اهل مغارة أفسس القديسون
> احتلت قصة أهل مغارة أفسس أو ما يسميهم السريان "أهل الكهف" مركزًا
خاصًا لدى مؤرخي السريان وأدبائهم، سجلها الكثيرون نثرًا، كما كتبها مار
يعقوب السروجي (521م) في قصيدة على الوزن السباعي تقع في أربعة وسبعين
بيتًا. ولا يزال بعض السواح إذ يزورون آثار أفسس القديمة، يقصدون بجوار
هيكل أرطاميس وكاتدرائية مار يوحنا زيارة كهوف أهل الكهف. في أيام
داكيوس إذ تولى داكيوس (ديسيوس) الحكم سنة 250م أثار الاضطهاد ضد
المسحيين، وقد زار أفسس وطلب من أشرافها أن يقدموا الذبائح للأوثان،
مستخدمًا كل وسائل العنف، حتى سلم الآباء أبنائهم للقتل، وتحاشى
الأصدقاء لقاء أصدقائهم لشدة الضيق، إذ كان يُقتل حتى الوثنيين إن لم
يدلوا على أماكن المسيحيين، فتحولت المدينة كلها إلى حالة من الرعب. وشى
البعض لديه بأن جماعة من الشبان في القصر لا يطيعون أمره، هم
مكسيمليانوس ويمليخا ومرتيلوس وديونيسيوس ويؤانس وسرافيون وقسطنطينوس
وأنطونيوس. أحضرهم الإمبراطور وسألهم أن يذبحوا للأوثان وإذ رفضوا جردهم
من رتبهم وأعطاهم فرصة للتفكير. قام الشبان بتوزيع أموالهم على الفقراء،
وانطلقوا سرًا إلى كهف كبير في جبل أنجيلوسOchlon يمارسون
> العبادة منتظرين لقاءهم الثاني مع الإمبراطور عند عودته، إذ ترك
المدينة إلى حين، وكان معهم بعض الدراهم. كان يمليخا يرتدي ثوبًا
باليًا، ينزل من حين إلى آخر إلى المدينة ليشتري ما هو ضروري لهم. عاد
يمليخا بعد فترة يؤكد لزملائه مدى ما وصلت إليه المدينة من اضطراب بعودة
الإمبراطور إليها. استدعى الإمبراطور آباء هؤلاء الشبان وهددهم بالموت،
فقالوا له إن الشبان قد سلبوا مالهم وبددوه على الفقراء وأنهم مختفون في
كهف في الجبل لا يعرفون إن كانوا أحياء أم أمواتًا. عندئذ أخلى سبيلهم،
وأمر أن يُسد باب الكهف بحجارة ليصير لهم قبرًا وهم أحياء. وإذ كان
أنتودورس وآوبوس وكيلا الملك مسيحيين مؤمنين سرًا، تشاورا معًا، وكتبا
إيمان هؤلاء الشبان على صحائف توضع داخل صندوق نحاس يُختم ويترك عند
مدخل الكهف إكرامًا لأجساد القديسين. في أيام ثيؤدوسيوس بن أركاديوس
بقيّ الحال هكذا وقد رقد الرجال وصاروا أشبه بمن هم نعاس حتى ملك
ثيؤدوسيوس الصغير سنة 408م، وكان رجلاً ورعًا تقيًا. وإذ ظهرت في أيامه
بدعة تنكر قيامة الأجساد، اضطرب الملك نفسه وتشكك، فلبس المسوح وافترش
الرماد خفية يصرخ إلى الله طالبًا أن ينزع عنه هذه
> الوساوس. إذ كان راعِ للغنم يود بناء حظيرة بجوار الكهف بدأ رجاله
يقلعون الحجارة فنزعوا حجارة باب الكهف، وإذا بالفتية في اليوم التالي
يقومون بأمر إلهي لرسالة خاصة، قاموا كمن كانوا في نوم ليلة واحدة. نزل
يمليخا إلى المدينة ومعه بعض الفضة ليشتري بعض الضروريات، وكم كانت دهشة
إذ رأى علامة الصليب منحوتة على باب المدينة، وقد تغيرت كل ملامح
المدينة تمامًا، حتى اختلط الأمر عليه هل كان هو في حلم أم في حقيقة.
فقرر أن يشتري خبزًا وينطلق إلى اخوته يتباحث معهم في الأمر. وإذ قدم
بعض الدراهم للخباز دهش الرجل إذ وجدها ليست العملة السائدة في أيامه،
وظنه أنه وجد كنزًا يرجع إلى أيام داكيوس (ديسيوس). اجتمعت الناس حوله
تسأله عن الكنز الملوكي الذي وجده، فكان يشخص إليهم مندهشًا، فحسبوه
يخفي الكنز. رآه الكل شابًا غريبًا، فسألوه عن أصله وجنسه، فأجابهم أنه
من المدينة وأخبرهم عن أسماء والديه واخوته وعشيرته، وأنه كان يعمل في
القصر فحسبوه مجنونًا. هاجت المدينة كلها، وإذ سمع الأسقف ماريس
استدعاه، وكان يمليخا يظن أنه سُيقدم لداكيوس ليقتل، وكم كانت دهشته إذ
وجد نفسه في كاتدرائية أمام أسقف، وكان قد حضر
> الوالي أنتوباطس، فأخذ الشاب يروي لهما قصته مع زملائه الشبان، فلم
يصدقا شيئًا. عند الكهف انطلق يميلخا ومعه الأسقف وكبار القوم إلى الكهف
للتأكد من صدق قوله، وهناك إذ دخلوا الكهف وجدوا الصندوق النحاس وقرأوا
الصحائف التي به وتحققوا من الأمر. سمع الملك بذلك فأسرع بالحضور، وجاء
يتحقق الأمر وهو يشكر الله الذي أكَد له القيامة عمليًا، وإذ التقى بهم
سجد أمامهم وعانقهم وبكى، ثم جلس على التراب فرحًا. أكد له مكسيملياس أن
الله قد سمح لهم بذلك من أجل إيمان الكنيسة، ثم رقد الشبان ودفنوا في
مواضعهم بعد أن بسط الملك حلته الملوكية على أجسادهم وهو يبكي. أراد
الإمبراطور أن يقيم لهم توابيت ذهبية، فظهر له المعترفون في حلم، قائلين
له: "إن أجسادنا قد بُعثت من تراب، ولم تبعث من ذهب أو فضة، فدعونا على
التراب في نفس موضعنا من الكهف ذاته، لأن الله سيبعثنا من هناك".
تُعيِّد لهم الكنيسة السريانية في 24 من شهر تشرين الأول. مار أغناطيوس
زكا الأول عيواص: رائحة المسيح الذكية، 1984م، ص 13-33.