِلهية الحقيقية.
ينال المؤمن من رفيقه "عمانوئيل" العزاء في زمان الوحشة، والفرج في زمان الضيق، والتشجيع في ساعة الخوف، والتحذير في ساعة التجربة، والتوبيخ في ساعة السقوط، والتنشيط في ساعة العمل، والهُدى والتدريب في ساعة الحيرة والشك والقصور، والمغفرة في ساعة التوبة، والمديح في ساعة الانتصار.
بعد أن سمعنا تهليل الملائكة حول مهده، ورأينا شهادة نجم المجوس لعظمته، وفَتْح السماوات ليحلَّ الروح القدس عليه عند نهر الأردن، ومجيءَ الصوت من السماء الذي أعلن مقامه عند اللّه، وخدمةَ موسى وإيليا له من السماء، وصوتَ الآب ثانية لابنه الحبيب على جبل التجلي، يقول: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت، له اسمعوا". والصوتَ الثالث الإلهي في دار الهيكل في أسبوع الآلام يقول "مجدت وسأمجد أيضاً". وخدمة الملائكة له في بستان جثسيماني، وإظلام الشمس وزلزلة الأرض وشقَّ الصخور وفتحَ القبور في الجلجثة، والزلزلة الثانية التي أفزعت الحُرَّاس. والملاكَ الذي دحرج الحجر عن باب القبر، وظهوراتِ الملائكة المتكررة حول القبر، وظهوراتِه العشرة لتلاميذه بعد قيامته، ثم سهولة صنعه معجزاته طول أيامه ووفرة عددها وبهجة أسلوبها، وكمالاته الأخلاقية والروحية، ثم صعوده الممجَّد إلى السماء في مركبته السحابية، وجلوسه عن يمين اللّه.. بعد مشاهدتنا هذه كلها نفهم فاتحة يوحنا البشير لما كتب: "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللّهَ.. وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الْآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً" (يوحنا 1:1 ، 14).
في تعاليم المسيح وتأثيرها الفائق الوصف، وفي حبه الصبور المتفاني، ولطفه الحنون المتسامح، كما في غضبه الحاد الصالح، وتوبيخه المرّ الصادق، وفي احتماله العجيب المتناهي لمحبيه ومبغضيه، ثم في انتصاره التام على كل المكائد العدوانية، وكل ذلك لخلاص البشر، نرى الأساس الكافي لخاتمة البشارة ذاتها لما كتب يوحنا: "وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ" (يوحنا 20:31).