تذكار نقل رفات أبينا الجليل في القدّيسين يوحنا الذهبي الفم إلى القسطنطينية
(438م)
بعدما رقد القدّيس يوحنا الذهبي الفم في منفاه في كومانا الكبّادوكية، ووري الثرى بقرب القدّيسَين الشهيدَين باسيليسكوس ولوقيانوس هناك كما كانا قد كشفا له في الحلم قبل وفاته بقليل. ولم تمرّ سنة على ذلك، أي في العام 408 م، حتى توفي الأمبراطور البيزنطي أركاديوس وزوجته أودكسيا واعتلى العرش ثيودوسيوس الصغير.
الأمبراطورة أودكسيا هي التي كانت وراء نفي القدّيس يوحنا الذهبي الفم إلى تلك الأصقاع.
إثر ذلك أخذ أتباع القدّيس وأنصاره يستعيدون كراسيهم واعتبارهم بصورة تدريجية. البطريرك الإسكندري ثيوفيلوس الإسكندري كان لهم بالمرصاد وأبقى، هو وأتباعه، الوضع مشدوداً، أولاً لمناهضته للقدّيس يوحنا، وبالتالي لمن ينتمي إليه، وثانياً محاولة منه للإستئثار بكلمة الفصل في شؤون الكرسي القسطنطيني.
حالة التضاد هذه دامت إلى أن تولّى سدة البطريركية القسطنطينية بروكلس (20 تشرين الثاني) الذي كان أحد تلامذة الذهبي الفم. وقد تمكّن القدّيس بروكلس من إقناع الأمبراطور بصوابية استقدام رفات معلّمه إلى القسطنطينية من كومانا.
استحالة نقل الرفات ورسالة الإعتذار:
فلما خرج المرسلون والجنود إلى هناك لنقل الرفات واجهتهم مشكلة لم يتمكّنوا من معالجتها. بدا كأن النعش ملتصق بالأرض، تعذّرت زحزحته رغم كل المحاولات. كأنما القدّيس أبى أن يغادر المكان.
لماذا؟ كانت ثمة عقبة!
ولم يلبث الأمبراطور ثيودوسيوس الصغير أن شعر أنه هو السبب وأن الذهبي الفم غير راض عنه لأنّه لم يبد عن والديه لا توبة ولا اتضاعاً كافيين. لذا لجأ إلى أسلوب كان القدامى يتبعونه، فيما يبدو، تعبيراً عن توبتهم وحسن نواياهم حيال الراقدين، فكتب رسالة إلى القدّيس يوحنا، كما لو كان حيّاً في الجسد، سأله فيها العفو والمسامحة لما اقترفه والداه حياله ورجاه أن يقبل العودة إلى المدينة المتملّكة لسرور وعزاء الكثيرين من الذين طال انتظارهم له بشوق كبير.
فلما حمل الموفدون الرسالة ووضعوها على صدر القدّيس انحلّت المشكلة وتزحزح النعش فأمكن نقله إلى القسطنطينية بسهولة.
إنحراف السفينة:
نقل النعش من كومانا بإكرام عظيم. فلما بلغ الموكب خلقيدونية، غطّى الشعب المياه الفاصلة بين خلقيدونية والمدينة المتملّكة في مراكب مزيّنة ومضاءة بالمشاعل حتى بدت كأنها اليابسة، فجأة هبّت عاصفة هوجاء اربكت السفن الملكية ومالت بالسفينة التي كانت تقلّ النعش إلى نقطة من البرّ استقرّت فيها وأبت أن تتزحزح. فلما استطلع المعنيّون الأمر تبيّن لهم أن هذه البقعة من الأرض تخصّ امرأة أرملة اسمها كاليتروبي فرغبت فيها الأمبراطورة أفدوكسيا ووضعت عليها اليد بالقوة.
ولكن انتصر الذهبي الفم للأرملة فحقدت عليه الملكة، ولما سنحت لها الفرصة أبعدته إلى كومانا، على الأثر صدر أمر بإعادة الأرض إلى الأرملة. إذ ذاك فقط هدأ عجيج البحر وتابعت السفينة الملكية سيرها بسلام.
وصول الرفات إلى القسطنطينية:
أخيراً وصل النعش إلى القسطنطينية فأُدخل أولاً كنيسة القدّيس الرسول توما في أمنتيوس.
هناك كانت أودكسيا الأمبراطورة مدفونة وكان ضريحها عرضة للإهتزاز المتواصل لعشرين سنة خلت، فلما دخل نعش الذهبي الفم استكان ضريح أودكسيا.
بعد ذلك أُدخل النعش إلى كنيسة القديسة إيريني حيث أُجلس القدّيس على العرش وصرخ الشعب بفرح عظيم: "استعدْ عرشك يا قدّيس الله!".
أخيراً بلغ النعش كنيسة الرسل القدّيسين حيث مدافن الأباطرة والبطاركة. فلما أُجلس القدّيس، هنا أيضاً، على العرش الأسقفي سُمع صوته يقول:"السلام لجميعكم!".
وقد جُعلت الرفات تحت المائدة وأقيمت الذبيحة الإلهية فجرت بالرفات عجائب جمّة.