إن عين الله أبينا ترمُقنا دائمًا أبدًا، والأذرع من تحتنا ومن حولنا نهارًا وليلاً. وقد أحصى جميع شعور رؤوسنا، ومن فرط صلاحه يتداخل في كل أمورنا. وقد أخذ على عاتقه أن يسد كل أعوازنا ويقضي لنا جميع حاجاتنا. بل أكثر من ذلك يدعونا لأن نلقي كل همنا عليه ونحن عارفون يقينًا أنه يعتني بنا. ومهما كانت أحمالنا ثقيلة فإنه يتنازل ويدعونا لأن نطرح هذه الأثقال وهو قادر أن يحملها عنا. وغرض الرب من كل ذلك أن تهدأ قلوبنا مهما صادفنا.
أما الشيء المهم فهو أن يسأل كل منا نفسه عما إذا كان الإيمان الصادق بهذه المواعيد الحلوة يملك على النفس والقلب، وهل نؤمن حقيقة بأن الخالق القدير الحامل لكل الأشياء بكلمة قدرته قد أخذ على عاتقه، من مجرد نعمته، أن يعتني بنا كل رحلات الطريق؟ هل يؤمن كل منا من القلب بأن «مالك السماوات والأرض» هو أبوه المتكفِّل بسد كل أعوازه من أول الطريق إلى آخرها؟
إننا بكل أسف نخشى أن تكون فاعلية هذه الحقائق السامية والبسيطة، ضعيفة جدًا في حياتنا. نحن نتكلم كثيرًا عنها، ونعظ بها، ونناقش الغير فيها، ونسلِّم بصحتها، ولكننا نُصادق عليها اسميًا فقط. وذلك لأن حياتنا اليومية وحركاتنا وسكناتنا في الواقع تدل دلالة واضحة على أننا لم ندرك عمليًا هذا الحق المبارك. ولو كنا نُوقن حقًا أن إلهنا قد تكفَّل بسد كل أعوازنا، ولو كنا نجد جميع ينابيعنا فيه، ونجعل من إلهنا ملجأً أمينًا مريحًا لقلوبنا، لمَا اتجهت أبصارنا إلى الينابيع البشرية الفقيرة التي سرعان ما تجف وتخيّب آمالنا.
إن الثقة التامة البسيطة في إلهنا تورد نفوسنا بركات عظمى وثمينة .. «يكون كشجرة مغروسة على مياه، وعلى نهر تمدُّ أصولها ... ويكون ورقها أخضر ... ولا تكف عن الإثمار» ( إر 17: 7 ، 8). هذا هو مثال كل رجل يجعل الرب مُتكله، وفي الرب رجاؤه. إنه يرتوي وينتعش من الينابيع الأبدية المتدفقة من قلب الله، وحتى إذا جفت كل المجاري البشرية فذلك لا يؤثر بتاتًا لأنه لا يعوِّل عليها في شيء. ولهذا لا يعوزه شيء من الخير لأنه يحيا بالإيمان راسخًا في اتكاله على مصدر كل خير.