|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أيها الآب مجّد ابنك بالصليب كيرلس السكندري "الآن نفسي قد اضطربت. وماذا أقول؟ أيها الآب نجني من هذه الساعة؟ ولكن لأجل هذا أتيتُ إلى هذه الساعة. أيها الآب مجِّد اسمك". أرجوكم أن تلاحظوا في هذه الكلمات مرة أخرى، كيف أن الطبيعة البشرية تتأثر بسهولة بالأمور المزعجة، ويدخل إليها الخوف، بينما من الناحية الأخرى فإن القوة الإلهية غير المُدركة، هي من جميع الوجوه لا تنثني ولا تخاف، وهي ثابتة في الشجاعة التي تليق بها وحدها. فإن ذكر الموت الذي ورد أثناء الحديث بدأ يزعج يسوع، ولكن قوة الألوهة في الحال أخضعت المعاناة التي أثارها ذكر الموت، وفي لحظة حولت الخوف إلى جرأة لا تقارن. لأننا يمكن أن نفترض أنه حتى بالنسبة لمخلصنا يسوع المسيح نفسه، فإن المشاعر الإنسانية كانت تثار بصفتين موجودتين فيه بالضرورة فبتأثير هذه المشاعر أظهر نفسه بشكل أكيد إنه إنسان مولود من امرأة، ليس في مظهر خادع أو مجرد خيال، بل بالحري بالطبيعة وبالحق، لأنه له كل الخصائص الإنسانية فيما عدا الخطيئة وحدها. والخوف والانزعاج، رغم أنهما من المشاعر الطبيعية بالنسبة لنا، إلا أنهما لا يحسبان ضمن الخطايا. وإضافة إلى ذلك، فإن اضطراب المشاعر الإنسانية في المسيح كان لمنفعتنا: ليس أن العواطف سيطرت وامتدت كثيراً كما يحدث معنا، بل إنها بعد أن بدأت، فإنها تُوقف بقوة "الكلمة"، وهكذا فإن الطبيعة الإنسانية في المسيح تنتقل إلى حالة أفضل وأكثر إقتراباً من الطبيعة الإلهية. وبهذه الطريقة - وليس بغيرها - فإن عملية الشفاء اجتازت منه إلينا نحن. لأن طبيعة الإنسان أُعيدت إلى جدة الحياة، في المسيح نفسه أولاً - كباكورة، وفيه أيضاً قد حصلنا على الأمور التي تفوق الطبيعة. ولهذا السبب فهو يدعى في الكتب المقدسة، "آدم الثاني". كما أنه كإنسان شعر بالجوع والتعب، هكذا أيضاً بنفس الكيفية يشعر بالاضطراب الفكري الذي ينتج عن الألم، لأن هذا الشعور هو خاصية إنسانية. ومع ذلك فهو لا يستثار مثلنا، ولكن فقط بقدر ما يبدأ الإحساس بهذا الاختبار، ثم يعود في الحال مرة أخرى إلى الشجاعة اللائقة بذاته (أي بلاهوته). ويتضح من هذه الأمور حقاً أن له نفساً عاقلة. لأنه كما أن حالة الشعور بالجوع أو اختبار أي شعور آخر مثل هذا، هو ألم خاص بالجسد، هكذا أيضاً فإن الاضطراب من تصور الأمور المرعبة هو بالضرورة ألم خاص بالنفس العاقلة، التي بواسطتها هي وحدها يمكن حقاً أن يدخل أي فكر إلى داخلنا من خلال عمليات العقل. لأن المسيح، قبل أن يكون بالفعل مصلوباً على الصليب، فإنه يعاني ضيقة الآلام قبل حدوثها، إذ كان يرى بوضوح مسبقاً ما كان سيحدق، وكان يتصور بفكره الأحداث المقبلة. لأننا لا يمكن أن ننسب إلم الرعب للاهوت غير قابل للتألم، كما أنه ليس خاصاً بالجسم، لأنه إنفعال خاص بالنفس وليس بالجسم. ورغم أن الحيوان غير العاقل يضطرب ويستثار، بسبب أنه يملك نفساً (حيوانية)، لكنه لا يشعر بالرعي عن طريق عملية فكرية، ولا يالتفكير المنطقي المسبق في الألم المُقبل، بل حينما يحدث أن يجد نفسه وسط أي خطر فعلي، فإنه يشعر بألم الإحساس بالخطر الموجود فعلاً. أما الرب من الجهة الأخرى فإنه في هذا الموقف الذي قرأنا عنه يضطرب ليس بواسطة ما يراه أمامه بل بواسطة ما يعرفه بالفكر مسبقاً. لذلك، فإن كلمة الله وحّد الطبيعة البشرية بكليتها مع نفسه، لكي بذلك يخلّص الإنسان بكليته. فما لم يتخذه للاتحاد بطبيعته (الإلهية) لا يحصل له خلاص. ومع ذلك، فإنه بعد أن تحدث عن كونه إضطرب، فهو لا ينسحب إلى الصمت، بل يحول الألم الذي أحسّ به إلى الشجاعة بلا أي خوف، وكأنه يقول: "الموت في ذاته هو لا شيء، ولكني سمحت لجسدي أن يشعر بالخوف والرعب، لكي أدخل فيه عنصراً جديداً من الشجاعة والقوة. لقد جئت لأعيد الحياة للذين على الأرض، والتي فيها أيضاً أتهيأ للآلام. وبعد ذلك يقدم طلبه إلى الآب، ويظهر الشكل الخارجي للصلاة، ليس كأنه ضعيف من جهة الطبيعة الضابطة للكل، بل (يصلي) من جهة إنسانيته، ناسباً للطبيعة الإلهية تلك الخصائص التي تفوق البشر؛ وهو لا يعني بهذا أن الطبيعة الإلهية هي غريبة عن ذاته، فهو يدعو الله أباه الذاتي، بل ويعرف تمامًا أن القوة الكاملة الجامعة والمجد الفائق هما يخصان الآب والإبن معاً. وسواء كان نص الصلاة: "مجد إبنك"، أم "مجد إسمك" فلا يوجد اختلاف في المعنى الدقيق للأفكار التي يوصلها إلينا. فالمسيح إنما يحتقر الموت وعار الآلام، ويتطلع فقط إلى الأمور التي سيحققها بواسطة آلامه، وهو يرى موت كل البشر وهو يتلاشى كنتيجة لموت جسده، عارًفا أن قوة الفساد هي على وشك أن ُتباد إلى الأبد، وأن طبيعة الإنسان حينئذ ستتحول إلى جدة الحياة: وكأنه يقول شيئًا من هذا القبيل لله الآب: " أيها الآب، إن الجسد ينفر من ملاقاة الموت، ويرتعب من ذلك الموت الذي هو ضد الطبيعة "بالنسبة له، بل ويبدو أنه أمر لا ينبغي أن يحتمل، أن الذي هو جالس معك في العرش، ويملك القوة الضابطة للكل، يثور اليهود عليه بشدة بإهاناتهم الشنيعة؛ ولكن حيث إن هذا هو السبب الذي جئت لأجله، إذاً، " مجد إبنك"، أي لا تمنعني من ملاقاة الموت، بل أمنح إبنك هذا الطلب لأجل خلاص كل البشر". ويمكنك أن تعرف أن الإنجيلي في بعض مواضع أخرى أيضاً يتحدث عن الصليب تحت إسم "مجد" من قوله " لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطي بعد لأن يسوع لم يكن قد مُجّد بعد" (يو ٣٩:٧ ). فالإنجيلي يتحدث بحكمة في هذه الكلمات عن كونه "صلب" بقوله " مجد": أي أن الصليب هو مجده. ففي وقت آلامه احتمل المسيح راضياً وصابراً صعوبات كثيرة، وأيضاً إجتاز آلاماً كثيرة بإرادته من أجلنا كان يمكنه لو أراد أن يرفض التألم بها، فاحتماله كل هذه الآلام من أجل منفعة الآخرين هو دليل على حنانه الفائق وعلى مجده العالي جداً. والابن صار ممجداً أيضاً بطريقة أخرى. فلأنه أنتصر على الموت، فنحن نعرف أنه هوالحياة، وابن الإله الحي. والآب يتمجد حينما يرى أن له مثل هذا الابن مولوداً منه، أي من نفس الطبيعة التي له. وهو الصلاح، والنور، والحياة، والغالب الأقوى من الموت، وهو الذي يفعل أي شيء يريده. وعندما يقول: "مجد ابنك"، فهو يعني هذا: "أعط موافقتك لي أن أتألم بحسب رغبتي". فالآب بذل ابنه للموت، ليس بدون تشاور معه، بل بالرضا والقبول لأجل حياة العالم: لذلك فإن موافقة الآب يشار إليها على أنها سكب للبركات علينا نحن، فبدلاً من "الألم"، تكلم عن "المجد". وهذا يقوله أيضًا كمثال لنا: لأننا بينما ينبغي أن نصلي من ناحية معينة أن لا ندخل في تجربة، إلا إننا من الناحية الأخرى إن كان لابد أن ُنجرب، فينبغي أن نحتمل التجربة بنبل، ولا نهرب منها، بل أن نصلي لكي نخلص ونكون في الله. بل "مجد إسمك". لإنه إذا حدث أن يتمجد الله من خلال الأخطار التي تقابلنا، إ ًذا فلتحسب كل الأمور الأخرى في مرتبة ثانية بعد هذه الغاية (أي تمجيد الله). إضافة إلى ذلك، كما أن إبادة الموت لم تتم بطريقة أخرى غير موت المخّلص، هكذا أيضاً من جهة كل ألم من آلام الجسد: فلو لم يشعر بالخوف، لما أمكن للطبيعة البشرية أن تتحرر من الخوف، ولو لم يكن قد اختبر الحزن، لما كان هناك تحرر من الحزن على الإطلاق؛ ولو لم يكن قد إضطرب وإنزعج، لما وجد أي مهرب من هذه المشاعر. ومن جهة كل إنفعال من الإنفعالات التي تتعرض لها الطبيعة البشرية، فإنك ستجد المقابل لها بالضبط في المسيح. فإنفعالات الجسد كانت تتحرك، لا لكي تكون لها السيطرة كما يحدث في حالتنا نحن، بل لكي حينما تتحرك، فإنها يتم إخضاعها كلية بقوة الكلمة الساكن في الجسد، وهكذا فإن طبيعة الإنسان تجتاز تغيرًا نحو الأفضل. المرجع: تفسير إنجيل يوحنا للقديس كيرلس الاسكندري، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد إصدار مركز دراسات الآباء |
23 - 07 - 2016, 05:19 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| الإدارة العامة |::..
|
رد: أيها الآب مجّد ابنك بالصليب
ميرسي على مشاركتك الجميلة مارى
|
||||
25 - 07 - 2016, 01:41 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: أيها الآب مجّد ابنك بالصليب
شكرا على المرور |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|